مقالات

وجوه بوتين المتناقضة.. 7 نظريات تفسر شخصية الرئيس الروسي.. وهذه نهايته المتوقعة!

تردد اسم الرئيس الروسي “بوتين” هذه الأيام في كافة وسائل الإعلام ، منها من حذر من شرّه ، ومنها من يشرح خطته للسيطرة الإقليمية وطموحاته لمنازعة الولايات المتحدة سيطرتها العالمية، وتارةً مُخبرةً عن جنوده وجواسيسه المنتشرين في أرجاء العالم والمؤثرين في أحداثه، من سوريا إلى أوروبا إلى أميركا نفسها والتأثير في انتخابات أعظم قوى العالم.

الصحفي الأميركي المولود في روسيا، كيث جيسين، جمع النظريات التي حاولت فهم الرئيس الروسي، في مقال مُطوَّل لصحيفة الغارديان البريطانية؛ في محاولة لتحليلها ومعرفة الحقيقي والزائف بها.

فأحد دوافعه لهذا التحليل أن بوتين ، على شهرته وتأثيره، يُكتَب عنه الكثير من التحليلات التي، بحسب تعبير جيسين، “تعتمد بالضرورة على معلومات مُجتزئة، أو منقوصة، أو أحياناً مغلوطةً كُليِّاً”.

إليكم 7 نظريات عن بوتين، يعرضها جيسين مُحللاً ما يؤيدها ويعارضها على أرض الواقع.

  1. بوتين عبقري

إنَّها النظرية الأشهر في الغرب وكتابات المُحللين الغربيين عن بوتين، سواء منتقديه أو معجبيه.

بوتين عبقري بكل تأكيد ليفعل كلَّ ما فعله داخلياً وخارجياً دون أن يتعرَّض إلى أذىً يُذكَر. دعنا نتذكَّر كيف قرَّر دعم نظام الرئيس السوري بشَّار الأسد فحوَّل مسار الحرب ضد المعارضة التي كانت تدعهما الولايات المتحدة وتركيا والسعودية لأعوام، وكيف ضمَّ شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي، وكيف قوَّض الإجماع الأوروبي على الاتحاد وموَّل الحركات المُشكِّكة في جدواه، وكيف تدخَّل في انتخابات الرئاسة الأميركية ليجعل ترامب رئيساً؛ أمَّا في الداخل، فقد تمكَّن بوتين من إخراس كل معارضيه تقريباً أو استمالتهم إلى جانبه.

يؤيد نظرية عبقرية بوتين نجاحه في فعل كل ذلك دون أن يردعه أحد؛ فقد تمَّ ضم القرم مثلاً دون إطلاق عيار ناري واحد، وإيصال دونالد ترامب إلى البيت الأبيض كان ثمنه هيّناً بطرد 35 عميلاً استخباراتياً روسياً من الولايات المتحدة.

لكنَّ هذه العبقرية المزعومة مُكلفة للغاية؛ فروسيا الآن ترزح تحت عقوبات غربية تُثقِل كاهل اقتصادها، وهي معزولة دولياً بدرجة كبيرة، وكسبت عداء الشعب الأوكراني إلى الأبد، وحتَّى في الداخل لا يبدو مصير بوتين مُبشِّراً؛ إذ يصعب، في رأي جيسين، أن نتصوَّر نهاية لعهده لا تُراق فيها الدماء.

إنَّ هذه لعبقريةٌ غريبةٌ حقاً من رجلٍ لو تنحَّى عن السياسة في عام 2008 لنُصِبت له التماثيل تقديراً لما فعله لبلاده.

  1. بوتين رجلٌ عادي

هذه النظرية هي نقيض الأولى. بوتين ليس استثنائياً ولا عبقرياً؛ إنَّه رجلٌ عاديٌ كالآلاف من الروس، رجلٌ قصير متساقط الشعر ذو صوتٍ حادٍ، أقرب إلى تمثيل صورة الموت من سَلَفه بوريس يلتسين الذي أعلن استقالته في خطابٍ مُتَلفز في ليلة رأس السنة من عام 1999 بادياً عليه المرض.

تلك هي اللحظة التي تعرَّف فيها الروس على بوتين للمرة الأولى، مُجرَّد عقيد في المخابرات السوفيتية، يتحدَّث مثلهم، يشاهد الأفلام التي يشاهدونها، ويسمع الأغاني التي يسمعونها، عكس يلتسين، العضو السابق في المكتب السياسي السوفييتي.

بدايات بوتين رسَّخت هذه الصورة؛ إذ كان مأخوذاً بعظمة الإمبراطورية الأميركية ومُعجباً بالرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب، ومدركاً حدود سلطته في البلاد التي ينازعه فيها مجموعة من أقطاب الصناعة والنفط والبنوك كانوا يسودون روسيا في عهد يلتسين، ويبدو عاجزاً أمامهم بصورةٍ ما.

لكن قد يكون من الظلم نزع كل استثنائيةٍ عن بوتين، وليس فقط لبطولاته الرياضية في لعبة الجودو. صحيحٌ أنَّ بدايات بوتين كانت عادية تماماً، إلَّا إنَّه تمكَّن من ترسيخ قواعد حكمه وشعبيته بمواقفه القوية، في نظر الشعب الروسي، تجاه الشيشان وأقطاب البلاد، مثلما حضَّر لإسقاط ميخائيل خودوركوفسكي، أغنى رجل في روسيا، والقبض عليه في عام 2003.

استثنائية بوتين لا تعتمد على شخصيته فحسب. لقد مرَّ على بوتين الآن ثلاثة رؤساء أميركيين وترامب رابعهم، ورئيسين فرنسيين، ومستشار ألماني، والعديد من رؤساء الوزراء البريطانيين؛ فالزمن نفسه هو ما يزيد بوتين قوةً ونفوذاً.

  1. بوتين أصيب بسكتة دماغية

من أوائل الكتابات التي حاولت تحليل بوتين كان مقالٌ نشرته مجلة “ذي أتلانتك” الأميركية في عام 2005 بعنوان “طاغية بالصدفة”، استشهد بكتابات بريندا كونورز، التي وصفها المقال بأنَّها “زميلة البحوث السلوكية” في الكلية الحربية البحرية الأميركية.

بعد دراسة تسجيلات لحركة بوتين، خلُصت كونورز إلى أنَّ لديه عجزاً عصبياً، ربَّما رافقه منذ الولادة جرَّاء إصابته بسكتة دماغية وهو في الرحم، يمنعه من استخدام الجانب الأيمن من جسده بشكل كامل؛ وهذا ما يجعل ذراعه اليسرى تتأرجح أكثر من اليمنى وهو يمشي. وقالت كونورز لـ”ذي أتلانتك” إنَّه من المُستبعد أنَّ بوتين كان يحبو وهو رضيع، وهو ما يزال يتحرَّك بكامل جسده حتى الآن، “بطريقة تشبه الأسماك أو الزواحف”.

صحيحٌ أنَّ هذه الفرضية لا تُغني في التنبؤ بقرارات بوتين السياسية أو العسكرية، لكنَّها تفرض نفسها بقوَّة. فقط عليك تخيَّل بوتين وهو يتحرَّك مثل سمكة بين بشرٍ عاديين يستطيعون استخدام كلا جانبي أجسادهم، فيشعر بالحزن بسبب عجزه.

  1. بوتين عميل للمخابرات السوفييتية

تعود هذه النظرية إلى البدايات: سنوات عمل بوتين ودراسته في المخابرات السوفييتية؛ لتُفسِّر كل شيء.

بالتأكيد شكَّلت المخابرات السوفييتية “كي جي بي” جانباً كبيراً من خبرة بوتين العملية، فقد عمل هناك ما يقرب من 20 عاماً، والكي جي بي ليست مكان عملٍ عادي، بل هي جامعة متكاملة تعمل على تكوين تصوُّر كاملٍ عن العالم لدى من يدرس فيها.

وقد ظلَّ بوتين مخلصاً لجامعة “كي جي بي” وزملائه فيها، فعيَّن العديد منهم في مناصب حكومية رفيعة، وغالباً ظلَّ على صلة بالكثير منهم بعد تعيينه في مكتب عمدة سان بطرسبرغ، لكن الساسة والكُتَّاب الأميركيين (مثل كوندوليزا رايس، وكولن باول، ودك تشيني) يرون كل شيء يفعله بوتين عبر منظار الكي جي بي: إذا ابتسم بوتين لأحدٍ فهو يحاول التلاعب به لأنَّه عميل كي جي بي، وإذا تصرَّف بفظاظة مع أحدٍ فهو يحاول السيطرة عليه نفسياً لأنَّه عميل كي جي بي.

لكنَّ جيسين يرى أنَّ هذه النظرية غير مُرضية لثلاثة أسباب.

الأوَّل هو أنَّ ما يعنيه أمثال رايس وباول وتشيني حين يشيرون إلى ماضي بوتين في الكي جي بي هو أنَّه يرى السياسة لعبة نفوذ، والناس مُقسَّمون فيها إلى عملاء له أو خصوم. ولكن هذه النظرة ليست حكراً على الكي جي بي؛ أليست هذه هي الطريقة ذاتها التي كان يعمل بها دك تشيني؟ ألا يحمل الكثيرون في عالم السياسة هذه النظرة؟

والثاني هو أنَّ المحللين الغربيين يشيرون إلى تاريخ بوتين في الكي جي بي للإيحاء بأنَّه يحمل التصوُّرات السوفيتية الشيوعية كاملةً، ولتصويره بالرمز السوفيتي الشهير (المطرقة والمنجل والنجمة الحمراء). لكنَّ هذا أبعد ما يكون من الحقيقة؛ فصحيح أن بوتين حاكم إمبريالي، لكن الإمبريالية ليست حكراً على السوفييت، وصحيحٌ أنَّه عميل سابق للمخابرات السوفيتية، لكنَّه بالتأكيد ليس متمسكاً بالرؤية الشيوعية للعالم ولا يريد توحيد عمَّال العالم أو مصادرة أملاك البرجوازيين.

والثالث أنَّ الإشارة إلى عملاء الكي جي بي باعتبارهم مجموعة ذات صفات وأفعال واحدة: خداع وشر واغتيالات وسجن للمعارضين، هي إشارة مغلوطة. فالكي جي بي منظمة ضخمة، فيها الأشرار والمهنيون، فيها من نفَّذوا اغتيالات ومن رفضوها، ومن حارب الجريمة ومن حرَّض عليها.

  1. بوتين قاتل

تطرح هذه النظرية، التي سادت الخطاب السياسي الأميركي قبل الانتخابات وبعدها (فكرة أنَّ “بوتين يقتل الصحفيين والمعارضين”) دليلاً ليس فقط على إصداره أوامر القتل والحرب بدمٍ باردٍ أو وجوب عزله من المجتمع الدولي، بل أيضاً على سيطرته الكاملة وقدراته غير المحدودة في إخراس المعارضين وتنفيذ خططه التوسُّعية.

يقول جيسين إنَّه لا يسعى إلى نفي مسؤولية بوتين عن الحروب الدموية في الشيشان، وجورجيا، وأوكرانيا، أو عن ضلوعه في اغتيال الصحافية آنا بوليتكوفسكايا في عام 2006 والمعارض الروسي بوريس نيمتسوف، لكنَّه يشير إلى أن ادعاءات إصدار بوتين أوامر مباشرة باغتيال المعارضين لا يُصدقها إلا القليلون من بين المُطلعين على القضايا، فأصابع الاتهام تُشير أكثر إلى الديكتاتور الشيشاني رمضان قديروف.

وحتى إن كان هذا حقيقةً فهو لا يُعفي بوتين من المسؤولية تماماً، فهو من ثبَّت قواعد سلطة قديروف وما يزال يحافظ على صلاته به.

لكنَّ النظريات المطروحة بشأن بوتين في الإعلام الغربي تفتقر مرةً أخرى إلى الدقة.

فروسيا ليست دولة فاشلة لا تمارس فيها الحكومة أية سلطة، ولا دولة شمولية تتركز فيها كل السلطات بيد الحكومة، بل هي بين الاثنين.

بوتين لا يأمر بالقتل، لكن الاغتيالات تحدث. أمر بوتين بالاستيلاء على شبه جزيرة القرم، ولكن، في أفضل الروايات المطروحة، يبدو أنَّه لم يأمر بغزو شرق أوكرانيا، بل تمَّ الغزو في البداية على يد مجموعة صغيرة من المرتزقة الذين يموِّلهم رجل أعمال روسي مُتنفِّذ، ولم تأتِ القوات الروسية الفعلية إلا لاحقاً.

  1. بوتين حاكم لِص

حتَّى عام 2009 تقريباً، كان جلُّ الانتقادات المُوجَّهة إلى بوتين متعلقٌ بانتهاكات حقوق الإنسان. لكن الناشط في قضايا مكافحة الفساد أليكسي نافالني تمكَّن من تحويل مجرى الاتهامات إلى سرقة أموال الشعب الروسي، وأطلق على حزب روسيا الموحَّدة الذي يقوده بوتين الموحدة “حزب المحتالين واللصوص”؛ وهكذا تحوَّل بوتين من وحشٍ مخيفٍ إلى شيء أبسط ويُمكن التعامل معه: مُجرَّد لص.

كان هذا الاتهام يقف على أرضية صلبة، وإلَّا فلماذا يكون هذا العدد المذهل من أصدقاء بوتين القدامى هم من عباقرة الأعمال؛ إذ أصبحوا مليارديرات في الفترة التي تَلَت وصوله إلى السلطة. لكنَّ يبدو أنَّ الأمر العبقري الذي فعله أصدقاء بوتين المليارديرات هو أنَّهم صادقوا رئيس روسيا المقبل قبل استقالة يلتسين.

هذه العلاقة كانت أساس العقوبات “الموجهة” التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في عام 2014 على “دائرة بوتين المُقرَّبة”؛ أملاً في أن يؤدي ضرب أصدقاء بوتين في أعمالهم إلى إثنائه عن بعض مناوراته السياسة الخارجية المُشينة، خصوصاً في أوكرانيا.

وإذا تساءلت عن السبب الذي جعلنا لا نسمع الكثير في هذه الأيام عن سرقة بوتين لأموال الشعب، فهو في رأي جيسين أنَّ هذه العقوبات لم تنجح في ردع بوتين أو في قلب أصدقائه عليه.

يقول جيسين: “أعضاء حكومة اللصوص لا يدبرون انقلابات ناجحة على الحكم”. أصدقاء بوتين يعلمون جيداً أنَّهم يجب عليهم دعمه مهما كانت الظروف، حتى وإن تضرَّروا وتضرَّر هو نفسه من العقوبات.

يعيش بوتين حياةً متواضعة بدرجةٍ ما. أجل، لديه قصر على البحر الأسود بُنِي بأموال مسروقة، لكنَّه لا يعيش فيه، ومن غير المحتمل أن يعيش فيه في أي وقت مقبل. القصر هو، بطريقةٍ ما، أكثر شيء تفاؤلاً بناه بوتين؛ إنَّه وعدُ تقاعُده في نهاية المطاف، هذا إن لم تُمزقه الجماهير إرباً بينما تقتحم الكرملين وتقضي على حرسه الشخصي.

  1. بوتين هو فلاديمير “لينين”

بعد صدمة فوز دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأميركية، حاول الكثير من الكُتَّاب ربط تحليلاتهم عن التدخُّلات الروسية في الانتخابات لصالح ترامب باسمه الأول الذي يتشاركه مع “فلاديمير لينين” قائد الثورة البلشفية، الذي كان يسعى إلى زعزعة أوروبا.

من وجهة نظر جيسين، قد يُعَد هذا علامةً على فقر الفهم الغربي لبوتين، وإثبات جديد على أنَّ ما يُكتَب عنه في الغرب لا يُعالج بوتين بقدر ما يُعالج قضايا الغرب نفسه وصراعاته؛ فهو قبل الانتخابات الأميركية مُجرَّد أداة لمنع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وأصبح بعد تنصيبه أداةً لتنحيته عن الحكم إذا تثبتت علاقته بروسيا وبوتين وتدخُّل الأخير لصالحه في الانتخابات ضد منافسته هيلاري كلينتون (التي يمقتها بوتين).

ويختم جيسين مقاله: “إذا تمَّ عزل دونالد ترامب وسجنه بتهمة التآمر مع دولة أجنبية لتقويض الديمقراطية الأمريكية، فسأحتفل مثل أي أميركي. لكن على المدى الطويل، فإنَّ استخدام بطاقة روسيا ليس لعبة سياسة سيئة فحسب، بل إفلاس فكري وأخلاقي. إنَّها محاولة لإلقاء اللوم في مشاكل عميقة وباقية في بلادنا على قوة أجنبية. وكما أشار بعض المُعلقين، إنَّها صفحة من كتاب ألاعيب بوتين نفسه” بحسب هافيغنتون بوست عربي.

حرب بوتين السيبرانية هدفها إطاحة مركل حامية الليبرالية في أوروبا

رفع تدخّل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية من منسوب مخاوف القادة الأوروبيين من قرصنة الكترونية روسية تستهدف قاعدة بيانات ومعلومات ومراسلات الأحزاب الأوروبية الليبيرالية للتأثير في مسار الانتخابات التشريعية المرتقبة هذا العام في ثلاث دول هي : ألمانيا وفرنسا وهولندا. وتزايدت شكاوى دول في اوروبا في مقدمتها ألمانيا والتشيك وفرنسا وبلغاريا والسويد ودول البلطيق وغيرها، من هجمات سيبرانية روسية بهدف تقويض انظمتها الديموقراطية وأمنها القومي. وأعلنت المفوضة العليا للشؤون السياسية والأمنية في الاتحاد فيديركا موغيريني عن وضع آليات لمراقبة ودحض ما سمته حملة( تضليل اعلامي روسية) لتشويه الديموقراطية الأوروبية.

وكشفت وكالة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) في ألمانيا عن «هجوم الكتروني ضد حواسيب منظمة الأمن والتعاون الأوروبي». وقال رئيسها هانز- غيورغ مانسن:» تحليلاتنا اثبتت ان البنية التحتية للهجوم هي نفسها التي انطلقت منها هجمات سابقة طاولت البرلمان الألماني مصدرها روسيا» تقوم بها مجموعة ( ايه تي ار28 ) وتعني» التهديد المتواصل المتطور». ويقول الخبير في الشؤون الألمانية ألكسندر أندرييف:» تأكد للسلطات الألمانية ان روسيا تسعى للتأثير في انتخابات البوندستاغ « بطريقين: شن حملة لنشر المعلومات الزائفة التي من شأنها زرع مشاعر انعدام الأمن في الأوساط الاجتماعية وخلق حالة من الارتباك والاضطراب لدى الناس، والهجمات السيبرانية ضد حواسيب المؤسسات الحكومية والأحزاب السياسية بغية الوصول الى معلومات سرية ومن ثم نشر بعضها خارج سياقاتها للتأثير في خيارات الناخبين في الاقتراع.

وقال فولفغانغ بوسباخ مستشار الشؤون الخارجية في الحزب الديموقراطي المسيحي بزعامة مركل:» تجري محاولات عبر التسلل من الخارج بهدف التلاعب بحقائق ومعلومات في الانتخابات التشريعية لزعزعة استقرار بلدنا». ورأى مصدر ديبلوماسي أوروبي رفيع في تصريح نقله موقع صحيفة «هافينغتون بوست» ان « المستشارة مركل هي الهدف الأول لحملة التضليل الإعلامي الذي تشنها روسيا، مرجحاً ان تتسع هذه الحملة مع اقتراب الانتخابات».

حروب التضليل

تعد الرابطة المتغيرة في المعلومات المتاحة بين مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي برأي خبراء الميديا» مدخلاً مثالياً للتضليل المعلوماتي». وحذرت السلطات الألمانية من دعاية تقوم بها روسيا من خلال مواقع ومنصات مختلفة للتأثير في الانتخابات لمصلحة التيارات الشعبوية. وتوقعت اجهزة الأمن حصول هجمات محتملة على البنى التحتية مثل محطات توليد الطاقة او المستشفيات مماثلة للهجوم الذي تعرضت له دويتشه تيلكوم ، والبوندستاغ عام 2015. في هذا السياق كشفت شركة الحماية الإلكترونية (ترند ميكرو) عن هجوم روسي ضد منظومة حواسيب الحزب الديموقراطي المسيحي، اضافة الى شركتي خدمات الرسائل الإلكترونية في ألمانيا (جي إم اكس) و ( ويب . دي). وذكرت مجلة «شبيغل» نقلاً عن مصادر امنية» ان السلطات الأمنية تمتلك أدلة داحضة عن تورط روسيا في شن هجمات سيبرانية عرفت باسم ( سوفاسي /آي بي تي 28) تهدف الى جمع معلومات ذات اهمية استراتيجية، وهجمات اخرى تحمل تسمية ( حملة ساندوروم) التي هدفها تخريب المعلومات»، وقالت المجلة « ان الإنترنت تحول الى ميدان لحرب هجينة» كما فتح مجالات واسعة للتجسس والتخريب». ووفق المحللة الفرنسية نتالي غيبير فإن» لا فائدة ترجى من المظلة النووية الأميركية في نزاعات جديدة تسمى هجينة».

في كتابه الصادر في 2004 بعنوان «عصر ما بعد الحقيقة: نقص الأمانة والخداع في الحياة المعاصرة»، يقول المفكر الأميركي رالف كييس : « في الماضي، كانت الحقيقة والأكاذيب. اليوم لدينا الحقيقة والأكاذيب اضافة الى بيانات لا يعتد بها، وعلى قدر ما هي ثانوية لا تفند ولا يقال انها خاطئة ومضللة». ويضيف: «في عالم ما بعد الحقيقة والوقائع تلتبس الحدود بين الحقيقي والخيالي، وبين النزاهة وغيابها، وبين الخيال والواقع الفعلي».

رصدت الأجهزة الأوروبية ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الهجمات السيبرانية ضد المفوضية الأوروبية خلال العام الماضي وقالت انها تجاوزت 110 هجمات، ونبه المفوض الأوروبي للأمن جوليان كينغ في تصريح نقلته صحيفة «فايننشال تايمز» الى «ان هذه التهديدات اصبحت منتظمة وعدوانية الى حد انها يمكن ان تتحول في اي لحظة الى تدميرية». وقال: «ان الهجمات التي تسبب اكبر الأضرار هي تلك التي تستهدف الديموقراطية الأوروبية».

ووفقاً لخبراء الأمن المعلوماتي فإن» الهجمات السيبرانية المختلفة والمتعددة تلجأ الى وسائل وأدوات متشابهة، الا انها تحرص على اخفاء مصدرها وهوية الطرف الذي يديرها». وصدرت تعليمات مشددة من المفوضية الأوروبية الى موظفي جميع الهيئات والمؤسسات الأوروبية تلزمهم استخدام عناوين إلكترونية مشفرة، وسارعت المفوضية الى تفعيل وتوسيع تعاونها في مجال الأمن المعلوماتي مع حلف الأطلسي. وتجري مشاورات على اعلى المستويات في المنظمتين حول كيفية التصدي للهجمات السيبرانية التي تشنها روسيا والرد عليها بأقصى العقوبات.

وتشير بيانات الـ «ناتو» الى ان عدد الهجمات الإلكترونية التي تعرضت لها حواسيب الحلف خلال شهر واحد فقط من عام 2015 بلغ اكثر من 320 هجوماً، وأبلغت مصادر اطلسية رفيعة الصحيفة نفسها «ان هذه الهجمات تميزت بتصاعد تدريجي فعال في قوتها التدميرية مع تحسن نوعيتها وشدة تعقيدها».

هيئات مضادة وأموال اضافية

خصص الاتحاد الأوروبي مبالغ بقيمة 860 ألف يورو اضافية لفريق العمل «إيست ستراتكوم» المكلف برصد وصد الهجمات الإلكترونية الروسية، وتفنيد المعلومات المضللة التي تبثها موسكو عبر مواقع ومنصات متعددة للتاثير في امزجة الرأي العام في الدول الأوروبية». وكانت هذه الهيئة انشئت في خريف عام 2015، وتتألف من 11 موظفاً يتولون مهمة الرد على الهجمات والدعاية الإلكترونية. ويقدر مسؤولون اوروبيون «ان روسيا تنفق بليون دولار سنوياً على وسائل اعلامية مملوكة للدولة مثل قناة روسيا اليوم ووكالة سبوتنيك للأنباء وغيرهما، كما ورصدت موازنة خاصة لعدد كبير من الشركات وكلفتها بمهمة اغراق مواقع التواصل الاجتماعي بمواد نقدية وساخرة معادية للديموقراطية الغربية».

قام طاقم «ايست ستراتكوم» بعمل مكثف استغرق اكثر من 15 شهراً تمكن خلالها من رصد وتحديد 2500 موقع الكتروني بـ 18 لغة تمولها روسيا بهدف نشر معلومات وقصص مختلقة ومعلومات كاذبة تركز على الإساءة للمستشارة مركل وتتهمها بالتسبب في تقويض امن ألمانيا وأوروبا بفتح الحدود امام اللاجئين والمهاجرين من الشرق الأوسط.

تنبهت فرنسا الى أخطار وتهديدات سيبرانية قد تتعرض لها خلال الانتخابات العامة التي ستجرى في آيار (مايو) من العام الجاري وذلك بعد تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية لمصلحة ترامب، وبعد اعلان ألمانيا تعرضها لهجمات الكترونية قوية من روسيا. وقال وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان» ان الجيش الفرنسي سيعزز موارده للتصدي لأي هجمات الكترونية»، وأضاف في تصريح نقلته عنه اسبوعية «لو جورنال دو ديمانش» الفرنسية» ان هناك خطراً حقيقياً بوقوع هجمات إلكترونية على البنية الأساسية المدنية مثل شبكات المياه والكهرباء والاتصالات والنقل، بالإضافة الى هجمات ضد الديموقراطية ومؤسسات الميديا». وكشف الوزير «ان عدد الهجمات الإلكترونية التي تعرضت لها وزارته تضاعف خلال العام الماضي، ولكنها نجحت في احباط 24 ألف هجوم استهدفت تعطيل انظمة الطائرات الفرنسية بلا طيار»، وأكد «ان عدد الجنود الرقميين في الجيش الفرنسي سيتضاعف الى 2600 بحلول عام 2019 بدعم من 600 خبير إلكتروني اضافيين». مشدداً على «ان فرنسا في حال تعرضت لهجوم الكتروني جديد سترد بنفس القوة وبالأسلحة التقليدية ايضاً».

ولا تخفي موسكو ارتياحها للمرشح الرئاسي المحافظ فرنسوا فيون الذي اشاد بالرئيس بوتين وقال انه يريد تحسين علاقات بلاده مع روسيا». كما لا يخفي الكرملين علاقته مع مرشحة اليمين القومي المتطرف مارين لوبان التي مول حملاتها في الانتخابات المحلية العام الماضي.

فريق قراصنة بوتين

السويد هي الأخرى اشتكت من هجمات إلكترونية متزايدة في العام الماضي. وكشف المتحدث باسم وكالة الاستخبارات الوطنية في حديث إلى التلفزيون الوطني «ان بلاده تعرضت العام الماضي الى 100 ألف هجوم سيبراني بمعدل 10 آلاف هجوم في الشهر». وأوضح «ان هدف الهجمات هو سرقة معلومات سرية، واستخدام الحواسيب المستخدمة في المؤسسات السويدية في هجمات إلكترونية ضد دول ثالثة». وأقر رئيس الحكومة ستيفان ليوفن أن بلاده تواجه مجموعة تهديدات جدية في مجال الأمن، من بينها أخطار الهجمات السيبرانية».

وتوافرت ادلة داحضة لدى شركة «كراود سترايك» لأمن المعلومات الأميركية عن مجموعتي قرصنة هما «فانسي بير» و «كوزي بير» الأولى ترتبط بجهاز الأمن الفيديرالي الروسي (إف إس بي) فيما الثانية ترتبط بجهاز الاستخبارات العسكرية الروسية ( جي آر يو). ويجمع الخبراء على «ان الهاكرز الروس بارعون، وهذا تقليد متوارث من عهد الاتحاد السوفياتي عندما كان رائداً في التجسس الاقتصادي». وذكر رئيس تحرير موقع «أجينتا رو» المتخصص في قضايا التجسس أندري سولداتوف انه «بالنظر الى تاريخ روسيا في الهجمات المعلوماتية، فأنا اميل الى الاعتقاد بأن هناك تنسيقاً بين جهات خاصة وحكومية على اعلى المستويات». يرى الخبير المتخصص في شؤون اجهزة الأمن الروسية مارك غاليوتي «ان جهاز (جي آر يو) اصبح السلاح السري الأثير على قلب بوتين وذراعه الضاربة في الحرب وعالم السيبيرنيطيقيا». ويؤكد المحلل مايكل ويس في مقال كتبه في موقع «ذي دايلي بيست» الأميركي» لقد ثبت ان المسؤول عن الأعمال العدائية المستمرة في اوروبا هي جهة واحدة، الاستخبارات العسكرية الروسية».

دأبت السلطات الروسية منذ فترة على بث تسجيل فيديو ترويجي في وسائل التواصل الاجتماعي، تدعو فيه الشباب الروسي وطلاب الجامعات الذين يتمتعون بمهارات في مجال تقنيات المعلوماتية والشبكات الإعلامية الإلكترونية الى الانضمام للعمل في «الوحدة العلمية» بوزارة الدفاع». وتشكل فريقان من القراصنة احدهما يحمل اسم «الدببة الرائعة» والآخر»الدببة الدافئة». وتحدثت صحيفة «دي فيلت» الألمانية عن ثلاث فرضيات عن هوية العاملين في هذين الفريقين، تتمثل الأولى في انهم ضباط في الجيش الروسي يمتلكون خبرات كبيرة في مجال المعلوماتية» ، فيما الثانية «ان السلطات تعاقدت مع مجموعة من القراصنة الروس للقيام بمهمات محددة»، اما الثالثة « فمن منتمين الى شركات تكنولوجيا الاتصالات الروسية». ويقول الخبير الروسي في مجال امن المعلومات ديمتري ألبيروفيتش» ان الكرملين يبحث بشكل متزايد عن المساعدة من القطاع الخاص وشركات السلامة المعلوماتية».

يشهد العالم الإلكتروني حرباً شرسة بين القوى العالمية تكاليفها لا تقل مأساوية عن الحرب الفعلية، وقد أصبحت الفيروسات والبرامج الخبيثة من أقوى أسلحة هذه الحرب، بعد ان نجح جميع الأطراف في ابتكار فيروسات خبيثة متطورة. ويشير تقرير دولي الى «ان عدد الهجمات الإلكترونية الخبيثة في عام 2010 وصل الى اكثر من 200 مليون هجوم، سببت وفق دراسة اعدتها شركة «سيمانتيك» المتخصصة في مجال مكافحة الهجمات الإلكترونية «خسائر تصل الى 114 بليون دولار». وفي تقرير صدر عام 2011 « ان هذه الهجمات تكلف 274 بليون دولار تنفق لمعالجة خسائرها المادية والتقنية».

الروس فخورون بهيبة بوتين

تحظى سياسات بوتين الهجومية والعدوانية في اوروبا والشرق الأوسط بقبول ودعم متزايد في اوساط المواطنين الروس كونها تشبع نزعاتهم القومية وتذكرهم بأمجاد وتاريخ الدولة السوفياتية متجاهلين ان هدفها هو حرف أنظارهم عن تعقد حياتهم المعيشية مع تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة التي تعيشها البلاد. ويتضح من استطلاع للرأي اجرته منظمة «الرأي العام» ونشرت تفاصليه وكالة «انترفاكس» الروسية» ان غالبية من شاركوا في الاستطلاع يعتقدون بأن العالم اصبح يخشى روسيا وقوتها الصاعدة، ويرون في ذلك تطوراً نوعياً يخدم المصالح الوطنية الروسية»، فقد اكد 85 في المئة ان العالم اخذ يحسب ألف حساب للقوة الروسية، واعتبر 75 في المئة ان هذا مفيد للغاية، هذا فيما رأى 48 في المئة ان العالم اصبح يتعاطى مع روسيا بشكل افضل مقابل 42 لاحظوا العكس. ورأى 67 في المئة ان نفوذ وتأثير روسيا في العالم يتعاظم في السنوات الأخيرة، وربط 14 في المئة ذلك بتنامي قوة الدولة عسكرياً، فيما عزا 11 في المئة ذلك الى سياسات الكرملين الخارجية، مقابل 7 في المئة اكدوا ان الفضل في ذلك يعود بالدرجة الأساسية للرئيس بوتين». هذا فيما كشف استطلاع اجرته وكالة «رويترز- أبسوس» ان 82 في المئة من الأميركيين يعتبرون روسيا تهديداً مباشراً، وأظهر استطلاع آخر اجرته مؤسسة «يوغوف» ان 59 في المئة من الأميركيين يعتقدون» ان التهديد العسكري الروسي جدي للغاية». ورأى المحلل الروسي في «مركز ليفادا» لاستطلاعات الرأي ألكسي ليفينسون «ان مشاعر الارتياح تعمّ أوساط الروس في ما يخص «ان العالم يخاف منا» وربما تعوضهم عن الخيبة من المشاكل الكبيرة والجدية التي يواجهونها في حياتهم اليومية». وقال» تسود قناعة اكيدة لدى غالبية الروس بأن الجيش الأحمر بعد احتلال القرم والحرب في سورية هو الأقوى من بين كل جيوش العالم».

نقلا عن صحيفة الحياة

24 بلدًا في العالم نجحت روسيا في التدخل في صناعة رؤساءها

بقلم: ليوبوف ستيبوشوفا*

برافدا

في خضم السابق الانتخابي الذي تشهده الكثير من الدول حول العالم، لم تتباه إلا الولايات المتحدة الأمريكية بالتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الماضية، ومن جهة أخرى، يبدو أن روسيا الآن تتجه نحو سياسة “القوة الناعمة”، عن طريق العديد من الوسائل، لعل أبرزها المادية.

ولكن ماذا عن الاقتصاد الذي ساهمت روسيا في تدميره؟ وكيف تمكنت من تحويل نفسها إلى مركز إقليمي؟ وهل حقًا تعجز روسيا عن التدخل في أوكرانيا، بينما تمكنت من اختراق الولايات المتحدة الأمريكية؟

نحن غير مستغربين، هذا هو بوتين

تمكنت روسيا من التأثير على انتخابات نحو 24 دولة، على مدى الأربع سنوات الماضية، وفي هذا الصدد، أقر مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية جيمس كلابر، في إحدى جلسات الاستماع في مجلس الشيوخ الأمريكي، أن هذه المجموعة ربما تشمل أكثر من عشرين دولة.

وأضاف كلابر أن موسكو حاولت التأثير على نتائج الانتخابات والآراء السياسية والشعبية بدرجات متفاوتة في العديد من البلدان، إلا أنه من غير الممكن ذكر أسمائها أو تفاصيل سبل التأثير عليها وفرض النفوذ الروسي داخلها.

وفي السياق نفسه، صرح دبلوماسيون أوروبيون “مما لا شك فيه، ستحاول روسيا التأثير على الحملات الانتخابية القادمة في سنة 2017، كما أنها ستتحرك على نطاق أكبر في سبيل تحقيق هدفها”.

ومن جهتها، صرحت مصادر حكومية ألمانية لصحف محلية: “في هذه المرحلة، لا يمكن الحديث عن الهجمات الإلكترونية والشائعات والحرب الدعائية التي تنتهجها روسيا، ولكن يمكن الإقرار بأن ما تشهده ألمانيا هي حملة انتخابية جديدة في هيئة غير مسبوقة من نوعها”.

أما رئيس لاتفيا السابق فالديس زيت ليرس، فقد أكد في حوار له مع قنوات إخبارية أن الانتخابات المقبلة في مختلف دول العالم ستتأثر بالتدخل الروسي، وستسمح لموسكو بالتغلغل في أعماق هياكل الحكم في هذه الدول.

ومن جانب آخر، أكد دبلوماسيون آخرون أن هذه التصريحات ليست مجرد ادعاءات، وإنما هي مبنية على أدلة تثبت محاولات روسيا النشطة والفاعلة للتأثير على الانتخابات في مختلف الدول، حتى تتمكن من السيطرة على هياكل الحكم مستقبلاً، بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الطموحات الروسية ليست دليلاً على التفكير الإيجابي لروسيا، وإنما هي برهان على أن موسكو لا تفكر إلا في مصلحتها الشخصية ومستقبلها في المنطقة.

   أن روسيا تعتمد بالأساس على أسلوب استراتيجي متميز لتنفيذ مخططاتها، يتمثل في التغلغل في الأجهزة الأمنية للبلدان المستهدفة، ولهذا السبب، حذر الرئيس البلغاري السابق روسين بليفنلييف، الاتحاد الأوربي من التهديد الروسي الذي يعمل على زعزعة استقرار أراضيه

ومن الواضح أن روسيا تعتمد بالأساس على أسلوب استراتيجي متميز لتنفيذ مخططاتها، يتمثل في التغلغل في الأجهزة الأمنية للبلدان المستهدفة، ولهذا السبب، حذر الرئيس البلغاري السابق روسين بليفنلييف، الاتحاد الأوربي من التهديد الروسي الذي يعمل على زعزعة استقرار أراضيه.

وحسب بليفنلييف فإن هناك دلائل كثيرة تؤكد أن موسكو تموّل أحزاب ووسائل إعلام مناهضة لأوروبا، سواء في بلغاريا أو في بقية دول الاتحاد الأوروبي.

ولا يخفى على أحد أن الرئيس البلغاري الجديد رومن راديف، يعتبر من “الموالين لروسيا”، واشتغل راديف سابقًا في منصب قائد للقوات الجوية وقد عرف في أثناء ذلك بتأييده لروسيا ومناهضته للهجرة.

علاوة على ذلك، أعلنت المرشحة الرئاسية السابقة مايا ساندو، بعد هزيمتها في الانتخابات في مولدافيا، نيتها في الطعن على نتائج الانتخابات لدى المحكمة الدستورية، ووفقًا لساندو فإن “الانتخابات لم تكن سليمة ولا نزيهة”، كما أقرت ساندو بوجود تمويلات مادية خارجية دعمت فوز المرشح الثاني.

ربما يصعب تصديق مدى التمادي الروسي وتوسع خطرها، إلا أن فرنسا أيضًا صارت ضمن قائمة الدول التي ستستهدفها روسيا في المستقبل، إذ إن كلا المرشحين الرئيسيين للانتخابات الرئاسية من “الموالين لروسيا” (فرانسوا فيون ومارين لوبان).

وفي هذا السياق، دعا عديد من السياسيين باريس إلى ضرورة اتخاذ التهديد الروسي على محمل الجد، خاصة أن موسكو تعتزم التدخل في الانتخابات الرئاسية للسنة الحالية.

 ومن جهتها، صرحت السياسية الفرنسية ماري لو فيرن: “مثل هذا التدخل غير مقبول، وبالنسبة لنا كبلد يعكس روح الديمقراطية، نحن ملتزمون بدعم سيادة القانون ونزاهة العملية الانتخابية، ولكن الأهم من كل هذا أن التوجهات السياسية الديمقراطية لا زالت قادرة على حماية وتعزيز الثقة لدى العديد من الفرنسيين”.

ووفقًا لنفس السياسية، سيصعب على فرنسا الخروج من الأزمة الوطنية، في حال تمكنت روسيا من التدخل بصورة فعلية داخل أجهزة الدولة، لهذا على الديمقراطية أن تثبت وجودها ونجاعتها وتضمن حقوق المواطنين الفرنسيين.

ومن الواضح، أن بعض الوجوه السياسية تقر ضمنيًا بالتهديد الروسي، وفي الوقت نفسه يبدو أن السياسيين الفرنسيين على وعي بأن الدعاية والتدخل الروسي ليس لغاية اعتباطية.

وعمومًا، يعي المواطن الفرنسي والغربي أن بوتين وروسيا يعملان على دعم انهيار السياسة المحلية الموالية لليبرالية الأمريكية، من أجل خدمة أهداف اقتصادية، وبالتالي، يعلم القادة الغربيون علم اليقين أن عليهم حماية أمن مواطنيهم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي من التهديد الروسي، بالإضافة إلى خطر الإرهاب.

إذا كانت الحياة تسير نحو الأسوأ، فستصبح الدعاية عاجزة

لقد بدأ الليبراليون الجدد يفقدون نفوذهم بين الطبقات الوسطى أكثر فأكثر، إذ لم يشهد أبناء الطبقة الوسطى أي تحسن حقيقي منذ سنة 2009.

ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، لم يتطور نمط عيش العديد من الأمريكيين بالمقارنة مع أبائهم، إذ بقي وضعهم على ما هو عليه، خاصة أنهم مطالبون بدفع ثمن إصلاح نظام الرعاية الصحية من جيبهم الخاص، بالإضافة إلى ذلك، تثير العديد من القضايا العديد من نقاط الاستفهام في ذهن المواطنين الأمريكيين الذين يعجزون عن فهم سبب إضفاء الشرعية على المهاجرين غير الشرعيين.

   أن نسبة كبيرة من الشعب الأمريكي، لا تدرك بوضوح أين تقع أوكرانيا أو روسيا في خريطة مصالح بلاده الاستراتيجية، في المقابل، أصبحت الظواهر الاجتماعية المختلفة محط اهتمام الأمريكيين، على غرار المراحيض المشتركة للمثليين جنسيًا وظهور الأقليات غير المنضبطة، وتراجع قيم المسيحية في المجتمع

ومن الواضح أن نسبة كبيرة من الشعب الأمريكي، لا تدرك بوضوح أين تقع أوكرانيا أو روسيا في خريطة مصالح بلاده الاستراتيجية، في المقابل، أصبحت الظواهر الاجتماعية المختلفة محط اهتمام الأمريكيين، على غرار المراحيض المشتركة للمثليين جنسيًا وظهور الأقليات غير المنضبطة، وتراجع قيم المسيحية في المجتمع.

وفي الحقيقة، تعاني أوروبا الغربية من نفس المشكلة، ففي فرنسا أيضًا، ينمو جيل جديد سيعيش للمرة الأولى في تاريخ فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية، ظروفًا أسوأ من تلك التي عاشها آباؤهم وأجدادهم.

وتجدر الإشارة إلى أن الضرائب تنهك الاقتصاد الفرنسي، فضلاً عن أن المواطنين أصبحوا يشعرون بعدم الأمان، ويتكرر نفس المشهد بكل حيثياته في ألمانيا، وبالتالي، لم يعد المواطن الغربي يؤمن بالاستقرار الأوروبي.

أما بالنسبة لأوروبا الشرقية فهناك نموذجان يهيمنان على الساحة، يتمثل الأول في الاستجابة إلى الدعاية الأمريكية، والثاني يتمحور حول الخوف من فقدان السلطة، والذي يبدو أنه لا مفر منه.

وفي هذا الإطار، يعتقد مواطنو أوروبا الشرقية أن التقارب من الاتحاد الأوروبي أدى إلى انحطاط بلدانهم، التي أصبحت تعاني من الركود الاقتصادي وهجرة مواطنيهم إلى باقي الدول الأوروبية، والجدير بالذكر أن كل هذه الظروف أدت إلى تدهور حالة أوروبا الشرقية ووصولها إلى مستوى أفقر بلدان إفريقيا.

مناطق الفوضى، تبعث على الغضب

ترى شعوب أوروبا الشرقية أن بوتين نموذج الرئيس الذي يعمل لصالح شعبه وليس من أجل المال، وفي الوقت ذاته، يعتقدون أن بوتين قادر بالفعل على حماية دولته من التهديد الإرهابي، لذلك يميلون لاختيار رئيس أو قائد مشابه لنموذج بوتين أو له توجهات مماثلة له.

وعمومًا، يعود هذا التغيير إلى اقتناع الشعوب الأوروبية بأن تعاون بلدانهم مع روسيا سيعود بالفائدة عليهم، على جميع الأصعدة، انطلاقًا من المجالات الزراعية وصولاً إلى الصناعات النووية.

ومن ناحية أخرى، يبدو أن المواطنين الأوروبيين على ثقة بأن التعاون مع روسيا سيجعل أوروبا أكثر أمانًا، ولهذا السبب، ساهم صعود الاشتراكي إيغور دودون، إلى الحكم في مولدافيا، في عودة الهدوء إلى البلاد.

ومن المهم أن تعمل البلدان الأوروبية على ضبط الاستقرار في المنطقة وتجنب إثارة الحنق والغضب داخل المجتمع، إذ إن خوف الشعوب من الفوضى التي تجتاح العالم صار وسيلة جديدة لفرض النفوذ الروسي.

*متخرجة من قسم الجغرافيا الاقتصادية من جامعة موسكو، مؤلفة ومحررة وخبيرة في شؤون أميركا اللاتينية وإفريقيا وتجيد اللغة البلغارية