الإثنين 2 شوال 1446 هـ - 31 مارس 2025

من يريد إنهاء الأونروا.. وما الذي يُخيفهم منها؟

لم يكن الهدف من تأسيس وكالة الأونروا في (8 ديسمبر/ كانون الأوّل 1949) إلا سياسيًا، جاء بعد تكليف الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة برئاسة الأميركي غوردن كلاب "للاستقصاء الاقتصادي في الشرق الأوسط" في منتصف العام 1949 لدراسة الأوضاع الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وتوجيه النصح والإرشاد "لبرنامج التنمية المناسب لاستيعاب اللاجئين".

وقدمت اللجنة تقريرها للجمعية العامة بتاريخ (16 نوفمبر/ تشرين الثاني 1949)، وأوصت لوكالة الأونروا التي تستعد الجمعية العامة للإعلان عنها رسميًا بتشكيل صندوق لـ"دمج اللاجئين" ميزانيته 49 مليون دولار، تساهم فيه أميركا بنسبة 70%، لإقامة مشاريع تنموية في فترة لا تتعدى 18 شهرًا.. تحت شعار "عمل أكثر وغوث أقل".

التمهيد لإنشاء الأونروا

وفقًا للقرار رقم 212 في (19 نوفمبر/ تشرين الثاني 1948)، أسست الأمم المتحدة "هيئة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين"، وذلك لتقديم المعونة للاجئين الفلسطينيين الذين قُدِّر عددهم حينها بحوالي 935 ألف لاجئ، وتنسيق الخدمات التي تقدمها لهم المنظمات غير الحكومية وبعض منظمات الأمم المتحدة الأخرى مثل اليونيسيف، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأغذية والزراعة الدولية والمنظمة العالمية للاجئين.

بعد إنشاء "هيئة الأمم المتحدة" بأسبوعين فقط، صدر القرار 194 عن الجمعية العامة بتاريخ (11 ديسمبر/ كانون الأول 1948)، والذي بموجبه تم التأكيد على حق العودة والتعويض واستعادة الممتلكات للاجئين الفلسطينيين.

انبثق عن القرار تشكيل لجنة التوفيق الدولية حول فلسطين (UNCCP)، لتضم كلًا من تركيا، وفرنسا، وأميركا، وتكليفها بمهمة حصر أعداد اللاجئين الفلسطينيين ووضع آليات لتطبيق حق عودة اللاجئين إلى أماكن سكناهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 لمن يرغب بالعودة.

وبعد مرور سنة، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكالة الأونروا وفق القرار 302 بتاريخ (8 ديسمبر/ كانون الأول 1949) كوكالة مؤقتة لمدة سنة واحدة، مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتطبيق القرار 194، فالقرار 302 والفقرتان؛ الخامسة والعشرون تشير إلى أن عمل وكالة الأونروا يجب ألا يخلّ بتطبيق القرار 194.

استيعاب اللاجئين في دول عربية

أربع دول كانت مهيأة سياسيًا لاستيعاب ودمج اللاجئين الفلسطينيين (مصر، ولبنان، وسوريا، والأردن)، وهي، أي تلك الدول، كانت قد وقّعت على اتفاقيات الهدنة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بين شهرَي  فبرايرشباط ويوليو/ تموز من العام 1949، أي بمعنى آخر توطين اللاجئ الفلسطيني في تلك الدول وشطب حق العودة لمن لا يرغب بالعودة، مما أنشأ مناخًا سياسيًا مناسبًا للبدء بعملية التوطين دون اعتراض الدول المضيفة، واستغلال الوضع الإنساني المتردي للاجئين، لكن من أوقف المشروع هم اللاجئون أنفسهم بوعيهم وإدراكهم ما كان يُحاك ضدهم.

وما الخدمات الإنسانية التي قدمتها الأونروا عند انطلاق أعمالها بشكل رسمي في الأول من مايوأيار 1950، ووفقًا لقرار التأسيس رقم 302، إلا لتُسهم في تعزيز برامج التنمية بهدف تسهيل عملية الاستيعاب والدمج في الدول الأربع.

في الوقت الذي جرى فيه تعطيل دور "لجنة التوفيق الدولية" منذ خمسينيات القرن الماضي حتى الآن، وعمليًا تعطيل أي محاولات لإيجاد آليات لتطبيق حق العودة أو توفير الحماية للاجئين الفلسطينيين بمعناها الشمولي: القانوني والإنساني والجسدي، استمرت وكالة الأونروا بتقديم خدماتها، لتحقق ثلاثة أهداف رئيسية: الأول إنساني بتقديم المساعدات، والثاني سياسي بإبراز قضية اللاجئين وبقاء الوكالة كشاهد حي على مأساة اللجوء والتشرد إلى حين العودة، والثالث قانوني بالحفاظ على مسمى لاجئ وفق الأمم المتحدة والمطالبة بالحقوق المشروعة بالعودة.

وعلى الرغم من مرور أكثر من 75 سنة على إنشائها، لا تزال وكالة الأونروا تحمل مسمى "وكالة مؤقتة" يتم تجديد ولايتها وتفويضها من قبل الجمعية العامة كل ثلاث سنوات، وآخر تجديد حتى (يونيو/ حزيران 2026).

الأمم المتحدة تؤكد على دور الأونروا

جرى التأكيد في أكثر من مرة على الهدف الذي لأجله تأسست الوكالة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، وبتاريخ (12 ديسمبر/ كانون الأول 1950)، صدر القرار رقم 393، وبموجبه أسندت الجمعية العامة للأمم المتحدة للأونروا مهمة العمل على دمج اللاجئين الفلسطينيين في اقتصاديات المنطقة بجانب تقديم الخدمات الإغاثية لهم.

وفي العام 1959 قدم الأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد ورقة إلى الجمعية العامة تتضمن مقترحًا يقضي بتوسيع برامج تأهيل اللاجئين وتعزيز قدراتهم على إعالة أنفسهم، و"الاستغناء عن المساعدات التي تقدمها إليهم وكالة الأونروا وتوطينهم في الأماكن التي يتواجدون فيها، مع مناشدة الدول العربية المضيفة للاجئين التعاون مع الوكالة الدولية".

وتماشيًا مع الهدف الرئيس الذي أُنشئت لأجله، وهو دمج اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة لمن لا يرغب بالعودة، لا نستغرب أن الكيان الإسرائيلي كان من المساهمين ماليًا في صندوق وكالة الأونروا حتى سنة 1995.

ففي سنة 1991 بلغت مساهمات الاحتلال 68.900 دولار، وفي سنة 1992 بلغت 112.141 دولارًا، ومع توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993، وصلت مساهمات الاحتلال ذروتها لتصل إلى 1.422.079 دولارًا، لتنفيذ برامج بالتنسيق مع الدول المضيفة يكون هدفها دمج اللاجئ الفلسطيني في أماكن تواجده، تماشيًا مع المرحلة السياسية الجديدة والاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الإسرائيلي، والتخلص الفعلي من حق اللاجئين بالعودة.

فشل الإطاحة بالأونروا

فشل اتفاق أوسلو و"ملحقاته" في الإطاحة بـ"الأونروا" وبقضية اللاجئين وحق العودة، سواء على مستوى نقل الخدمات إلى وكالة أخرى عربية أو إسلامية، أو بتحويل الخدمات إلى الدول المضيفة، أو أي منظمة أممية أخرى، بل إن التجديد الأخير لعمل الوكالة في (4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023) لثلاث سنوات حظي بموافقة ودعم 165 دولة.

لهذا، بات استمرار عمل الوكالة يشكل عنصر قلق وإزعاج حقيقيين للاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأميركية وحلفائهما، يُراد التخلص منها بأي وسيلة ممكنة، وأصبحت كالشوكة في حلق الاحتلال.

وما المنهجية الحالية التي يتبعها الاحتلال من محاولات التشويه والتضليل والاتهامات الباطلة للوكالة على مستوى عملها في الأراضي الفلسطينية المحتلة في قطاع غزة والضفة الغربية، إلا خير دليل.

فالوكالة تعتبر الشاهد الحي على جريمة الاحتلال باغتصاب فلسطين وطرد وتشريد أهلها، وتُديم صفة اللاجئ لحوالي 6 ملايين لاجئ فلسطيني، بحسب قواعد الأمم المتحدة التي تعتبر أن من ترك بيته في عام 1948 في فلسطين هو لاجئ، وجميع ذريته أيضًا لاجئون، وتغذي روح اللاجئين وتمسكهم بحقهم في العودة، ولديها الملايين من الوثائق والأرشيف الرقمي عن حياة وسجلات اللاجئين، وتعبر عن مسؤولية الأمم المتحدة السياسية تجاه اللاجئين الفلسطينيين حصرًا، بعد أن اعترف المجتمع الدولي بالشرعية المزيفة للكيان الإسرائيلي فوق أرض فلسطين وفق القرار 181 بتاريخ (29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947).

لذلك يُراد إنهاء خدماتها أو تفكيكها وبعثرة برامجها، وقد قالت سفيرة أميركا في الأمم المتحدة أليس ستيفانيك صراحة إن "إدارة الرئيس الأميركي ترامب لن تكتفي بقطع التمويل عن الأونروا، ولكن ستعمل على تفكيك الوكالة"، واتهمت الوكالة بأنها "منظمة إرهابية" موالية لـ"حماس".

مبادرات تفشل في شطب الأونروا

من "المبادرات" التي دعت إلى إنهاء عمل وكالة الأونروا، التوقيع على وثيقة جنيف البحر الميت في (1 ديسمبر/ كانون الأول 2003) لـ"حل القضية الفلسطينية"، وُصفت الوثيقة بأنها "أخطر مؤامرات تصفية القضية الفلسطينية"، ولاقت دعمًا وتأييدًا دوليين؛ فقد تم التوقيع بحضور الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، ورئيس الاتحاد الأوروبي، والمنسق الأعلى السابق للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي حينها خافيير سولانا، والممثل الخاص لرئيس وزراء بريطانيا لورد ليفي، ووزراء خارجية أوروبيين.

حول الأونروا، دعت الوثيقة التي وقعها عن الجانب الفلسطيني وزير الإعلام حينها ياسر عبدربه، وعن العدو الإسرائيلي وزير العدل يوسي بيلين، إلى "تشكيل لجنة دولية خاصة مهمتها إنهاء عمل الوكالة مكونة من الولايات المتحدة، والأونروا، والدول العربية المضيفة، والاتحاد الأوروبي، وسويسرا، وكندا، والنرويج، واليابان، والبنك الدولي، وروسيا، وغيرها"، جاء في الوثيقة: "على الوكالة أن تكف عن الوجود بعد خمس سنوات من بداية عمل اللجنة. تعرض اللجنة جدولًا زمنيًا لنهاية نشاط الوكالة ونقل وظائفها إلى الدول المضيفة".

وعي اللاجئين يُفشل مشاريع التوطين

استطاع اللاجئون الفلسطينيون بوعيهم لما يُحاك لهم أن يُفشلوا مهمة الوكالة التي رسمتها لها الأمم المتحدة خلال سنة. مع العلم أن الأخيرة، أي الأمم المتحدة، قد شكلت لهذه الغاية لجنة استشارية للأونروا مكونة من خمس دول: (أميركا، وبريطانيا، وفرنسا، وتركيا، وأيرلندا الشمالية)، وعادت وانضمت مصر، والأردن، وسوريا، في نفس سنة التأسيس.

بعد مرور أكثر من 75 سنة، استطاع خلالها اللاجئون تحويل وكالة الأونروا من مؤسسة أممية تهدف إلى توطين اللاجئين بعد سنة من تأسيسها لمن لا يرغب بالعودة، إلى تحويلها من محنة إلى منحة، من خلال تكريس دورها كي تكون شاهدًا حيًا على جريمة نكبة فلسطين، يرتبط وينتهي دورها فقط بتحقيق العودة.

باعتراف الأمم المتحدة بدولة الاحتلال الإسرائيلي وفقًا للقرار الأممي غير القانوني رقم 181 بتاريخ (29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947)، والتسبب بتهجير 935 ألف فلسطيني تحولوا إلى لاجئين، وصل عددهم في العام 2025 إلى ما يزيد عن 8 ملايين لاجئ في مختلف دول العالم، يمثلون ثلثي الشعب الفلسطيني، وبعد فشل مشروع الأمم المتحدة لتوطين اللاجئين من خلال الوكالة، أصبحت الأونروا، من خلال التصويت الدوري على استمرار عملها كل ثلاث سنوات، التزامًا دوليًا من قبل الأمم المتحدة على المستوى السياسي والإنساني والقانوني.

علي هويدي

مديرعام الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين والخبير في شؤون الاونروا

t>