الأخبار
فرصة ترامب الذهبية في الشرق الأوسط لو فهم ما يريده الفلسطينيون
ناقشت الباحثة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، زها حسن، في مقال نشرته مجلة فورين بوليسي، احتمال نجاح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيث فشل أسلافه في الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن قراره المقبل قد يكون حاسماً في مستقبل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
فبعد انهيار وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في مارس/آذار، تراجعت آمال التوصل إلى تسوية شاملة. إلا أن الخطة التي تبناها القادة العرب في القاهرة الشهر الماضي قدمت رؤية لإعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها، مع رسم مسار محتمل نحو السيادة الفلسطينية. لكن الخطة لم تُجب على السؤال الأصعب: كيف يمكن إقناع حماس بالتخلي عن سلاحها؟.
وترى حسن أن اتفاقاً بين حماس وفتح هو ضرورة لنجاح أي خطة إعادة إعمار أو تسوية سياسية، إلا أن هذا الاتفاق لن يُكتب له النجاح ما لم تتدخل الولايات المتحدة لتضمن عدم تقويضه من قبل إسرائيل. وهنا تأتي فرصة ترامب، إذ إن إدارته، عبر مقاربة غير تقليدية وتواصل مباشر مع حماس، أظهرت استعداداً للضغط على الحلفاء والخصوم على حد سواء، ما يضعه في موقع فريد لتحقيق اختراق حقيقي.
إدارة ترامب، عبر مقاربة غير تقليدية وتواصل مباشر مع حماس، أظهرت استعدادا للضغط على الحلفاء والخصوم على حد سواء، ما يضعه في موقع فريد لتحقيق اختراق حقيقي
ورغم أن ترامب أوضح أن هدفه هو التطبيع بين السعودية وإسرائيل، إلا أن السعوديين أكدوا أن لا تطبيع دون قيام دولة فلسطينية مستقلة. ووفق ما قاله المبعوث الخاص للبيت الأبيض، ستيف ويتكوف، فإن الصفقة الجيدة “يجب أن تناسب الجميع” بمن فيهم الفلسطينيون.
وفي تحول غير مسبوق في النهج الأمريكي، سعى ويتكوف إلى معرفة ما تريده حماس، بل وزار غزة بنفسه، في خطوة لم يقدم عليها أي مسؤول أمريكي رفيع منذ أكثر من عقدين. كما التقى مستشار آخر، آدم بوهلر، ممثلين عن حماس، رغم تصنيفها كجماعة إرهابية من قبل الخارجية الأمريكية.
لكن هذه الجهود تتعارض مع تصريحات ترامب بشأن “إعادة توطين” الفلسطينيين خارج غزة. ورغم ظروف النزوح، رفض معظم سكان القطاع هذا الخيار، واختاروا العودة إلى أنقاض منازلهم بدل التهجير.
تقول حسن إن ترامب نجح في دفع العرب إلى بلورة خطة واقعية لإعادة إعمار غزة، لكنها تتساءل: ما الذي تتضمنه هذه الخطة لإسرائيل والولايات المتحدة؟.
الجواب: التطبيع، والاستثمار، وإدماج إسرائيل في الإقليم. إلا أن إسرائيل، التي تواجه اتهامات متزايدة بارتكاب جرائم حرب، بحاجة إلى خطة خروج بديلة من هذا المسار الانحداري، وإلا ستجد نفسها معزولة أكثر فأكثر.
وترى حسن أن الخطة العربية ما تزال أفضل أمل لوقف إطلاق نار دائم، لكنها تتطلب معالجة معقدة لقضايا الحكم في غزة والضفة، تبدأ باتفاق بين فتح وحماس، وتحتاج ضمانات أمريكية كي لا تُجهضها إسرائيل.
الخطة العربية لإعادة إعمار غزة ما تزال أفضل أمل لوقف إطلاق نار دائم، لكنها تتطلب معالجة معقدة لقضايا الحكم في غزة والضفة، وضمانات أمريكية جدية
وتقارن حسن موقف ترامب بإدارة جو بايدن، التي رغم تقارير الاستخبارات عن القصف العشوائي الإسرائيلي في غزة، لم تستخدم نفوذها للضغط على نتنياهو. أما ترامب، فنجح في دفع نتنياهو للموافقة على وقف إطلاق نار في يناير 2025 — نسخة طبق الأصل من الاتفاق الذي رفضه سابقاً.
فما الذي تغيّر؟ تدرك حسن أن ترامب يعرف نقطة ضعف نتنياهو: البقاء في السلطة. وقد أدرك الأخير أن ترامب مستعد للضغط بجدية، خاصة وأنه يحظى بشعبية في أوساط الرأي العام الإسرائيلي.
لكن هذا النفوذ لم يدم طويلاً. فعندما حان وقت تنفيذ المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، والتي تتضمن انسحاباً كاملاً من غزة، ترك ترامب القرار بيد إسرائيل، ما أدى إلى انهيار الاتفاق وعودة الحصار والقصف.
وبالتالي، ترى الكاتبة أن ترامب أمام لحظة حاسمة: عليه تجاوز الحسابات الضيقة لنتنياهو، والتفكير في مستقبل الإسرائيليين والفلسطينيين. فالإسرائيليون تعبوا من الحروب المتكررة، والفلسطينيون يدركون أن ترامب وحده قد يضغط على إسرائيل بجدية، لكنهم ما زالوا غير واثقين من أن الولايات المتحدة ستضمن صفقة “عادلة للطرفين”.
وتختم حسن بأن إعادة إعمار غزة لن تحدث ما دامت حماس في الحكم، وأن المانحين لن يضخوا أموالاً لمشاريع قد تُدمَّر في التصعيد المقبل. لكنها تشير إلى أن حماس أبدت استعداداً للتخلي عن الحكم، وعلى إسرائيل أن ترحب بإعادة السلطة الفلسطينية، التي كانت شريكاً أمنياً فاعلاً في الضفة الغربية.
كما تقترح أن تبدأ حماس وفتح بتنفيذ اتفاق المصالحة الذي وُقّع في بكين، بدعم دولي من مصر، والسعودية، والأردن، والإمارات. وينبغي كذلك إشراك المجتمع المدني الفلسطيني، ودمج الجماعات المسلحة في قوات الأمن التابعة للسلطة، وفق أفضل الممارسات الدولية.
وتشير في الختام إلى أن أول رحلة خارجية لترامب في ولايته الثانية ستكون إلى الرياض في أيار/مايو، حيث من المنتظر أن تكون عملية إعادة إعمار غزة وإرساء أسس السلام الإقليمي على رأس جدول الأعمال. وفي الشهر الذي يليه، تستضيف نيويورك قمة التحالف العالمي لحل الدولتين، بمشاركة سعودية وأوروبية، لإعادة طرح الخطة العربية كمسار واقعي للسلام.