مقالات

الميزان الاستراتيجي للأمن الإسرائيلي في الحلبتين الإقليمية والدولية .. مشجع جداً

الميزان الاستراتيجي للأمن الإسرائيلي في الحلبتين الإقليمية والدولية .. مشجع جداً

بقلم: دان شيفطان

رئيس «مركز دراسات الأمن القومي» في جامعة حيفا

منذ انهيار الاتحاد السوفياتي قبل ما يزيد على رُبع قرن، لم تطرأ تغيرات جدية في البيئة الاستراتيجية المحيطة بإسرائيل من شأنها التأثير على المقومات الأساسية لأمنها القومي. ويرتبط منحى التأثيرات المحتملة لهذه التغيرات – سلباً وإيجاباً – إلى حد كبير، بالطريقة التي تختارها إسرائيل لمواجهة هذه التغيرات والتعامل معها.

إن التحدي الماثل أمام القيادة القومية صعب ومعقد، لأن هذه المواجهة تجري في ظروف استثنائية من الغموض والالتباس. وتزداد هذه الظروف صعوبة، بشكل خاص، على خلفية تضافر استثنائي لاضطرابات وتقلبات في الحلبتين الإقليمية والدولية لم نشهد لها مثيلاً منذ منتصف القرن الفائت.

وفي المقابل يتكرس في الحلبة الإسرائيلية الداخلية ويتمأسس تحول سياسي واجتماعي يؤثر بصورة عميقة، في الطريقة التي تعتمدها القيادة القومية في مواجهة التحديات على الساحتين الإقليمية والدولية. –

الحلبة الشرق أوسطية

 اتضح منذ بداية العقد الحالي أن الهزة التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط تقود إلى طريق مسدود. فهذه الهزّة ليس فقط لم تشكل مدخلاً لمعالجة الإخفاقات البنيوية في العالم العربي فحسب، بل تبيّن أيضاً أن هذه الإخفاقات لا تقتصر على الأنظمة العربية فحسب، وإنما تعكس أيضاً فشل التيار المركزي في المجتمع العربي في مواجهة تحديات القرن الـ21 (بل والقرن الـ 20 أيضاً بمعان كثيرة).

ولا تشمل هذه الإخفاقات الأطر السياسية التي انهارت أو تلك التي تواجه خطر الانهيار فقط، بل أيضاً تلك التي أصبحت تدرك أن الخطر محدق بها على نحو يلغي أي إمكانية لإجراء إصلاحات عميقة قد تؤهلها لمواجهة الواقع المستجد.

ويشكل هذا المأزق في الاقتصاد والمجتمع تهديداً جدياً حتى على الدولة العربية الكبرى والأكثر أهمية واستقراراً التي تقوم منذ آلاف السنين على ضفاف النيل. –

وفي ظل هذا المأزق، تتنامى في المنطقة قوى راديكالية، عربية وغير عربية، تدمج ما بين عدم الرضى عن الوضع القائم، ورفض الانفتاح على العالم الحديث، وهلوسات العظمة والهيمنة.

واستولت مثل هذه القوى على الحكم في الدولتين العظميين غير العربيتين في المنطقة ـ في إيران قبل نحو 40 عاماً وفي تركيا قبل عقد ونصف العقد. –

وأخيراً ظهر عامل غير دولتيّ لا يحاول حتى المتظهر بمظهر حديث، ويستند إلى أسس قبلية وولاءات بدائية في سعيه إلى فرض طهرانية إسلاموية، بوحشية استثنائية. وأصبح واضحاً اليوم أن الحديث لا يجري عن أزمة عابرة، بل عن سمة بنيوية يُتوقع أن تصمم مستقبل المنطقة في المستقبل المنظور، برغم الاستثناءات المحتملة في هوامشه.

ويعني هذا التطور بالنسبة لإسرائيل نشوء الحاجة إلى التعامل في المدى المنظور مع بيئة إقليمية تمتاز بعدم الاستقرار المزمن والعنف المبالغ فيه، والإحباط العميق، والغيرة المرّة في المحيط الذي يشعر بالإحباط من قصة النجاح التي حققتها الدولة اليهودية.

وأوهام التسعينيات بشأن «شرق أوسط جديد» يسعى إلى الدمقرطة والتسوية، تضطلع فيه إسرائيل بدور حاسم في تحقيق السلام الإقليمي من خلال اتفاق اختراقي مع منظمة التحرير الفلسطينية، أخلت مكانها على ضوء التجربة المريرة مع الفلسطينيين وانتكاسة «الربيع العربي»، لنظرة واقعية قاتمة. ولا تزال هذه النظرة تتيح لإسرائيل إمكان تقوية نفسها وإحداث تحسين مهم في ميزان أمنها القومي ـ كما سنفصل لاحقاً ـ لكن التوقعات والأدوات الاستراتيجية اللازمة لضمان ذلك وتحقيقه مختلفة تماماً بصورة جذرية. –

الحلبة الدولية

 نشهد في الحلبة الدولية خلال الفترة الأخيرة تحولاً مهماً في الميزان السياسي والثقافي في المجتمعات المنفتحة.

فقد أدى تضافر بعض السيرورات الاقتصادية والاجتماعية إلى زعزعة ثقة الجمهور بالنخب السلطوية وغيرها، وإلى تآكل شرعية النظام السياسي وارتباك أدائه. والمقصود هنا أساساً ما تراكم من إسقاطات العولمة التي شجعت نقل خطوط إنتاج عديدة إلى دول تكلفة العمل فيها متدنية، ما أتاح توافد أعداد كبيرة من المهاجرين من ثقافات أخرى إلى الدول الغربية المتطورة. –

واستفاد من هذه السيرورات بوجه خاص وأساسي مثقفون وشبان نجحوا في الاندماج في تلك المجتمعات، وسكان المراكز المدينية الكبرى، ومبادرون مقتدرون أحسنوا استغلال هذه الفرص الجديدة. –

أما سكان الأطراف، وخصوصاً من المسنين الذين يفتقرون إلى المؤهلات الملائمة، فقد راقبوا، بخوف وقلق ضياع مكانتهم ومصادر رزقهم حيال التوافد المتزايد للمهاجرين، مما شكل خطراً على نمط حياتهم. وجاء احتجاجهم السياسي في صناديق الاقتراع ليس فقط ضد ضياع أملهم الاقتصادي وتعمق الفجوات بينهم وبين الناجحين الجدد وفساد النخب، وإنما أيضا ضد الأيديولوجية الكوسموبوليتية التي استهدفت المحافظة على الوجهات الجديدة وحمايتها وتعزيزها.

تفسر هذه الظاهرة إلى حد كبير التحول السياسي الذي حصل في الولايات المتحدة، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتشدد أنجيلا ميركل في ألمانيا، وصعود اليمين في فرنسا وهولندا ودول أوروبية أخرى.

فهي تفرض على القيادات السياسية إبداء تفهم لمشكلات ناخبيهم من خلال التشديد على الأهداف القومية على حساب الكوسموبوليتية والإنسانية.

ومما يثير قلق فئات مسؤولة في أوساط «يسار ـ الوسط» و»يمين ـ الوسط» أن هذه الظاهرة لا تكتفي بإصلاح التشوهات المَرَضية في الليبرالية التي حادت عن مسارها، بل تشجع أيضاً أوساطاً مَرَضية في اليمين المتطرف وتسبغ عليه شرعية خطيرة.

ثمة منفعة لإسرائيل في فقدان نخب اليسار في الولايات المتحدة وأوروبا هيمنتها وثقتها بنفسها، غير أن صعود اليمين بمكوّناته المرضية، هو سيف ذو حدين.

فقد قدّست هذه النخب أحياناً الحرب ضد المركّبات «الكولونيالية ـ الأبارتهايدية ـ الفاشية» التي أُلصقت بإسرائيل، والتي اصطبغت بألوان لاسامية في بعض الأحيان.

يتميز تعامل القيادة الإسرائيلية مع الواقع الإقليمي، باستثناء مكوّن مهم واحد، بالحنكة والمسؤولية. أمّا التحدي الجديد في الحلبة الدولية فهو آخذ في التمأسس في هذه الأيام. ونظراً إلى أن الرد الإسرائيلي في هذا المجال لم يتبلور بعد، فمن السابق لأوانه الحكم على نتائجه.

الحلبة الإقليمية

تضررت إسرائيل في الحلبة الدولية من جراء المعطيات الأساسية السلبية، وتخاذل الولايات المتحدة وأوروبا، ومن جراء الأضرار التي أحدثتها الهزة الإقليمية.

وقد شملت هذه تكريس وتمأسس المشروع النووي العسكري الإيراني تحت كنف الاتفاق مع الدول العظمى، وضياع فرصة تحقيق السلام مع الفلسطينيين، والفوضى في سورية، والدعم الروسي لنظام الأسد، وتسلح «حزب الله» المكثف بمنظومات متطورة، وإصرار «حماس» الانتحاري.

وفي الحساب الاستراتيجي العام، ثمة تعويض عن هذه الأمور كلها بتضعضع وتفكك الدولتين الأكثر راديكالية في معاداة إسرائيل –  العراق وسورية – على نحو يزيل عن جدول الأعمال إلى فترة غير قصيرة، تهديداً تقليدياً ذا أبعاد وجودية. أما الخطر النووي الإيراني وبرغم خطورته البالغة، فأمام إسرائيل نحو عقد كامل من الزمن للاستعداد والتحضير بما يتيح إمكان مواجهة هذا التهديد بمعطيات أفضل بكثير. وحتى في حال تبدد الردع حيال «حماس» و»حزب الله»، فسيكون هذان التهديدان قابلين للاحتواء.

ولكن الأهم من هذا كله، بما لا يُقاس، هو التحسن البارز في مكانة إسرائيل الإقليمية والإدراك العميق لدى جميع الجهات المعنية وذات الأهمية مدى قوتها وصدقيتها وإصرارها.

إن التحالف الاستراتيجي مع مصر بقيادة السيسي يعادل في أهميته جميع الوجهات السلبية التي ورد ذكرها. فبالرغم من التوقعات القاتمة بشأن اقتصادها، لا تزال مصر هي الدولة العربية الأكثر أهمية واستقراراً والمركز الوحيد المؤهل لإنشاء قوة إقليمية منظمة ضد الراديكاليين الذين تقودهم إيران. كما أن العلاقات الحميمة مع الأردن، وتقاطع المصالح الواسعة مع العربية السعودية ودول الخليج الأخرى ومع المغرب، تعزز هذه الوجهة.

إن ما تم منعه أو تقليصه أو احتواؤه لا يقل أهمية عما تم إنجازه.

ففي الشمال نجحت إسرائيل في تجنب التدخل في سورية، إلى جانب المحافظة على حدود هادئة في الجولان وتقليص عنيف وحاد وحازم، في نقل الأسلحة الكاسرة للتوازن إلى «حزب الله». وفي الجنوب، أُجهضت محاولة «حماس» جرّ مصر، من خلال تجنيد الرأي العام العربي، إلى مواجهة مع إسرائيل، بل شكلت عملية «الجرف الصامد» نموذجاً جيداً للشراكة الاستراتيجية بين إسرائيل ومصر.

وحتى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لجم أخيراً كراهيته وتهجماته ضد إسرائيل وتجنب المواجهة المباشرة معها بصورة منهجية.

إضاعة الفرصة الإقليمية

إن إضاعة الفرصة الإقليمية من جانب إسرائيل تتعلق بالفلسطينيين.

وليس المقصود هنا بشرى تحقيق السلام أو «حل الدولتين». فليست هناك قيادة فلسطينية معنية بهذا، لا في رام الله ولا في غزة بالتأكيد.

إن أهمية القضية الفلسطينية ليست إقليمية شاملة. فالسلام أو الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين لم يؤثرا على أي مسألة ذات أهمية إقليمية جدية. مثلاً لم يؤثرا على المجازر في سورية، وعلى صمود مصر الاقتصادي، وعلى تسلح إيران النووي، وعلى الانقلاب المضاد في تركيا أو على ضياع الأمل الذي يدفع ملايين العرب إلى الرغبة في مغادرة بلدانهم.

في ظل غياب فرص تحقيق السلام أو الجيرة الحسنة، فإن لهذه القضية أهمية خاصة بالنسبة للدولة اليهودية والديمقراطية بمعنى واحد – الحاجة إلى الانفصال عن الفلسطينيين والتخلص من لعنتهم. لكن هذا لن يكون قابلاً للتحقق من دون إدارة أميركية صادقة ومخلصة، حتى لو كانت في إسرائيل حكومة حازمة وشجاعة تعي هذه الضرورة في العمق. وحتى بعد رحيل باراك أوباما، ثمة شك كبير في ما إذا كانت ستقوم حكومة كهذه، لكن الإمكانية واردة. ثمة ضرورة لإخلاء أحادي الجانب تدريجي للمستوطنات في المنطقة الواقعة وراء الجدار الأمني، مع الإبقاء على حرية عمل الجيش الإسرائيلي في المنطقة بأكملها، إلى حين استبداله في يوم من الأيام بجيش عربي مسؤول وحازم – أردني أو مصري – يقمع «الإرهاب» ويمنع الفلسطينيين من العمل ضد إسرائيل.

عن «يديعوت»

انجرار العالم وراء معارضي أردوغان

بدأ حزب العدالة والتنمية، الذي يسيطر على تركيا، في عملية من شأنها توسيع صلاحيات الرئيس رجب طيب أردوغان والسماح بتمديد حكمه حتى العام 2029. وقد قدم الحزب أمس اقتراحا للبرلمان من اجل تغيير الدستور والغاء منصب رئيس الحكومة، ومنح الرئيس صلاحية تعيين الوزراء في النظام. وبعد المصادقة المتوقعة في البرلمان سيتم نقل التغييرات إلى الاستفتاء الشعبي ـ واذا وافق عليها المواطنون فستصبح سارية المفعول في 2019.

لقد أثبت الجمهور في تركيا في الانتخابات الاخيرة بأنه يميل للوقوف إلى جانب أردوغان ـ هذا رغم الانتقادات الكثيرة التي تم اسماعها ضده في المجتمع الدولي. وحسب رأي من يؤيدون النظام فإن الانتقادات صاخبة إلى درجة أنه لا يمكن سماع صوتها الحقيقي ـ هذا كان ايضا السبب لإقامة صحيفة «ديلي صباح». ومنذ إنشائها قبل عامين قيل إنها «بوق الحكومة» أو «منصة أردوغان». ولكن محرر الصحيفة، ساردار كرغوز، قال لصحيفة «هآرتس»: «لا أحد يفرض علي ما أفعل، وأنا استطيع قول ما أريد. يقولون إن تركيا هي دولة تتدهور نحو الديكتاتورية وتقوم بتقييد حرية التعبير، لكن ذلك غير صحيح. أنا أعمل في هذه الصحيفة واؤيد الحكومة الحالية لأنني اؤمن بذلك كشخص مستقل وحر بشكل كامل». وحسب اقوال كرغوز، فإن كثيرين من الجمهور في تركيا يعتقدون أن انتقاد الحكومة هو الذي يحدد نمط وسائل الإعلام الاجنبية، حتى لو كان ذلك مخالفا لما يريده الشارع في تركيا. «كان هناك صحافيون من وسائل الإعلام الاجنبية جاؤوا إلى هنا في السابق. وعندما رأيت ما قاموا بنشره لاحظت كيف أن أقوالي تم اقتباسها بشكل معين كي تناسب أجندة معينة وضد أردوغان».

«هناك جماعة تستمد منها وسائل الإعلام الاجنبية اغلبية اخبارها، وهي جماعة علمانية يسارية»، قال أنس بيركلي، مدير البحث في معهد ابحاث «ستاه» السياسي. «منذ بداية الثمانينيات نشأت نخبة محافظة أكثر. ورغم هذا التغيير، فإن نظرة وسائل الإعلام الاجنبية ما زالت ملك للنخبة القديمة. وهي تمثل مواقف هذه الجماعة»، أضاف. معهد ستاه يعتبر مؤيدا للحكومة، وهناك من يعتبره «بوق الحكومة».

هذه النخبة الجديدة تشمل آسلي، وهي من عائلة معروفة بتأييدها لحزب العدالة والتنمية وأردوغان. وقد اضطر عماتها للتنازل عن عدة فرص مثل مؤسسة التعليم العالي التي أرادوا التعلم فيها، على ضوء منع النساء من وضع غطاء الرأس في الاماكن العامة، حين تحولت تركيا إلى دولة علمانية في العام 1923. فقد اضطررن إلى الاختيار بين التعليم العالي والدين. وتحت حكم أردوغان تمكنت آسلي من الالتحاق بالمؤسسة للدراسة وهي تصل إلى الجامعة مع غطاء الرأس.

والدها ايضا الذي هو من أصل كردي، يؤيد أردوغان رغم معارضة الاكراد لنظامه. وهذا على خلفية التحسين الاقتصادي الذي يقف أردوغان من ورائه.

«يمكن القول إن 90 في المئة من الذين صوتوا لأردوغان قاموا بذلك لاسباب عملية»، قال بيركلي، «قبل البدء بسيرته السياسية كرئيس لبلدية اسطنبول، كان هناك انقطاع للمياه والكهرباء بشكل يومي، واكوام للقمامة شكلت مصدرا للانفجارات والحرائق.

ومنذ دخوله إلى السياسة نحن نشهد تطورا اقتصاديا لم نشهده من قبل». وحسب اقواله، من بين المصوتين لأردوغان هناك 10 في المئة فقط ممن يؤيدونه لاسباب ايديولوجية.

حسب استطلاعات معهد الابحاث التركي «متروبول» فإن نسبة تأييد أردوغان في 2012 كانت 71 في المئة. وفي انتخابات 2014 تراجعت نسبة التصويت لأردوغان إلى 52 في المئة. وبعد ذلك أظهرت الاستطلاعات أن أقل من 50 في المئة قاموا بتأييده. ومع ذلك، ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة في آب الماضي أظهرت استطلاعات مركز الابحاث أن تأييد أردوغان زاد ليصل إلى نسبة 67 في المئة.

«إن أردوغان هو الخيار الأفضل»، قال محمد، الطالب في اسطنبول، «ما هو البديل؟ هناك الحزب الكردي الذي هو حسب رأيي حزب إرهابي كردي. وليس هناك مرشحون معقولون للاحزاب القومية المتطرفة. وهناك احزاب تسجد لايديولوجيا أتاتورك التي لم تعد مناسبة في الوقت الحالي. وهذا الحزب هو حزب غير مستقر. ما بقي إذا هو حزب العدالة والتنمية الذي هو الخيار العملي الافضل. فأفكاره أكثر منطقية وحكمه مستقر ويمكن الاعتماد عليه».

سواء نبع ذلك من اعتبارات ايديولوجية أو عملية، فقد وصل عدد كبير لتأييد أردوغان بعد محاولة الانقلاب، والعدسات الاجنبية تابعت الجموع الغفيرة التي تظاهرت. والعيون الاجنبية قد تعتبر أن هذه عبادة مبالغ فيها للشخص، وهي تذكر بالانظمة الفاشية. «هؤلاء اشخاص يناضلون من اجل مستقبلهم»، قال بيركلي.

رد أردوغان على محاولة الانقلاب الذي أثار الانتقادات في العالم، غير مرفوض بالنسبة لكثيرين من مؤيديه. لقد اتهم أردوغان فتح الله غولن بمحاولة الانقلاب. وبدأ بحملة واسعة ضده وبحملة تطهير ضد «اليزمط»، وهو حزب تابع لغولن. ويعتبر اليزمط في اوساط الاجانب حركة إسلامية معتدلة، هكذا يتم وصفه باللغة الانجليزية. ولكن بالنسبة لكثيرين من الاتراك فإن عدم التدقيق في المميزات المختلف فيها لدى هذا الحزب، هو مثابة انقطاع عن الواقع.

يتم التعامل مع حزب غولن في تركيا على أنه جماعة دينية منغلقة هدفها التغلغل إلى أكبر عدد من المؤسسات للسيطرة على الحكم. وقد عززت اقتباسات من خطابات غولن هذا الموقف، اضافة إلى الافلام الوثائقية ومقالات في صحف مختلفة، الامر الذي أثر على الرأي العام في تركيا.

على مدى السنين كانت العلاقة بين الحزب والحكومة متقلبة، وتحركت بين مكانة غير قانونية وإدانة لغولن، وبين الغاء الادانة في ظل حكم أردوغان، وكانت هناك فترة أصبحت فيها العلاقة مع الحكومة جيدة وفيها تعاون. وكل ذلك تغير في العام 2013 عندما تم الكشف عن قضية الفساد التي شملت المقربين من أردوغان وهددت بتوريطه هو نفسه. أردوغان أعلن أن فضيحة الفساد هذه تمت فبركتها من قبل اشخاص يحسدونه على نجاحه. وقد قصد حركة غولن الذي خدم الكثير من أتباعه في الشرطة. وفي العام 2014 تم الاعلان عن حركة غولن في تركيا على أنها منظمة إرهابية تحاول اسقاط النظام.

في الوقت الذي فوجئت فيه وسائل الإعلام الاجنبية من عملية التطهير الشاملة في الاشهر الاخيرة، واعتبرت ذلك بداية توجه تركيا نحو الديكتاتورية، تنفسوا في تركيا الصعداء. وبالنسبة لكثير من الجمهور، بدأ أردوغان أخيرا في التخلص من السرطان، مثلما قال عن حركة الغولنيين وكما اعتبرها الكثيرين.

حتى الآن تم اعتقال أو طرد 100 ألف شخص من اماكن عملهم، منهم معلمون واكاديميون وقضاة وجنود ورجال شرطة وموظفون في القطاع العام. إن عملية التطهير تهدف، كما قال أردوغان، إلى التخلص من أتباع غولن.

«أنا لا أنفي امكانية وجود اخطاء، وتضرر اشخاص أبرياء»، قال كرغوز، «لكننا نعيش في دولة ديمقراطية. وديمقراطيتنا قوية. والبريء ستتم تبرئته في نهاية المطاف». «أنت تعتقدين أن هذه الاقالات تؤثر على الشخص العادي كما تؤثر على وسائل الإعلام الاجنبية؟ بالتأكيد لا. الشخص البسيط كان مسرورا لأننا نتخلص منهم»، أضاف.

«لقد ذهبت إلى أحد مقرات اليزمط»، قال محمد، «وغادرت المكان بسرعة لأن الاجواء هناك كانت غريبة. أنت تأتي من اجل الحصول على الخدمة، التي كانت جيدة ـ المساعدة في الدروس البيتية، المساعدة في التحضير للجامعة والنوم ايضا لمن يحتاج. ولكنك تشعر بأن الايديولوجيا توجد هناك بشكل معين، حتى لو وصلت من أجل التعلم».

هناك من قام بتخصيص جزء كبير من وقته وعلى مدى سنين من اجل الكشف عن الجوانب المظلمة لحركة غولن واثبات ذلك. ويمكن ايجاد ذلك في الفيلم القصير من الثمانينيات الذي طلب فيه غولن من أتباعه الوصول إلى الاماكن المفصلية من اجل السيطرة على الدولة في الوقت المناسب. وقد قال غولن عن هذا الفيلم وأفلام اخرى، إنه تم اخراج اقواله عن سياقها. حنفي أباجي، ضابط شرطة رئيسي سابق، نشر في العام 2010 كتابا يصف ليس فقط الطرق التي وصل من خلالها رجال غولن إلى قيادة الشرطة، بل كيف اختلقوا فضائح وزوروا شهادات لمن كان يقف في طريقهم من اجل التخلص منه. وايضا من خلال قضاة ومحامين تابعين لهم. وقد أصبح هذا الكتاب من الكتب الاكثر مبيعا. وبعد ذلك تم اتهام أباجي بالعلاقة مع منظمة إرهابية، الامر الذي نفاه. وحكم عليه 15 سنة سجن.

اضافة إلى ذلك، وسائل الإعلام المحلية قالت إن هناك الكثير من قادة الازوتاريين الذين يؤيدون غولن. ولكن إذا كانت نظرية المؤامرة الخاصة بحركة غولن صحيحة، فليس من الواضح إلى أي درجة تورط فيها المؤيدون العاديون. ومن بين اولئك الذين يعتبرون حركة غولن جماعة منغلقة تهدد بالسيطرة، هناك من يعتقدون أن أتباع حركة غولن هم اشخاص بسطاء مع نوايا حسنة، تم تضليلهم وانجروا بشكل أعمى لقائدهم. في هذه الحالة، هل من الصحيح التخلص من 100 ألف شخص، بناء على شهادات مثل: فتح حساب في البنك التابع لغولن؟ أو التعليم في المدرسة التابعة لغولن؟ وإلى أي درجة كانت قوائم التطهير صحيحة؟.

«منظمات حقوق الانسان ترغب في القول إن هذه التطهيرات أضرت بحقوق الانسان»، قال بيركلي، «لكن كانت هذه فرصة للآخرين لاستعادة حقوقهم. الغولنيين تسللوا إلى الجهاز بشكل قوي إلى درجة أضرت بمن هم ليسوا من حركة غولن. لقد كانوا يصلون إلى المؤسسات الرسمية ويحضرون اصدقاءهم. وهناك أماكن لا يمكنك البقاء فيها إذا لم تكن من أتباع غولن».

هآرتس 11/12/2016

الصحافة الأميركية في عهد ترامب تواجه “خطراً وجودياً”!

الصحافة الأميركية في عهد ترامب تواجه “خطراً وجودياً”!

بقلم: كريستيان أمانبور

لم يخطر في بالي على الإطلاق أنه سيأتي يوم أقف فيه على المنبر للدفاع عن حرية الصحافيين الأميركيين وسلامتهم في بلادهم.

حضرات السيدات والسادة، يذكّرنا الكلام الصادر عن (الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب) الذي ورد في شريط الفيديو بالخطر الذي نواجهه. في الواقع كنت آمل بأن يتغير ذلك كله بعدما أصبح رئيساً منتخبا، وما زلت آمل بأن يتحقق ذلك. لكنني شعرت بالقشعريرة عندما تحدّث في تغريدته الأولى بعد الانتخابات عن “متظاهرين محترفين يتحرّكون بتحريض من الإعلام”.

لقد تراجع لاحقاً عن الجزء المتعلق بالمتظاهرين، لكنه لم يتراجع عن الجزء المتعلق بالإعلام. لم نبلغ تلك المرحلة بعد، لكن هكذا يتصرّف السلطويون أمثال السيسي وأردوغان وبوتين والملالي والرئيس الفيليبيني رودريغو دوتيرتي وسواهم.

جميع الصحافيين الدوليين الذين نكرّمهم في هذه الغرفة الليلة وفي كل عام، يدركون جيداً ما يجري عادة: أولاً يُتَّهم الإعلام بالتحريض، ثم بالتعاطف، وبعدها بالتواطؤ – إلى أن يجد الإعلاميون أنفسهم فجأة متّهمين بأنهم إرهابيون ومخرِّبون بكل ما للكلمة من معنى. وينتهي بهم الأمر مكبَّلين بالأغلال، في الحجز وأمام قوس المحاكم الصورية وفي السجون – ثم من يدري ما قد يحصل؟

لقد قال أردوغان للتو لزميلتي الإسرائيلية إيلانا دايان إنه لا يفهم لماذا هناك مَن يتظاهر في أميركا، فهذا يعني برأيه أنهم لا يقبلون – أو لا يفهمون – الديموقراطية! وهو يعتقد أن أميركا تحتاج، شأنها في ذلك شأن جميع البلدان العظمى، إلى رجل قوي من أجل تحقيق الإنجازات!

نداء لحماية الصحافة

كي تكون أميركا عظيمة، تحتاج إلى صحافة عظيمة تنعم بالحرية والأمان. إذاً، كلمتي هذه هي قبل كل شيء نداء لحماية الصحافة في ذاتها.

التزِموا من جديد بإعداد تقارير راسخة تستند إلى الوقائع من دون خوف أو محاباة. لا تقفوا مكتوفي الأيدي فيما تُنعَتون بالمخادعين أو الكاذبين أو الفاشلين. بل تكاتفوا – لأنه إذا انقسمنا فسوف يكون مصيرنا جميعاً السقوط.

قال لي المؤرخ سيمون شاما إنها ليست مجرد جولة انتخابية أخرى، ولا يمكننا التعامل معها على هذا الأساس. ويلفت إلى أنه الوقت الأنسب الآن للاحتفاء بحرية الصحافة وتكريمها وحمايتها والتحرك من أجلها.

في مستهل الحملة الانتخابية، قال رئيس إحدى الشبكات الإخبارية إن هذه الظاهرة قد لا تكون جيدة لأميركا، لكنها جيدة جداً لنا. خلال مقابلة أجريتها عبر برنامجي، الصيف الفائت، سألني المخرج والمؤرّخ كين بورنز ماذا كان الإعلامي الأميركي إدواردر. مورو ليفعل؟

أولاً، على غرار كثر يراقبون من الخارج، أقرّ بأنني صُدِمت بالمعايير العالية إلى درجة استثنائية التي فرِضَت على أحد المرشحَين في مقابل المعايير المنخفضة إلى درجة استثنائية التي فرِضَت على المرشح الثاني.

بدا وكأن الجزء الأكبر من وسائل الإعلام وقع في التشوش والارتباك في محاولته التمييز بين التوازن والموضوعية والحياد، والأهم من ذلك كله، الحقيقة.

لا يمكننا مواصلة النموذج القديم – كما في حالة الاحتباس الحراري مثلاً – حيث يُمنَح 99.9 في المئة من الأدلة العلمية المثبَتة بالتجربة حيّزاً مساوياً لذاك الذي يُمنَح لأقلية ضئيلة من مُنكري الاحتباس الحراري.

لقد تعلمت قبل وقت طويل، خلال تغطية التطهير العرقي والإبادة في البوسنة، أنه لا يجب أبداً مساواة الضحية بالمعتدي، ولا إقامة تكافؤ خاطئ في الأخلاق أو الوقائع، لأنك تصبح عندئذٍ متواطئاً في الجرائم والتداعيات الشديدة الفظاعة.

 

 

كفى تسخيفاً للحقيقة

أؤمن بأنه يجب أن نكون أمناء للحقيقة، لا محايدين. وأؤمن بأنه علينا أن نكف عن تسخيف الحقيقة. وعلينا أن نكون مستعدّين للنضال بقوة من أجل الحقيقة في عالمٍ حيث أعلن قاموس “أكسفورد” للغة الإنكليزية أن كلمة العام 2016 هي “ما بعد الحقيقة post-truth  “

يجب أن نقرّ بأن وسائل التواصل الاجتماعي التي أذعنّا لها صاغرين تفوّقت علينا.

لقد قام المرشح الفائز بمناورة ذكية للالتفاف علينا وتوجَّه مباشرة نحو الشعب. يُضاف إلى ذلك التطور الأكثر إثارة للذهول والمتمثل في تسونامي المواقع الإخبارية المزيّفة – أي الكاذبة – التي لم يستطع الناس بطريقة ما التعرف عليها أو التأكد من صحتها أو تجاهلها.

يقول أحد الكتّاب الأساسيين لهذه المقالات المزيّفة – هذه الأكاذيب – إن الناس يزدادون غباء، فينشرون تقارير خاطئة من دون التأكّد من صحتها. علينا أن نسأل إذا كانت التكنولوجيا قد تفوّقت في سرعتها على قدرتنا البشرية على مواكبتها. وينبغي على المعلِنين مقاطعة المواقع التي تلجأ إلى الأكاذيب. هل يواجه الصحافيون “خطرا وجوديا”؟

يقول وائل غنيم، أحد آباء “الربيع العربي” المسمّى ثورة وسائل التواصل الاجتماعي: “الوسيلة نفسها التي تنقل بفاعلية شديدة رسالة تغيير صارخة يبدو أنها تقوّض أيضاً القدرة على تحقيق التغيير. تضخم وسائل التواصل الاجتماعي النزعة البشرية إلى إقامة روابط مع الجنس البشري. وتميل إلى تقليص التحديات الاجتماعية المعقدة وتحويلها إلى شعارات تعبوية يُردّدها كما الصدى الأشخاص الذين يتماهون في تفكيرهم، بدلاً من الانخراط في الإقناع والحوار والتوصّل إلى إجماع. يَظهر خطاب الكراهية والأكاذيب إلى جانب النيات الصادقة والحقائق”.

أشعر بأننا نواجه أزمة وجودية تشكّل تهديداً لمعنى مهنتنا وفائدتها.

الآن أكثر من أي وقت آخر، علينا أن نلتزم بإعداد تقارير حقيقية وسط أمةٍ حقيقية وفي مختلف أنحاء عالمٍ حقيقي حيث تواجه الصحافة والديموقراطية خطراً قاتلاً، بما في ذلك من القوى الأجنبية على غرار روسيا التي تدفع المال لتلفيق أخبار كاذبة ونشرها، وتقوم بقرصنة النظم الديموقراطية هنا، وربما في الانتخابات الحاسمة المقبلة في ألمانيا وفرنسا.

سأورد بإيجاز حادثة حصلت معي: في الانتخابات الإيرانية، العام 1997 ، فاز المرشح الإصلاحي، وقد شكّل ذلك صدمة كبيرة لأئمة الإستابلشمنت الذين سألني أحدهم لاحقاً كيف كنت متيقنة إلى هذه الدرجة ومتى عرفت أن خاتمي سيفوز في الانتخابات. فأجبته، ما إن نزلت على الأرض وبدأت أتكلم مع الناس!

مواجهة “عالم ما بعد القيم”

علينا أن نناضل أيضاً ضد عالم ما بعد القيم.

ودعوني أتوقف عند رد الفعل النخبوي الشديد الذي نبذل جميعنا قصارى جهدنا للتكيف معه. منذ متى كانت القيم الأميركية قيماً نخبوية؟ هي ليست قيماً يسارية أو يمينية. ليست قيم الأغنياء أو الفقراء، ولا قيم المنسيّين.

لقد تعلّمتُ، على غرار عدد كبير من الأجانب، أنها قيم كونية. إنها قيم جميع الأميركيين من الأكثر اتضاعاً إلى الأرفع مقاماً. إنها الأساس الجوهري للولايات المتحدة وركيزة القيادة العالمية الأميركية. إنها علامة أميركية مسجّلة. إنها أعظم ما تصدّره أميركا وهديتها الأعظم إلى العالم.

إذاً، نعم، على غرار كثر حول العالم، لقد أصبت بالصدمة – قلّة قليلة تخيّلت أن هذا العدد الكبير من الأميركيين الذين مارسوا واجبهم المقدّس في حرمة غرفة الاقتراع من خلال ورقة الاقتراع السري، يتملّكهم الغضب إلى درجة دفعتهم إلى تجاهل فظاظة اللغة الشديدة، والسلوك الجنسي المفترس، وكره النساء ىالعميق، والآراء المتعصّبة والمهينة.

قال الحاكم ماريو كوومو إنَّ الحملة الانتخابية تشن بواسطة الشعر أما الحكم فيمارس من طريق النثر،لعل العكس سيحدث هذه المرة.

إذا لم يحصل ذلك، سأناضل انطلاقاً من موقعي كصحافية – وهذا ما يجدر بنا جميعاً أن نفعله – للدفاع عن منظومة القيم الفريدة التي تصنع الولايات المتحدة وحمايتها، والتي تسعى بلادنا من خلالها إلى التأثير في العالم.

النضال ضد تطبيع ما هو غير مقبول

يقول المقدّم الإذاعي المحافظ الذي قد يصبح المسؤول الإعلامي العتيد في البيت الأبيض إن وسائل الإعلام الأساسية مناهضة للقيم التقليدية.

أما أنا فأقول إن العكس تماماً هو الصحيح. وهل قرأتم عن الاجتماع الذي أطلِقت فيه هتافات النصر في واشنطن في نهاية الأسبوع الماضي؟ لماذا لا ينشر مزيد من التقارير عن الصعود الخطير لأقصى اليمين هنا وفي أوروبا؟ منذ متى لم يعد عداء السامية محك الاختبار الحاسم في هذه البلاد؟ علينا النضال ضد تطبيع ما هو غير مقبول.

قبل أسبوع من استفتاء “بريكسيت” المحموم في المملكة المتحدة، تعرّضت النائبة البريطانية الجميلة والشابة والمتفائلة والمثالية والشغوفة جو كوكس، التي كانت من المؤيّدين للبقاء في الاتحاد الأوروبي، لإطلاق نار وطُعِنت حتى الموت على يدَي مهووس راح يهتف “بريطانيا أولاً”. كانت متعاطفة جداً مع محنة اللاجئين السوريين. وقد ذكِر في الإفادات التي أدليت أمام المحكمة أن المتّهم كان قد بحث عن معلومات عن فرق الحماية النازية ومنظمة “كو كلوكس كلان”. قبل بضعة أسابيع فقط، كان زوجها براندون الذي يهتم الآن بتربية طفلَيهما الصغيرين، قد توسّع في حديثه معي عن مقال كتبه: “ينبغي على القادة السياسيين والناس في شكل عام أن يأخذوا على عاتقهم مسؤولية التكلم جهاراً ضد التعصب. إذا لم يقف الوسط في وجه الزحف الغادر للتعصب، يُظهر التاريخ أن الكراهية تسلك سريعاً طريقها نحو التطبيع. فالتزام الصمت بدافع المنفعة السياسية أو بسبب الارتباك الاجتماعي يمكن أن يتحوّل سريعاً تواطؤ مع شيء أسوأ بكثير. وقبل أن نتنبّه للأمر، يكون قد فات الأوان”.

إذاً، لننتقل الآن إلى الحلول.

دور الإعلام في العالم بطريقة ما، يجب أن تنتهي حرب الاستنزاف في هذه البلاد. لقد رأيتم جميعاً نتائج هذه الانتخابات. إنها متقاربة جداً. الأمة شديدة الانقسام، وغاضبة. هل سنستمر في وسائل الإعلام في تأجيج تلك الحرب – أم أننا سنأخذ نفَساً عميقاً وربما نجري إعادة ضبط؟

الأمر مهم أيضاً بالنسبة إلى الخارج. الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة في العالم، سواء كان ذلك للأفضل أم للأسوأ. وعلى المستوى الثقافي أيضاً. فالنموذج السياسي وكذلك النموذج الإعلامي اللذان نرسم معالمهما هنا سرعان ما يتم التمثل بهما، وينتشران في مختلف أنحاء العالم.

يمكننا نحن الإعلاميين أن نساهم في منظومة أكثر وظيفية أو في تعميق

الخلل السياسي. أيُّ عالمٍ نريد أن نترك لأولادنا؟

لقد حُشِرت السياسة في زوايا حزبية سامّة ومسبِّبة للشلل، حيث تُعتبَر الاختلافات السياسية جريمة، وحيث تعني لعبة الغالب والمغلوب أنه كي أنتصر أنا، يجب أن تُدمَّر أنت. ماذا حلّ بالتسوية والقواسم المشتركة؟

الدينامية نفسها أصابت بعدواها شرائح نافذة في الإعلام الأميركي. تماماً كما حصل في مصر وتركيا وروسيا حيث دُفِع الصحافيون نحو زوايا حزبية سياسية – فجُرِّدوا من الشرعية واتُّهِموا بأنهم أعداء الدولة.

امنعوا استخدام الصحافة سلاحاً

لقد باتت الصحافة في ذاتها تُستخدَم سلاحاً. علينا أن نوقف ذلك. ينتظرنا جميعاً عمل كثير: التقصّي عن الممارسات الخاطئة، ومحاسبة المسؤولين، والمساهمة في نزاهة الحكم، والدفاع عن الحقوق الأساسية، وتغطية أخبار العالم – روسيا، وسوريا، والنووي الكوري الشمالي. ألا يمكن أن تكون هناك خلافات بيننا من دون أن يقضي واحدنا على الآخر؟ فلنناضل في مهنتنا من أجل الحق والصواب.

فلنناضل من أجل قيمنا. تقع أمور سيئة عندما لا يحرّك الأخيار ساكناً. يقول عضو الكونغرس جون لويس، القيادي العظيم في مجال الدفاع عن الحقوق المدنية: “يقع على عاتق الشباب والأشخاص الذين تخطّوا قليلاً مرحلة الشباب وتفويض تستوجب عليهم التورط في متاعب حميدة”. إذاً واجبٌ أخلاقي ومهمة هيا بنا لنتسبب ببعض المتاعب. وفي شكل خاص، هيا نناضل كي يبقى لمهنتنا معنى وفائدة. بوحي ربما من عطلة نهاية الأسبوع الطويلة، فلنعقد العزم بأننا لن نتخذ خيارات انتحارية مثل ديوكٍ رومية تُصوِّت لعيد الشكر!