الأربعاء 27 رمضان 1446 هـ - 26 مارس 2025

كيف يسهم قمع مؤيدي فلسطين في مأسسة "الترامبية" بأميركا؟

 

ثار الحديث في نهاية العام الماضي عن مشروع يعمل بالذكاء الاصطناعي لإسكات الأصوات المؤيدة للقضية الفلسطينية في الولايات المتحدة، وبالأخص في الجامعات، ويدعى "مشروع أستير".

ومع عودة رحى الحرب على غزة إلى الدوران، عادت الحركة الطلابية في أميركا من أجل فلسطين للعمل مرة أخرى، خاصة بعد اعتقال إدارة الهجرة والجمارك في الولايات المتحدة الطالب محمود خليل من جامعة كولومبيا.

وحول مشروع أستير وتمسّك إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بملاحقة الطلاب المشاركين في الحراك من أجل فلسطين، نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية بعنوان "قمع مؤيدي فلسطين بالذكاء الاصطناعي لمأسسة "الترامبية" وتغيير هوية المجتمع الأميركي"، ناقش فيها الباحث الدكتور الحاج محمد الناسك الأهداف الحقيقية لترامب من وراء محاربة معاداة السامية، وإلى أي مدى سينجح -بمساعدة مؤسسات اليمين المتطرف- في مأسسة "الترامبية" وإسكات الأصوات المؤيدة للقضية الفلسطينية؟

مشروع اليمين لخدمة إسرائيل

لا يتوانى ترامب إذن عن تنفيذ ما وعد به، فقد صمم القائمون على المشروع أداة أستير لتنظيم وتوجيه جميع الشركاء الراغبين في جهد منسق يوظف كل الموارد المتاحة لمكافحة معاداة السامية في الولايات المتحدة، وعبروا عن أملهم في وصول "إدارة أميركية راغبة في تنفيذه".

وحصل القائمون على المشروع على مناهم، ووصل إلى البيت الأبيض من يرغب في تنفيذه والمباهاة به وجعله في مصاف القضايا الملحة، حتى إن أعضاء في إدارته كانوا جزءا أساسيا في تنفيذه، ومنهم وزير الخارجية ماركو روبيو، مما يحوله إلى سياسة فدرالية في عهد ترامب.

ومنذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تجند الغرب بقواه الناعمة، إلى جانب قواه العسكرية، لدعم تلك الحرب، وسخّر مؤسساته الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي والمؤسسات الرياضية والأكاديمية لتسويغ إجرام إسرائيل.

ومع ظهورالسردية المضادة، التي قاد طلاب الجامعات الأميركية جزءا منها، انزعج أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة، وبدأ اللوبي الصهيوني في توحيد الجهود ضد "هامان العصر" وإعادة إحياء "أستير"، البطلة اليهودية التاريخية التي أنقذت اليهود من بطشه.

وبذلك وضع الإطار النظري لمشروع أستير: "إستراتيجية وطنية لمكافحة معاداة السامية"، في إحياء آخر مزدوج للسياسة المكارثية التي تنبعث من رمادها على نحو أكثر تطرفا، لكن هذه المرة لتوزيع لصاقات "معاداة السامية" بدل لصاقات "الشيوعية".

وعلى ذكر المكارثية، فإن تطبيقها يعني أن مجرد نفحة من التعاطف مع الفلسطينيين تكفي لوصف منظمة أو فرد ما بأنه جزء من شبكة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ومن يدعو لتطبيقها اليوم ليس السيناتور جون مكارثي، بل مؤسسة "هيريتيج" (Heritage)، وهي المؤسسة التي تقف وراء تطوير "مشروع 2025"، و"مشروع أستير" كجزء منه.

وساعدت "هيريتيج" في تشكيل سياسات الرؤساء الجمهوريين على مدى عقود، وهي تركز الآن على "مأسسة الترامبية"، وقد صاغت "مشروع أستير" بالتعاون مع معهد "أميركا أولا للسياسات"، الذي يوصف أحيانا بـ"حكومة البيت الأبيض القادمة" (The White House in waiting).

يزعم المشروع أن دوافع الجماعات المؤيدة للشعب الفلسطيني وفهمها للتاريخ يأتيان "مباشرة من صفحاتالبيان الشيوعي.

والمثير في المشروع أن فيه نوعا من "النسخ واللصق" من البيان الشيوعي لفهم دوافع الجماعات المؤيدة للشعب الفلسطيني وفهمها للتاريخ، وبذلك يتعمد المشروع الإشارة إلى أن خطر المناصرين للقضية الفلسطينية شبيه بالخطر الشيوعي الذي داهم الولايات المتحدة قبل 70 عاما، وذلك لتشريع إعادة إحياء المكارثية التي قضت على الشيوعيين في البلاد مرة أخرى.

يقول الأستاذ في جامعة كولومبيا جوزيف هاولي، الذي شارك في تنظيم أعضاء هيئة التدريس اليهود المعارضين للحرب واستغلال معاداة السامية، "لقد أراد المهيمنون الصهاينة من اليمين المتطرف أن يجعلوا من اليهود المعادين للصهيونية أو غير الصهاينة أو المنتقدين لإسرائيل خارجين عن القانون، وقد نجحوا في تحويل ذلك إلى سياسة لدى الجامعات.. والآن يريدون جعله قانونا فدراليا".

ورغم أن الأميركيين المعارضين لدعم الولايات المتحدة للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في فلسطين يتعرضون لقمع واسع النطاق، فإن المشروع يسعى لمأسسة القمع وجعله حكوميا قائما لترحيل المتعاطفين مع فلسطين أو سجنهم أو حرمانهم أو طردهم أو دفعهم للاختباء تحت الأرض، كما سيجري تطهير المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة من أي عناصر متعاطفة مع القضية الفلسطينية.

ويقول مراسل مجلة بوليتيكو في البيت الأبيض إيري سنتنر إن الجمهوريين أبغضوا الجامعات لعدة سنوات بسبب تحولها إلى أرض خصبة لإنتاج حملات الحرب الثقافية مثل "اليقظة"، المعروفة بـ"ووك كلتشر" التي تدافع عن التنوع والمساواة والإدماج والأطر الأكاديمية، وقد وجدوا الفرصة في احتجاجات فلسطين لمعاقبتها.

محمود خليل.. أول الضحايا

وتحدث موقع أكسيوس الإخباري عن استعانة وزارة الخارجية الأميركية بالذكاء الاصطناعي لإلغاء تأشيرات الطلاب الأجانب "الذين يبدو عليهم تأييد حماس"، وذلك ضمن حملة "القبض والإلغاء" التي تهدف لمراجعة عشرات الآلاف من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي لحاملي التأشيرات الطلابية، وذلك بالتعاون مع وزارتي العدل والأمن الداخلي، فيما وصفه أحد كبار المسؤولين في الخارجية الأميركية بأنه "نهج يشمل الحكومة بأكملها".

ويعد الطالب محمود خليل أول ضحايا هذه السياسة، فقد علق ترامب على اعتقاله بالقول إنه ستتبعه اعتقالات أخرى، وأضاف في منشور على منصة تروث سوشيال إن "إدارة خدمات الهجرة والجمارك ألقت القبض بفخر على محمود خليل، وهو طالب أجنبي متطرف موال لحماس في حرم كولومبيا"، كما نشر حساب البيت الأبيض على منصة إكس صورة خليل مرفقة بعبارة "شالوم محمود".

وذكر موقع "زيتيو" أن خليل طلب -قبل يوم من اعتقاله- من كاترينا أرمسترونغ رئيسة جامعة كولومبيا الحماية، وقال لها في رسالة إلكترونية "لم أتمكن من النوم خوفا من أن تأتي وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك أو أي شخص إلى منزلي"، لكنه لم يلق تجاوبا منها واعتقل من منزله وهو مع زوجته الحامل في شهرها الثامن ونقل إلى سجن اتحادي للمهاجرين في لويزيانا.

ووصل الحد بالإجراءات العقابية تجاه الجامعات إلى إلغاء إدارة ترامب نحو 400 مليون دولار من المنح والعقود الممنوحة لمجموعة جامعات من بينها كولومبيا، مما قد يحرم كثيرا من الطلاب حول العالم من متابعة دراستهم في الجامعات الأميركية، وذلك بدعوى تقاعس الجامعات عن مواجهة المضايقات المستمرة للطلاب اليهود.

شماعة "معاداة السامية"

قد ينجح ترامب بعض الشيء من خلال ترحيل بعض الطلاب الأجانب في إخماد بعض الأصوات المؤيدة للقضية الفلسطينية، لكنه لن يتمكن من تحقيق ما يصبو إليه، فالطلاب ليسوا سوى جزء يسير من قاعدة عريضة من الأميركيين المؤيدين للحق الفلسطيني، خاصة بعد الحرب على قطاع غزة.

وحتى إن سلمنا جدلا بأن من يحاربهم ترامب هم طلاب الجماعات فحسب، فالمهمة ليست سهلة أيضا، فقد أصدر القاضي جيسي فورمان قرارا بعدم ترحيل خليل "ما لم تأمر المحكمة بذلك"، وأثار اعتقاله موجة من النقد والإدانة ممن اعتقدوا أن عمليات الترحيل يمكن أن تنتهك الدستور الأميركي في حال تنفيذها، بمن فيهم الاتحاد الأميركي للحريات المدنية.

واستنكر نواب في مجلس النواب الأميركي اعتقال خليل، ورأوا فيه "سابقة خطرة وانتهاكا لحرية التعبير المكفولة في الدستور"، كما حذرت الصحفية إيميلي تامكين من أن تركيز إدارة ترامب على معاداة السامية قد يجعل اليهود أقل أمنا، مشيرة إلى أن ترامب يسعى لمهاجمة التعليم العالي وحرية التعبير والتجمع ومعايير الهجرة، وكل ذلك بشماعة مؤامرات معاداة السامية.

وكتب الأستاذ الفخري لدراسات جنوب آسيا في جامعة كولومبيا شيلدون بولوك لتامكين "لقد بذلت إدارة جامعة كولومبيا قصارى جهدها لإرضاء إدارة ترامب.. لكنها لم تنجح، وهذه الهجمة لا علاقة لها بمعاداة السامية".

ونددت الأمم المتحدة على لسان أمينها العام أنطونيو غوتيريش باعتقال خليل، وقال إن من الضروري "تسليط الضوء على أهمية صون الحق في حرية التعبير والحق في التجمع السلمي في كل مكان".

في المحصلة، يبدو أن الرئيس ترامب يتخذ من حربه على "معاداة السامية" ذريعة لتحقيق مآرب أخرى، وهي فرض أجندة يمينية تؤمن بتفوق العرق الأبيض وتسعى إلى تغيير هوية المجتمع الأميركي، وهو كما وصفه الكاتب الصحفي توماس فريدمان "انهيار عظيم يجري على قدم وساق".

 

[يمكنكم قراءة الورقة التحليلية كاملة عبر هذا الرابط

 

t>