جراح بريطاني رفيع يكشف أن جرحى مسيرات العودة في غزة ما زالوا دون علاج

جراح بريطاني رفيع يكشف أن جرحى مسيرات العودة في غزة ما زالوا دون علاج

ترجمة: مجلس العلاقات الدولية – فلسطين

بقلم: بيتر أوبورن وجان بيتر ويستاد

تاريخ النشر: 30/3/2020

المصدر: ميدل ايست آي

تيرينس إنجلش هو جراح بريطاني مشهور. أجرى أول عملية زراعة قلب ناجحة في المملكة المتحدة في عام 1979.

عمل إنجلش رئيسًا لكلٍ من كلية الجراحين الملكية والرابطة الطبية البريطاني، وهو أستاذ في كلية كامبريدج سانت كاثرين. حاز على رتبة فارس تقديراً لإنجازاته الجراحية في عام 1991.

كان بإمكانه عندما تقاعد قبل عشرين عاماً محملاً بدرجات الشرف، أن يتمتع بالراحة ويكرس نفسه لأعمال البستنة في منزله بأوكسفورد، ولكن بدلاً من ذلك، توجه نحو قطاع غزة.

شارك، في بادئ الأمر، في تأسيس برامج تدريبية للأطباء الفلسطينيين في الرعاية الأولية للإصابات، وساعد هو وزملاؤه الجراحون، منذ ذلك الوقت، في تأسيس مشاريع طبية مختلفة، وفي تدريب الأطباء المحليين.

وما زال أحد هذه البرامج البالغة الأهمية يساعد مئات الأشخاص الذين بحاجةٍ إلى العمليات الجراحية المعقدة لزراعة الأطراف الصناعية.

كان العديد من هؤلاء المرضى من المراهقين والشباب الذين أطلقت قوات الأمن الإسرائيلي الرصاص على أقدامهم بينما كانوا يشاركون في مسيرات العودة الكبرى على طول السياج الحدودي الذي يحيط بسكان قطاع غزة الذين يبلغ عددهم مليوني مواطن.

قُتل على الأقل مائة وتسعين شخصاً بالرصاص خلال عدة شهور من المظاهرات الأسبوعية، قُتل ثمانٍ وستين شخصاً منهم على الأقل في الرابع عشر من مايو لعام 2018، عندما احتج آلاف الأشخاص من قطاع غزة ضد فتح السفارة الأمريكية في مدينة القدس.

قرر إنجلش، والذي يبلغ من العمر الآن سبعًا وثمانين عاماً، الحديث علناً لأول مرةٍ وذلك في الذكرى الثانية على بدء هذه المظاهرات، وفي ظل ازدياد تعقيد وبؤس الوضع في قطاع غزة أكثر من أي وقتٍ مضى بتفشي فيروس كورونا.

يقول الجراح البريطاني إنه يتواصل بشكل جيد مع وزراء كبار في الحكومة البريطانية في السنوات الأخيرة بشكلٍ كافٍ مما يتيح الفرصة له لنقل مخاوفه لهم بشكلٍ خاص، مشيرَا بأن جهوده لم تؤت ثمارها بعد، مصرحًا لميدل إيست آي:” يُمثل قطاع غزة الآن أزمة إنسانية حرجة.”

وبدأت هذه المظاهرات في الثلاثين من مارس لعام 2018 في قطاع غزة، عندما دعا الصحفي الفلسطيني أحمد أبو ارتيمة اللاجئين الفلسطينيين للتجمع السلمي بالقرب من السياج للمطالبة بحق العودة إلى الأراضي التي أُجبروا على الفرار منها أو الطرد خلال الأحداث التي أدت إلى تأسيس “إسرائيل” في عام 1948.

رد الإسرائيليون بعنف على حد قول إنجلش، مضيفًا: ” كان هناك أعدادٌ كبيرةٌ من الإصابات عندما بدأت المظاهرات على الحدود.”

“أطلق القناصة الإسرائيلية النار على منطقة الركبة للمراهقين والشباب باستخدام رصاصاتٍ فائقة السرعة.” ويصف إنجلش خلال حديثه الإصابات المرعبة التي استهدفت تهشيم العظام والأنسجة بجانب قتل آخرين.

قالت “إسرائيل” بأنها كانت تحمي السياج من متظاهرين وعسكريين استخدموا العنف إلا أن إنجلش يقول إن الأشخاص الذين ساعدهم كانوا يشعرون بالغضب ومع ذلك كانوا متظاهرين سلميين.

يقول:” كان من المفترض أن تكون المظاهرات في الضفة الغربية وقطاع غزة للاحتجاج والمطالبة بحق العودة، وهو حاجةٌ ملحة خاصة في قطاع غزة. الآن، بات هناك أعدادٌ كبيرة من الفلسطينيين العاجزين.”

يحتاج الذين أجروا  عملية ناجحة إلى ستة شهورٍ على الأقل قبل أن يصبحوا قادرين على المشي مرةً أخرى، وهناك قائمة انتظارٍ طويلةٍ ممن يحتاج لهذه العملية.

لا يُعتبر العديد منهم محظوظين. يقول إنجلش:” كانت الطريقة الوحيدة للعديد من الحالات الأخرى لتجنب شهور البؤس والعذاب هي إجراء عمليات بتر للأطراف.”

*من الصعوبة معرفة عدد الذين يحتاجون الجراحة بشكلٍ دقيق ولكن التقديرات تُشير إلى أنه قد أُجريت هذه العملية لخمسمائة شخص، وينتظر سبعمائة شخصٍ آخرون العلاج.*

ويُعدّ هذا إنجازاً استثنائيًا في قطاع غزة، نظراً لوضع الخدمات الصحية هناك.

يقول إنجلش:” يُعد الحصار أول مشكلةٍ تُصعب توفير الموارد الطبية الضرورية. أما المشكلة الثانية فهي مساهمة الصراع في تدمير الكثير من البنية التحتية. لا يمكن الاعتماد على مولدات الطاقة التابعة للمستشفيات، ونسبةً كبيرةً من المياه غير صالحةٍ للشرب، والإمدادات الطبية شحيحة.”

يستذكر إنجلش سؤالًا وجهه قبل سنواتٍ عديدة للدكتور يوسف أبو الريش، وكيل وزارة الصحة في غزة عن الفجوات الخطيرة التي تحتاج لمعالجة في تقديم الرعاية الطبية، ضحك أبو الريش وأجاب:” كل شيء!”

لا يزال الحصار الذي تفرضه “إسرائيل” على قطاع غزة متواصلا منذ أن استولت حركة “حماس” عليه في عام 2007، بعد فوزها في الانتخابات التشريعية وإقصاء حركة “فتح” التي يتزعمها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن الحكم خارج القطاع الساحلي، وذلك بعد اشتباكاتٍ عنيفةٍ بين الفصائل المتصارعة.

يعتقد إنجلش الآن بأن تهديد فيروس كورونا، ومع تسجيل حالاتٍ في المنطقة، يجعل الحاجة إلى رفع الحصار أكثر عُجالةً، ويقول:” هناك تخوفاتٍ من استحالة السيطرة على الفيروس وبالتالي وقوع تداعيات كارثية لانتشاره في قطاع غزة؛ حيث كثافةً سكانيةً كبيرة في منطقةٍ ضيقةٍ، وأيضاً وجود الخدمات الصحية تحت ضغطٍ هائلٍ بالفعل. سكان قطاع غزة أكثر عرضةً للخطر؛ ويعيشون في منطقة مكتظة للغاية وليس هناك سبيل لعزل أنفسهم بشكلٍ فعال.”

يعتقد إنجلش بضرورة بأن على الحكومة البريطانية بذل المزيد من أجل الفلسطينيين، وذلك لمسؤوليتها التاريخية عن وعد بلفور في عام 1917، الذي تعهدت فيه بدعم تأسيس وطنٍ لليهود في فلسطين.

يقول إنجلش: “يوضح البند الأخير من وعد بلفور بأن لا يمس توفير وطن قومي لليهود في فلسطين بـ (الحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية الموجودة في فلسطين) ولكن من الواضح أن هذا ما لم يحدث، أشعر بالحزن لعدم وفاء بريطانيا بالتزاماتها ومسؤولياتها تجاه الفلسطينيين.”

رسالة إنجلش كانت واضحة:” علينا الضغط على أعضاء البرلمان لدينا لدعم شعب غزة، وعلى بريطانيا أن تتحمل المسؤولية.”

*يعتقد إنجلش أن إحدى الطرق التي يمكن للحكومة البريطانية المساعدة بها هي التحدث إلى حركة “حماس”* مع وضع غايةٍ نهائيةٍ وهي إعادة بناء قيادةٍ موحدة قادرة على تمثيل جميع الفلسطينيين في مفاوضات مدعومة دوليًا مع “إسرائيل”.

يقول إنجلش:” يُعد إنهاء دائرة الصراع والمعاناة التي شهدناها خلال الخمسين عاماً الماضية من مصلحتنا ولصالح الشعبين”.

وتتطلب حركةٌ مثل هذه شجاعةً دبلوماسية وسياسية بما أن الجناح العسكري لحركة “حماس” يُصنف كمنظمة إرهابية محظورة في المملكة المتحدة منذ عام 2001.

تصف الحكومة البريطانية سياستها تجاه فلسطين بأنها تدعم إقامة ” سلام عادل بين دولة فلسطينية ديمقراطية ومستقلة وبين “إسرائيل”، على أساس حدود عام 1967، وإنهاء الاحتلال بالاتفاق”.

*لكن يتخوف إنجلش من كون هذه السياسة في خطر بسبب تفوق الأحداث عليها؛* حيث يُهدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي شجعه دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب له والمكائد السياسة الداخلية التي يبدو بأنها ستُبقيه في منصبه، بمزيدٍ من تقويض الاحتمالات لأي اتفاقيةٍ مستقبليةٍ ذات مغزى- ومعاناة الفلسطينيين مرةً أخرى.

يقول إنجلش:” لا محال بأن الخدمات الصحية تعتمد على السياسة، يعتقد نتنياهو أن بإمكانه مع بقاء ترامب في منصبه أن يفعل ما يحلو له بشكلٍ أو بآخر، ويهدف مع عودته إلى السلطة أن يضم ما تبقى من الضفة الغربية.”

رابط المقال الأصلي:

https://www.middleeasteye.net/news/hundreds-still-awaiting-surgery-2018-gaza-protest-injuries-surgeon

مجلس نواب اليهود البريطانيين يضع 10 شروط كارثية تستهدف التضامن الفلسطيني

مجلس نواب اليهود البريطانيين يضع 10 شروط كارثية تستهدف التضامن الفلسطيني

بقلم جوناثان أوفير (13 يناير 2020)

ترجمة: مجلس العلاقات الدولية – فلسطين

استدعت خسارة جيرمي كوربن في الانتخابات البريطانية الأخيرة احتفال مؤيدي إسرائيل بهذا الحدث، فقد صرح جو غلاسمان – رئيس التحقيقات السياسية والحكومية في الحملة ضد معاداة السامية – قائلًا: “ذُبح الوحش”، يُذكر أن منظمة غلاسمان هي “مجموعة ضغط مؤثرة مناهضة للفلسطينيين”
وكان غلاسمان يبث فيديو هانوكا متعطشًا للدماء قارن فيه جيرمي كوربن مع أنطيوخوس الرابع، الملك الإغريقي الذي ثار عليه المكابيون، وهنّأ غلاسمان أتباعه قائلًا: “لقد نجحنا أيها المكابيون، قولًا وفعلًا، بالاحتجاج والتغريد، بمساعدة جواسيسنا وعملائنا.”
يُعد هذا جنونًا لحد كبير ولكن انتظر، فالأمر لم ينته عند هذا الحد.
يتبع الآن مجلس نواب اليهود البريطانيين سياسة الأرض المحروقة التوراتية لضمان ألا يهدد شيء من قبيل جيرمي كوربن الصهيونية على الإطلاق.
يتنافس حاليًا ستة مرشحين ليحلوا محل كوربن كزعيم في انتخابات تُختتم في الرابع من أبريل، وقد أطلق مجلس النواب اليهودي “عشر تعهدات لإنهاء أزمة معاداة السامية”، أو كما أوضح المجلس: “عشر نقاط أساسية نعتقد أن على حزب العمال البدء بها من أجل إصلاح علاقته مع المجتمع اليهودي.”
يكشف العنوان لوحده بالطبع الطبيعة الوهمية للوثيقة بأكملها بما أنه ليس هناك “أزمة معاداة للسامية” بالفعل في حزب العمل. فقد اختلقت هذه الفكرة بأكملها جماعات المصالح الصهيونية وضخمتها عبر الصحافة السائدة الراغبة في ذلك.
يسعى مجلس النواب اليهودي إلى ضمان هيمنة الخطاب حول معاداة السامية من خلال التجنيد الكامل لتعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة النازية لمعاداة السامية، وهي وثيقة IHRA التي تجمع بين نقد إسرائيل المعروف ومعاداة السامية.
من شأن هذه التعهدات أيضًا أن تجعل من الحركة اليهودية داخل حزب العمال وهي منظمة صهيونية، الجهة الحصرية التي تقدم نشاطات تدريبية ضد معاداة السامية، مستبعدةً المنظمات اليهودية التقدمية مثل الصوت اليهودي من أجل العمال، والتي يصنفها مجلس النواب اليهودي ضمن “المنظمات الهامشية” (جويش كرونيكل هو من وضع هذا التصنيف وليس مجلس النواب اليهودي)، ومستثنيةً كذلك إمكانية انضمام الأعضاء المدانين إلى حزب العمال أو تأييدهم في المستقبل.

فيما يلي القائمة التي تم وضعها:
1.حل الحالات العالقة: يجب إنهاء جميع الحالات العالقة والمستقبلية بسرعة ضمن إطار زمني محدد.
2.جعل الإجراءات التأديبية للحزب مستقلة: يجب قيام جهة مستقلة بمعالجة جميع الشكاوى، والقضاء على أي خطر من الحزبية والفصائلية.
3.ضمان الشفافية: ينبغي إعطاء الأطراف المتأثرة الرئيسية في الشكاوى، بما في ذلك الهيئات التمثيلية اليهودية، الحق في الحصول على معلومات منتظمة ومفصلة للحالة، تحت بند السرية.
4.منع إعادة قبول الجناة البارزين: يجب أن يكون واضحًا أن الجناة البارزين الذين غادروا أو طُردوا من الحزب، مثل كين ليفنجستون وجاكي ووكر، لن يتم قبولهم أبدًا في العضوية.
5.عدم منح مجال للتعصب: يجب تعليق عضوية أي نواب أو نظرائهم أو مستشارون أو أعضاء الدائرة الانتخابية في حزب العمال يدعمون أو يقومون بحملة أو يمنحون مجالًا للأشخاص الذين تم تعليقهم أو طردهم في أعقاب الحوادث المعادية للسامية.
6.تبني التعريف الدولي لمعاداة السامية دون قيد أو شرط: يجب تبني تعريف IHRA لمعاداة للسامية، بكل أمثلته وعباراته، ودون أي تحذيرات، بشكل كامل من قبل الحزب واستخدامه كأساس للنظر في القضايا التأديبية المعادية للسامية.
7. تقديم برنامج تعليمي مناهض للعنصرية يحظى بموافقة المجتمع اليهودي: يجب إعادة تنشيط الحركة العمالية اليهودية من قبل الحزب لقيادة التدريب على معاداة السامية.
8.التواصل مع المجتمع اليهودي من خلال مجموعاته التمثيلية الرئيسية: يجب أن يتعاون حزب العمال مع المجتمع اليهودي عبر مجموعاته التمثيلية الرئيسية، وليس من خلال المنظمات والأفراد الهامشيين.
9.التواصل بحزم: يجب أن تفسح العبارات العامة طريقًا لإدانة سلوكيات ضارة معينة – وعند الاقتضاء، إدانة أفراد معينين.
10.التحلي بالقيادة وتحمل المسؤولية: يجب على القائد أن يتحمل شخصيا مسؤولية إنهاء أزمة معاداة السامية.

يمكن النظر إلى بعض النقاط ظاهريًا على أنها تعالج المخاوف الحقيقية بشأن معاداة السامية واليهود. لكن كما يُظهر عنوان القائمة، فإن التركيز على القلق المفرط لليهود ليس حقيقي، بل استخدام هزيل لـ “معاداة السامية” من أجل القضاء على التضامن مع فلسطين وجعل الحزب أكثر وسطية وصهيونية.
وكانت ماري فان دير زيل – رئيسة مجلس النواب اليهودي – قد صرحت قائلة: “لقد دُمرت العلاقة بين حزب العمل والمجتمع اليهودي بشكل كامل، وهي التي كانت قوية جدًا في الماضي، إن أولئك الذين يسعون إلى قيادة حزب العمال سيؤيدون علنًا وبشكل كامل هذه التعهدات العشرة، مع التعهد في حال انتخابهم كزعيم أو نائب بالتزامهم بضمان اعتماد كل هذه النقاط. ”
وقد وقع خمسة من أصل ستة مرشحين في الفخ وأعلنوا اعتماد هذه الشروط الكارثية في غضون ساعات. وبحلول يوم إعلان مجلس النواب اليهودي لهذه الشروط، لوحظ أن كلايف لويس فقط لم يؤكد بعد الالتزام بهذه الشروط.
نرى هذا يحدث مرارًا وتكرارًا، في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، فأولئك الذين يظهرون تضامنًا مع الفلسطينيين يُشوهوا بصفتهم متشددين، ويتم ترهيبهم تحت مبرر “معاداة السامية”، والتي باتت تعني “أي شخص يتحدى التعصب اليهود “. الرسالة واضحة إلى أي شخص يفكر في قيادة حزب العمال، وهي: لا تعبث مع الصهيونية، وإلا سنهاجمك بقوة، بل وأسوأ من ذلك.

مصدر المقال:
https://mondoweiss.net/…/british-jewish-board-of-deputies-…/

كيف يفتح التحيز الإعلامي الغربي نافذة لإسرائيل لتتهرب من جرائمها في غزة؟

بقلم: رمزي بارود

16 نوفمبر 2019

ترجمة: مجلس العلاقات الدولية – غزة

وقوع هجوم إسرائيلي على غزة كان وشيكاً، ولم يكن بسبب أي استفزازات من جانب الجماعات الفلسطينية في قطاع غزة الفقير المحاصر. لقد كان التصعيد العسكري الإسرائيلي متوقعًا لأنه عامل دقيق في المشهد الإسرائيلي السياسي المثير للجدل لإسرائيل، فالحرب لم تكن مسألة تتعلق بالاحتمالات، بل بالوقت.

جاء الجواب في 12 نوفمبر عندما شن الجيش الإسرائيلي هجومًا كبيرًا ضد غزة مما أدى إلى مقتل القائد في الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا مع زوجته أسماء.

تلا ذلك العديد من الهجمات التي استهدفت ما وصفها الجيش الإسرائيلي بمنشآت الجهاد الإسلامي. ومع ذلك، فإن هويات الضحايا إلى جانب لقطات على وسائل التواصل الاجتماعي وصور وشهود عيان تشير إلى تعرض المدنيين والبنية التحتية المدنية للقصف والتدمير أيضًا.

وفي الوقت الذي تم فيه اعلان الهدنة في 14 نوفمبر، كان قد استشهد 32 فلسطينيًا وجُرح أكثر من 80 آخرين في العدوان الإسرائيلي.

إن ما يحبط حقاً أي تناول ذا مغزى للوضع المروع في غزة هو الاستجابة الضعيفة، سواء من جانب المنظمات الدولية الموجودة لغرض وحيد هو ضمان السلام العالمي أو وسائل الإعلام الغربية السائدة والتي تتغنى بلا توقف بدقتها وحيادها.

أكبر الردود خيبة للآمال على العنف الإسرائيلي أتت من السيد نيكولاي ملادينوف -المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط.

فملادينوف، صاحب وظيفة بلا مغزى بالنظر لعدم وجود “عملية سلام” بالفعل، عبر عن “قلقه” تجاه “التصعيد المستمر والخطير بين حركة الجهاد الإسلامي وإسرائيل”.

تصريح ملادينوف لا يساوي أخلاقيًا فحسب بين القوة المحتلة – التي أشعلت الحرب في المقام الأول- ومجموعة صغيرة من بضع مئات من الرجال المسلحين، بل هو أيضاً تصريح لا يتسم بالصدق.

وأكمل ملادينوف: “إن الإطلاق العشوائي للصواريخ وقذائف الهاون على المراكز السكانية أمرٌ غير مقبول على الإطلاق ويجب أن يتوقف على الفور” مشددًا بشكل كبير على حقيقة أنه “لا يمكن أن يكون هناك أي مبرر لأي هجمات ضد المدنيين”.

من المثير للصدمة أن ملادينوف كان يشير إلى المدنيين الإسرائيليين وليس الفلسطينيين، ففي الوقت الذي صدر فيه تصريحه الى وسائل الاعلام كان قد قُتل وجُرح بالفعل عشرات المدنيين الفلسطينيين، في حين تحدثت تقارير وسائل الإعلام الإسرائيلية عن قلة من الإسرائيليين الذين عولجوا من “القلق”.

لم يكن الاتحاد الأوروبي أفضل حالًا، حيث انه تبنى نفس رد الفعل الأمريكي من خلال إدانة “وابل الهجمات الصاروخية التي تصل إلى عمق إسرائيل”.

وجاء في بيان للكتلة الأوروبية: “إطلاق الصواريخ على السكان المدنيين أمر غير مقبول إطلاقًا ويجب أن يتوقف على الفور”.

ليس من المحتمل أن ملادينوف وكبار صانعي السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي لا يفهمون حقًا السياق السياسي للهجوم الإسرائيلي الأخير، والذي يستخدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يتعرض لأزمة كوسيلة لتعزيز قبضته الضعيفة على السلطة.

باعتبار ذلك، ما الذي يمكن فعله في ظل التغطية الإعلامية الضعيفة والتحليلات غير الملائمة وغياب التقارير المتوازنة في وسائل الإعلام الغربية الكبرى؟

أشارت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في تقرير نشرته في 13 نوفمبر إلى “أعمال عنف عبر الحدود بين إسرائيل ومسلحين في غزة”.

لكن غزة ليست دولة مستقلة، وبموجب القانون الدولي فهي لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي. لقد أعلنت إسرائيل في سبتمبر2007 أن غزة هي “كيانًا معاديًا”، حيث أقامت بشكل تعسفي “حدود” بينها وبين هذه الأرض الفلسطينية المحاصرة. ولكن لسبب ما، تجد بي بي سي أن هذه التسمية مقبولة.

من ناحية أخرى، ذكرت شبكة سي ان ان الأمريكية في 13 نوفمبر أن “الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد الجهاد الإسلامي” تدخل يومها الثاني مع التأكيد على إدانة الأمم المتحدة لهجمات الصواريخ.

ومثل معظم نظرائها في وسائل الإعلام الرئيسية الأمريكي، فإن سي إن إن تقدم تقارير عن الحملات العسكرية الإسرائيلية كجزء لا يتجزأ من “الحرب على الإرهاب” الوهمية، لذلك فإن تحليل لغة وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة بهدف التأكيد على إخفاقاتها وانحيازاتها يعد ممارسة غير مجدية.

للأسف فقد امتد الانحياز الأمريكي فيما يتعلق بفلسطين إلى وسائل الإعلام الرئيسية في الدول الأوروبية والتي كانت إلى حد ما أكثر عدلاً، إن لم تكن متعاطفة مع وضع الشعب الفلسطيني.

على سبيل المثال، تحدثت صحيفة إلموندو الإسبانية عن عدد من الفلسطينيين – مع التأكيد على أنهم “معظمهم من المسلحين” – الذين “ماتوا” بدلاً من “قُتلوا” على يد الجيش الإسرائيلي.

وقالت صحيفة إلموندو: “جاء التصعيد عقب وفاة قائد مجموعة مسلحة في غزة”، مخفقة مرة أخرى في تحديد الجناة وراء هذه الوفيات الغامضة على ما يبدو.

صحيفة “لا ريبابليكا” -التي يُنظر إليها في إيطاليا كصحيفة “يسارية”- بدت وكأنها صحيفة إسرائيلية يمينية في وصفها للأحداث التي أدت إلى مقتل وجرح العديد من الفلسطينيين، فقد استخدمت الصحيفة الإيطالية جدولًا زمنيًا ملفقًا لا يتواجد إلا في ذهن الجيش الإسرائيلي وصانعي القرار.

فقد كتبت الصحيفة: “تواصل العنف، وأطلقت حركة الجهاد الإسلامي في غزة عدة صواريخ على إسرائيل، مما أدى الى خرق الهدنة القصيرة، وفقًا لصحيفة جيروزالم بوست الإسرائيلية (وهي صحيفة يمينية إسرائيلية) والجيش الإسرائيلي.”

لم يتضح بعد أي “هدنة” التي كانت تشير إليها صحيفة “لا ريبابليكا.”

وحذت صحيفة “لوموند” الفرنسية نفس الأسلوب، حيث قدمت نفس الروايات الإسرائيلية الخادعة والمبتذلة وتصريحات الجيش والحكومة الإسرائيليين، ومن المثير للاهتمام أن وفاة وجرح العديد من الفلسطينيين في غزة لا يستحقون مكانًا على الصفحة الرئيسية للصحيفة الفرنسية، فقد اختارت بدلاً من ذلك أن تسلط الضوء على مقال إخباري لا صلة له بالموضوع نسبياً حيث استنكرت إسرائيل وصف منتجات المستوطنات غير القانونية بأنها “عنصرية”.

ربما يعذر المرء هذه السقطات الصحفية والأخلاقية العابرة للحدود لو لم تكن قصة غزة من أكثر الموضوعات الإخبارية تغطية في العالم لأكثر من عقد.

من الواضح أن “أكثر الصحف مبيعًا” في الغرب حافظت على غموضها في تغطية الأخبار بشكل عادل عن غزة وغيبت الحقيقة بشكل متعمد عن قرائها لسنوات عديدة حتى لا تسيء إلى مشاعر الحكومة الإسرائيلية وحلفائها الأقوياء وجماعات الضغط.

بينما لا يسع للمرء إلا أن يتحسر على غياب الصحافة الجيدة في الغرب، من المهم أيضًا أن نعترف مع التقدير الكبير شجاعة وتضحيات صحفيي ومدوني غزة الشباب الذين يستهدفهم الجيش الإسرائيلي في بعض الأحيان ويقتلهم بسبب نقلهم حقيقة محنة القطاع المحاصر والعنيد في الوقت نفسه.

رابط المقال الأصلي:

http://bit.ly/2CVIxCC

فلسطين تلوح في الأفق في الحملة الانتخابية الكندية

مع فشل الحزبين الرئيسيين في اتخاذ موقف ضد إسرائيل، فإن التصويت المقبل لن يجلب على الأرجح أخبارًا جيدة لمناصري حقوق الإنس.

جيرمي وايلدمان

3 أكتوبر 2019

ترجمة: مجلس العلاقات الدولية – فلسطين

قد يبدو من الغريب أن البلد الصغير والفقير الذي لا تعترف به كندا، والذي يقع على بعد نصف العالم، سيكون له أهمية في الانتخابات الكندية لعام 2019.

لكن فلسطين مهمة -وكثيرا. وظهرت في مناظرة رئيس الحزب الأول في اليوم الثاني من الحملة الانتخابية، حيث وعد زعيم المحافظين أندرو شير إذا تم اختياره فإنه سيسير على خطى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقطع المساعدات عن وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بحجة انها كانت عاملاً في إثارة معاداة السامية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

هذا ليس بالأمر اليسير بالنسبة للفلسطينيين الأكثر حرمانًا والذين ما زالوا بعد 70 عامًا لاجئين يعتمدون على مساهمات أعضاء الأمم المتحدة، مثل كندا، لتمويل ميزانية الأونروا لتغطية احتياجاتهم الأساسية، حيث كانت كندا في العام الماضي ثالث أكبر مانح بتعهدات بلغت نحو 27 مليون دولار.

روابط تاريخية

أنفقت كندا 110 مليون دولار على الأونروا منذ أن أعادت حكومة رئيس الوزراء جوستين ترودو الليبرالية في عام 2016 التمويل للوكالة، بعد قطعها من قبل إدارة رئيس الوزراء السابق المحافظ ستيفن هاربر.

ترتبط كندا تاريخيا مع فلسطين، حيث لعبت دوراً نشطاً في تقسيم عام 1948 وتأسيس “إسرائيل”، ولطالما كانت مانحًا رئيسيًا للفلسطينيين، وهي عضو في لجنة الاتصال المخصصة التي تنسق تقديم المساعدات الخارجية. ومع ذلك، فإن نتائج انتخابات 2019 قد تعني الكثير بالنسبة للمناصرين الكنديين عن حقوق الإنسان العالمية، وكذلك للفلسطينيين في الشرق الأوسط.

يمكن أن يزداد الوضع سوءًا بالنسبة لمناصري حقوق الإنسان في كندا. إن لدى حزب المحافظين – والذي يتصدر جنبًا إلى جنب مع الليبراليين استطلاعات الرأي – توجهات معادية للإسلام والفلسطينيين. وإلى جانب تعهد شير بقطع التمويل عن الأونروا، فإن موقع الحملة للحزب يعرض تعهدًا بنقل السفارة الكندية إلى القدس.

يجب أخذ مثل هذه التعهدات على محمل الجد، حيث كانت كندا أول دولة بعد “إسرائيل” توقف المساعدات للسلطة الفلسطينية بعد فوز حماس في الانتخاب في عام 2006. لقد كانت إحدى إجراءات السياسة الخارجية التي اتخذتها حكومة هاربر والذي كان حزبه قد تأسس قبل بضع سنوات في اندماج بين حزبين يمينيين.

في مقطع فيديو أصدره هاربر لجامعة براغر بعد تركه منصبه، صرح ان “إسرائيل” منارة للديمقراطية، مشيرًا إلى أن: “القاعدة اليومية فيها هي الانتخابات الحرة وحرية التعبير والتسامح الديني”. إذا عاد المحافظون إلى السلطة، فمن المعقول توقع المزيد من القمع على الأصوات التقدمية والمناصرة للفلسطينيين.

قد يبدو هذا غريبًا، لكن فلسطين “الصغيرة” تلوح في الأفق في الانتخابات الكندية لعام 2019، وهي انتخابات يبدو من غير المرجح أن تحمل أخبارًا جيدة لمناصري حقوق الإنسان في البلاد.

ومع ذلك، وبقدر ما قد يبدو الليبراليون سيئين، وبدون رؤية بديلة واضحة من الحزب الوطني الديمقراطي ومع وجود حزب الخضر والذي ينظر إليه تقليديا على أنه “هامشي”، من المرجح أن يعزز الخوف من فوز المحافظين فوزًا ليبراليًا -وستظل فلسطين جزءًا كبيرًا من السياسة الحزبية في السنوات المقبلة.

المصدر: مديل ايست آي

رابط المقال الأصلي:

https://www.middleeasteye.net/opinion/palestine-looms-large-canadas-federal-election-campaign

كيف تزرع إسرائيل بذور حرب قاتلة في جنوب السودان؟

سورايا دادو

ترجمة: مجلس العلاقات الدولية – فلسطين

منذ حصول جنوب السودان على استقلالها في عام 2011، عملت إسرائيل على بيعها الأسلحة وتكنولوجيا المراقبة بشكل مستمر وتوفير التدريب والأمن العسكري، واستُخدم الكثير من هذه الأدوات لارتكاب جرائم حرب، وربما جرائم ضد الإنسانية في الحرب الأهلية التي اندلعت في عام 2013.

حظر مجلس الأمن التابع الأمم المتحدة مبيعات الأسلحة إلى الأطراف المتحاربة في مارس 2015، وشُكلت لجنة من الخبراء لمتابعة تنفيذ العقوبات أو انتهاكها، وأصدرت تقريرها في أغسطس 2015. وخلصت إلى أن كلا الجانبين في الحرب الأهلية بالبلاد كانا يشتريان الأسلحة على الرغم من حظر ذلك.

بغض النظر عن الأسلحة الأوكرانية والصينية، أظهر التقرير أيضًا أدلة فوتوغرافية لبنادق إسرائيلية هجومية من نوع ACE في ترسانة الميليشيات العسكرية لجنوب السودان والميليشيات المتحالفة وكذلك قوات المعارضة.

كما حمل الحراس الشخصيون لكبار السياسيين وكبار ضباط الجيش هذه الأسلحة، وتدعي “إسرائيل” أنها باعت الأسلحة قبل بدء الحرب الأهلية. ومع ذلك، فقد استخدمت القوات الحكومية تلك البنادق في هجوم ديسمبر 2013 على أفراد من قبيلة النوير، ويمثل هذا الحادث نقطة انطلاق للحرب الأهلية في جنوب السودان.

وكشف تقرير الأمم المتحدة أيضًا أن “إسرائيل” باعت معدات للتنصت على المكالمات الهاتفية لجنوب السودان حتى بعد اندلاع الحرب الأهلية، والتي كانت تستخدم لتحديد معارضي الحكومة واعتقالهم.

وفقاً للمحامي والناشط الإسرائيلي لإيتاي ماك فإن “إسرائيل” لم تقم بتركيب معدات التنصت هذه لحكومة جنوب السودان فحسب، بل عملت على تشغيلها من خلال الفنيين الإسرائيليين المتواجدين في جنوب السودان، وقال أيضًا إن الاعتقالات التي ورد ذكرها في تقرير الأمم المتحدة لم تستهدف معارضي النظام فحسب، بل الصحافيين أيضًا.

بعد نشر التقرير، التقى أعضاء لجنة خبراء الأمم المتحدة بكبار المسؤولين من وزارتي الخارجية والدفاع الإسرائيليتين، وأكد المسؤولون الإسرائيليون للوفد أن إسرائيل ستتوقف عن نقل المعدات الفتاكة إلى أي طرف في جنوب السودان، وهو قرار سيتم تنفيذه بالكامل وسيبقى ساري المفعول.

لكن هذا لم يحدث واستمرت وزارة الدفاع الإسرائيلية في منح تراخيص تصدير لشركات الأسلحة الإسرائيلية لبيع أسلحة فتاكة بقيمة 150 مليون دولار من خلال مشروع “الأفق الأخضر”.

أجبر حجم العنف وسفك الدماء في جنوب السودان الاتحاد الأوروبي على فرض حظر على الأسلحة على جنوب السودان في عام 2014، كما أوقفت الولايات المتحدة المساعدات العسكرية وأصدرت عقوبات ضد القادة العسكريين في البلاد.

وفي يوليو 2018، تبنى مجلس الأمن أخيرًا حظر الأسلحة كجزء من جهد ملموس لإنهاء تدفق الأسلحة. حتى أن الاتحاد الأفريقي عبّر عن تأييده لفرض عقوبات على القادة الذين يطيلون فترة الصراع، ويمكّنون من انتهاكات وقف إطلاق النار في جنوب السودان من خلال توفير الأسلحة.

خلال ذلك كله، أظهرت إسرائيل – وذلك يذكرنا بتسليح نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا – أنها لا تعاني من أي تأنيب ضمير في بيع الأسلحة لنظام تم نبذه عالمياً، حتى أنه تم الترحيب بمسؤولي جنوب السودان، إلى جانب أنظمة الإبادة الجماعية الأخرى، في معرض الأسلحة في تل أبيب في يونيو 2015.

وقال ماك في ذلك الوقت: “فكروا في هذا الأمر للحظة، الدولة التي تُرتكب فيها جرائم ضد الإنسانية في هذه اللحظة بالذات باستخدام الأسلحة الأجنبية، والخاضعة لحظر الأسلحة الكامل من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، تُرسل وفد عسكري إلى إسرائيل ويتم الترحيب به بشدة”

الصناعة السرية للأسلحة في “إسرائيل”

في مايو 2017، قاد ماك 54 ناشطًا إسرائيليًا لرفع عريضة إلى المحكمة العليا الإسرائيلية للحصول على تحقيق جنائي في تصدير “إسرائيل” للأسلحة إلى جنوب السودان.

أراد الناشطون التحقيق مع مسؤولي وزارتي الخارجية والدفاع الذين وافقوا على مبيعات الأسلحة لجنوب السودان كملحقات ممكنة لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. بالإضافة إلى ذلك، طلبوا فتح تحقيق جنائي ضد حاملي تراخيص تصدير الأسلحة.

بعد نقل وسائل الإعلام قيام “إسرائيل” بتطمين لجنة الأمم المتحدة، طلبت النائب الإسرائيلية تامار زاندبرج من وزير الدفاع مراجعة جميع تراخيص التصدير التي منحتها الوزارة للتأكد من أنها لم تتضمن أسلحة، وقالت تامار: “نود أن نعلم ما الذي يتم القيام به باسمنا، وما إذا كان الناس يموتون من الأسلحة التي بعناها، وما إذا تعرضت النساء للاغتصاب ببندقية من طراز  UziأوGalil  الموجهة إلى رؤوسهن”.

كان الهدف العام للخطوة القانونية هو تحقيق قدر أكبر من الشفافية والرقابة العامة على الصادرات العسكرية الإسرائيلية، لكن لم ينجح الناشطون في هذا الصدد لأن المحاكم الإسرائيلية فرضت أوامر الالتزام بالصمت على العرائض والحجج المقدمة في القضية وأحكام المحكمة، وقد حافظ هذا على سرية وغموض عملية ترخيص تصدير الأسلحة الإسرائيلية.

يعتقد يوتام جيدرون، الذي يركز كتابه القادم والمعنون ب “إسرائيل في إفريقيا” على علاقات إسرائيل مع الدول الإفريقية، أن صادرات الأسلحة إلى الدول الأفريقية هي عنصر أساسي في دبلوماسية إسرائيل في القارة.

وقال جيدرون: “على مدى عقود، استثمرت إسرائيل القليل جدًا في دبلوماسيتها الرسمية في القارة واعتمدت بدلاً من ذلك على رواد الأعمال والوسطاء للحفاظ على علاقاتها مع القادة الأفارقة” وهذا يعتبر مثال رئيسي على نهج الوساطة في الدبلوماسية التي استخدمتها إسرائيل في إفريقيا.

تدرك إسرائيل الفوائد الاقتصادية والأهمية الدبلوماسية لتصدير الأسلحة إلى البلدان الأفريقية التي تمت تجربتها ميدانيا على الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا هو السبب في أن الحكومة الإسرائيلية تشجع بقوة وتحمي بشدة صادرات الأسلحة إلى أفريقيا، وهذا يفسر أيضًا سبب عرقلة جهود ماك والنشطاء الاخرون من قبل الحكومة والمحاكم الإسرائيلية.

على مدار الأعوام القليلة الماضية تم تقديم طلبات حرية الحصول على معلومات إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية وذلك بحثًا عن مستندات تتعلق بصفقات أسلحة إسرائيلية وعقود استشارية وتدريب القوات المسلحة ليس فقط في جنوب السودان، ولكن أيضا في رواندا وميانمار وسريلانكا وصربيا خلال عقود الإبادة الجماعية والصراع العرقي في تلك الدول.

أراد النشطاء معرفة مدى التجارة، وما هي الأسلحة التي تم تصديرها ولأي جهات، وكيف تم استخدام الأسلحة، ومدة استمرار هذه التجارة.

رفضت الوزارة طلبهم في كل مرة، وأُجبروا على الاستئناف أمام المحكمة العليا، وانحازت المحكمة في كل استئناف إلى الجيش وقضت بأن هذه المعلومات كانت محجوبة عن الرأي العام من أجل حماية أمن الدولة.

يقول ماك: “من العبثي أن إسرائيل التي تأسست في أعقاب المحرقة في أوروبا تخفي وثائق تتعلق بالإبادة الجماعية”.

وواصل ماك قوله: “إن تورط “إسرائيل” الحالي في جنوب السودان “استثنائي” في تاريخ صادراتها العسكرية، وهذا يتجاوز الجشع حيث ان “إسرائيل” تقاتل حاليًا حول جدوى مشروع استثمرته كثيرًا على مر السنين.”

إسرائيل وجنوب السودان: علاقة خاصة

وفقا للأكاديمي والمؤلف يوتام جيدرون أنه وعلى الرغم من أن عمر الولاية الوطنية لجنوب السودان أقل من عقد من الزمن، الا أن العلاقات الودية مع إسرائيل تعود إلى الستينيات عندما قدم الموساد الإسرائيلي الدعم العسكري لأول مرة للمتمردين في جنوب السودان الذين كانوا يقاتلون من أجل الاستقلال، حتى أن الموساد أنتج مواد دعائية نيابة عن جماعة المتمردين والمعروفة ب “أنيا-نيا” بين عامي 1969 و1971.

اعترفت إسرائيل بجنوب السودان خلال 24 ساعة من إعلانها استقلالها في 9 يوليو 2011، وقال جيدرون: “بالنسبة لإسرائيل، تمثل العلاقات مع جنوب السودان وسيلة لكبح النفوذ العربي والإيراني في القرن الإفريقي، خاصة وأن السودان كانت أهم حليف لإيران في هذه المنطقة وسهلت نقل الأسلحة إلى غزة.

وأوضح جيدرون أنه بالنسبة لجنوب السودان، ساعدت العلاقات الوثيقة مع إسرائيل في تأمين التعاطف والدعم الأميركي والحفاظ عليه، وهو ما يفسر جزئياً سبب حفاظها على لقب أكثر الدول الأفريقية تصويتًا لصالح “إسرائيل” في الأمم المتحدة.

وفقًا لإيتاي ماك، يجب على “إسرائيل” أن توقف بشكل كامل جميع الصادرات العسكرية والأمنية المتعلقة بالسودان، فهذه هي الطريقة الوحيدة لضمان عدم تورطها في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

كلما استمر تدفق الأسلحة والتدريب العسكري، فإن “إسرائيل” وغيرها من الدول التي تنتهك حظر الأسلحة المفروض على جنوب السودان تمنح كلا الجانبين في هذا الصراع الطاحن أملاً زائفًا في إمكانية تحقيق نصر عسكري.

وكلما تستمر الأسلحة في التدفق، سيستمر نزف الدم أيضا، لقد حان الوقت لتجفيف هذه الحرب من الأسلحة.

سورايا دادو كاتبة ومؤلفة من جنوب أفريقيا تركز على احتلال “إسرائيل” لفلسطين.

رابط المقال الأصلي: http://bit.ly/2k5RfbM

ترجمة لمقابلة مع المفوض العام للأونروا ” بيير كرينبول

*مقابلة مع المفوض العام للأونروا ” بيير كرينبول”*

بتاريخ 23/أغسطس/2019

*ترجمة: مجلس العلاقات الدولية – فلسطين*

تقلد “بيير كرينبول” منصب المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في الشرق الأدنى منذ مارس 2014. يحمل كرينبول الجنسية السويسرية، وأنهى دراسته لرسالة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة جنيف والمعهد العالي للدراسات الدولية والإنمائية.

بدأ كرينبول العمل في اللجنة الدولية للصليب الأحمر ICRC)) في عام 1991، وتبوأ منصب مدير عمليات اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام 2002. وفي هذا المنصب، أشرف كرينبول على استجابة اللجنة الدولية للصليب الأحمر للعديد من الصراعات العنيفة، وعمل ميدانياً، في عدة دول مثل السودان، وليبيا، والصومال فضلاً عن معظم دول أمريكا اللاتينية.

تولى كرينبول منصب مدير عمليات اللجنة الدولية للصليب الأحمر حتى أصبح مفوضاً عاماً لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) في 2014. نُشرت هذه المقابلة في عدد هير وينتر 2019.

 *ما الذي جعلك تقوم بالتنقل بين المناصب؟*

عندما تكون قد عملت لمدة 22 عامًا لدى منظمة مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، خصوصاً أثناء فترة ولايتي الثالثة كمديرٍ للعمليات، فإنك تفكر ملياً فيما إذا كنت ترغب في الاستمرار في العمل في نفس المنظمة. ويُعزى الاهتمام بالأونروا جزئياً الى التشابه في طبيعة عملها مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والذي يشمل التعامل مع بيئات النزاع، ومجتمعات اللاجئين، وضحايا العنف. ولكن هناك أيضاً اختلافات ملموسة أشعلت شرارة تغييري، وهي الرغبة في رؤية العالم في سياقٍ مختلفٍ خارج بيئة الصليب الأحمر.

*ما هو دورك ودور الأونروا في الصراع في الشرق الأوسط؟*

لم أنخرط مباشرةً في الشرق الأوسط قبل العمل مع الأونروا. انشغلت بشكل أساسي في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مناطق أخرى، لكني كنت منخرطًا في التعامل مع الصراع الإسرائيلي، لا سيما بصفتي مدير عمليات اللجنة الدولية للصليب الأحمر. بدأت الحرب الأهلية السورية خلال فترة عملي مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر ورأينا تغيراً كبيراً في المنطقة أثار طريقةً مختلفةً لرؤية الصراع الإسرائيلي.

حاليًا، يُعد هذا الأمر سائداً في عملي، خاصةً وأن هناك 5 ملايين لاجئ فلسطيني أنشئت الأونروا لخدمتهم. التفويض الممنوح للأونروا من الجمعية العامة للأمم المتحدة ينبع من وجود 750 ألف لاجئ أُجبروا على الفرار من بعد قيام دولة “إسرائيل”. وبالنسبة لجميع أولئك الناس الذين اضطروا لترك منازلهم، فقد قررت الجمعية العمومية للأمم المتحدة أن أهم شيء هو حل المشكلة سياسياً. ولكن أيضاً علينا مساعدة الفلسطينيين الذين اضطروا للفرار.

وتركز الأونروا تركيزاً قوياً على الإغاثة في حالات الطوارئ لأن تشريد الفلسطينيين لا يدوم الا بضعة أشهرٍ أو سنوات، ثم يتم التوصل الى حل فإما أن يتمكنوا من العودة الى ديارهم أو إيجاد حلول أخرى في أماكن أخرى. ولكن الأونروا لا تقوم بالتوسط بين الأطراف، فما تضطلع به الأونروا ما هو الا دور انساني بحت.

عند تفكير المرء بالمنظمات الإنسانية، فإن أول ما يتبادر الى ذهنه هو المساعدات الطبية والغذائية. وهذا أيضاً ما يتبادر إلى أذهاننا أيضًا، ولكن عملنا الأساسي ينصب على التنمية البشرية. على سبيل المثال، نظامنا التعليمي فريدٌ للغاية. فلا يمكنك إيجاد منظمة أخرى للأمم المتحدة أو منظمة إنسانية أخرى تدير نظاماً تعليمياً كاملاً. لو كان نظامنا التعليمي موجودًا في الولايات المتحدة الأمريكية، لحل في المركز الثالث كأكبر نظام تعليمي بعد نيويورك ولوس أنجلوس. نحن ندير 700 مدرسةً في الشرق الأوسط مع كادرٍ تعليمي يبلغ عدده حوالي 22.000 موظفٍ تابعٍ للأونروا وطلاب يبلغ عددهم 525.000 ذكور وإناث تتراوح أعمارهم ما بين السادسة الى السادسة عشر. وهذا عنصرٌ أساسي لخلق الفرص والأمل والحفاظ على المهارات والقدرات التي تشكل مساهمات هائلة في التنمية البشرية في الشرق الأوسط وتطويرها. وهنا تكمن هويتنا المزدوجة: مزودٌ للمعونات في حالات الطوارئ، ومن الواضح أيضاً أنه مزودٌ لخدمات شبيهة بالخدمات المقدمة من الدول كالتعليم، والرعاية الصحية، والإغاثة من الخدمات الاجتماعية.

*كيف يبدو شكل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين؟وهل تختلف اختلافاً كبيراً عن المدن ” العادية ” في فلسطين وبقية الشرق الأوسط؟هل تشعر الأونروا بحس المسؤولية عن الأوضاع السائدة في المخيمات؟*

بادئ ذي بدء، فان هذا الأمر يختلف من منطقةٍ لأخرى. فعلى سبيل المثال، فإن اللاجئين الفلسطينيين في “سوريا” قبل الحرب، عاشوا في أحياءٍ تشبه الى حدٍ كبيرٍ الأحياء الأخرى التي يعيش فيها السوريون. كانوا مجرد أحياءٍ منفصلة، وكانت لهم هويتهم الخاصة بهم لوجود مساحةٍ معينةٍ مخصصةٍ لهم. وبالتالي، فإن الوضع يختلف من فترة زمنية إلى أخرى. عموماً، ومع ذلك، فان الفرق الأكبر الذي يجب أن يأخذه الناس في عين الاعتبار عند التفكير في مخيمات اللاجئين هم أنهم ليسوا على الاطلاق مثل ” مخيم اللاجئين النموذجي ” الذي يتبادر الى الذهن مباشرة، مثل مخيمات الخيام التي نراها في العديد من بيئات الأزمات في العالم. وذلك لأن اللاجئين الفلسطينيين قد عاشوا كلاجئين في المجتمع لما يقرب ال 70 عاماً، ومنذ ذلك الحين، تحولت مخيمات الخيام الأصلية الى ملاجئ حقيقية.

ولذلك، فان تركيزنا في العديد من هذه المناطق يتمثل في مبادرات لتحسين المخيمات بهدف تحسين ظروف الفلسطينيين الذين يعيشون في هذه المخيمات. ولدينا مبادرات تهتم بظروف الصرف الصحي، واصلاح الملاجئ، وما الى ذلك. عندما يكون لديك صراعٌ مثل حرب غزة في عام 2014 أو في سوريا حالياً، من الضروري أن يكون هناك عملية إعادة بناءٍ واسعة النطاق، لذلك فانه يلزم الكثير من العمل والجهد للخوض في هذا الأمر.

*هل تسهل “إسرائيل ” عملكم في الضفة الغربية أو قطاع غزة؟هل يشكل المستوطنون عامل إعاقة؟*

تُشكل العلاقة مع “إسرائيل” تحدياً وعاملًا هاماً في آنٍ واحد. تُعد تحدياً، لأن الأونروا كُلفت بخدمة مجتمعٍ واحد وهو مجتمع اللاجئين الفلسطينيين. لذلك، لامحالة سيكون هناك لحظاتٍ من اختلافاتٍ في الرأي مع “إسرائيل” فيما يتعلق بحالة اللاجئين ووضعهم، وفي بعض الأحيان، في قضايا أكثر جوهريةً مثل تحديد هوية اللاجئ. هذا جزءٌ من حياتنا اليومية. ولكن من المحتم أيضاً، الى حدٍ ما، أن تكون هناك اختلافات في الرأي. أنا من أشد المؤمنين بالتواصل، لذا فإنني أتطلع للحوار على مستوى وزارة الخارجية الإسرائيلية – والقوات المسلحة، ونحن نثير عدداً من القضايا ذات الصلة مع “إسرائيل”. على سبيل المثال، الطريقة التي تتصرف بها قوات “الدفاع” الإسرائيلية وتعمل على سبيل المثال في الضفة الغربية. فلدينا توغلات لقوات “الدفاع” الإسرائيلية في المخيمات مع عواقب مترتبة على اللاجئين وغيرهم من المدنيين. لذلك، فإننا نقوم بتوثيق تلك التوغلات والتدخل فيها. وذلك جزء من عملنا في مجال الدعوة للحماية وجزء طبيعي من دور الأونروا.

*هل أفلح ذلك؟*

انها تجربة للعديد من المنظمات الإنسانية في مناطق الصراع. فعندما تتدخل لدى السلطات التي هي أطراف في صراعٍ ما، تكون قادراً على التأثير في تغيير السلوك. بادئ ذي بدء، يستغرق الأمر الكثير من الوقت وقد يكون ناجحاً الى حدٍ ما. وعلى هذا فان المرء، في كل مكان، لديه نجاحاتٍ وقضايا لم تحل بعد. وحتماً، فان العديد من القضايا الأساسية المتعلقة باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة – وتحديداً الحصار على غزة-لم يتم حلها. وهذا ليس مجرد مسؤوليةٍ للأونروا فحسب، بل أيضاً للمجتمع الدولي على نطاقٍ أوسع. بالطبع، ليست الأونروا الممثل الوحيد الذي يقوم بدورٍ في هذا الصدد، ولكننا نتولى الأمر لأننا نعتقد أن التدخل في قضايا محددةٍ نلاحظها وتوثيق سلوك قوات الأمن الإسرائيلية هو جزءٌ مهم جداً من مسؤوليتنا.

*هل هناك مجالات للتعاون؟*

نعم، من المؤكد. على سبيل المثال، من أجل دخول قطاع غزة، فإننا نقوم بالتواصل والتنسيق من أجل إدخال المواد المستوردة لأغراض البناء والاحتياجات الإنسانية الأساسية الأخرى في قطاع غزة بشكلٍ منتظم. وبالتالي، قد لا نتفق على كل شيء، ولكن بصفةٍ عامة، لدينا حوار عملياتي سليم مع قوات الأمن الإسرائيلية بشأن تلك المسائل. هذا جزءٌ من عملنا اليومي. هناك مجالات نختلف فيها، ولكن هناك حواراً وتنسيقاً أثبتا في بعض الأحيان أنهما هامان جداً في انجاز عملنا.

وفي ضوء الصراع، فان القضية الأكثر أهميةً هي أن يقوم المجتمع الدولي والأطراف المعنية بإعادة بناء أفقٍ سياسيٍ حقيقي. وهذا ينقصنا حالياً. ولكن في الواقع ذلك ليس دور الأونروا. انه ليس الدور الذي أُعطي لنا، لذلك ليس لي أي تأثير على ذلك. بَيدَ أن ما أُشدد عليه دائماً هو أن الأونروا تقف على خط الواجهة لمراقبة التكاليف البشرية للمسائل السياسية العالقة والتي لم تُحل بعد. هذا أمرٌ هام. غالباً ما أواجه الكثير من الشكوك في العالم حول احتمالية حل الصراع بين “إسرائيل” وفلسطين سياسياً، لأن الناس يعتقدون بأنهم جربوا كل شيء. لا أعتقد أن هذا تصريحٌ كافٍ في حد ذاته. ومن الضروري تماماً إعادة فتح أفقٍ جديد. فكروا في كل شابٍ في فلسطين، الشباب اللاجئ. وكل شخصٍ دون سن الخامسة والعشرين وُلد بعد اتفاقية أوسلو للسلام. هؤلاء الناس الذين قد نشأوا وهم يستمعون الى رسالة المجتمع الدولي، الذي قال إذا اتخذت طريق الاعتدال وآمنت بالعمليات السياسية والمفاوضات، سيتم التوصل الى حل ٍ. لم يرَ هؤلاء الشباب أي حلٍ نتيجة الاعتدال والسياسة والتفاوض. وهذا يترك الكثير من عدم الاستقرار لأن هذه ليست رسالةً جيدة. أقابل الكثير من هؤلاء الشباب لأنهم طلابٌ في مدارسنا. وهم بصراحة، يريدون أن يصبحوا مواطنين في العالم وأن يكون لهم مستقبلٌ مثلنا يقوم على الاحترام، والحقوق، والاعتراف. وينبغي للمرء أن يستثمر أكثر بكثير مما نراه حالياً من الناحية السياسية. ولكن في غضون ذلك، ستواصل الأونروا العمل على انجاز ولايتها لتوفير أفضل دعمٍ ممكن لهذه الجماعة من اللاجئين.

*ما هو رأيك تجاه حق العودة؟هل تعتقد أن هناك احتمالية ولو بسيطة؟ برأيك ماذا يحمل المستقبل؟*

حسناً، أعتقد أن ما هو مهمٌ جداً هو أن أي حل، عندما يتم التفاوض بشأنه والاتفاق عليه في نهاية المطاف، يجب أن يتضمن عنصرَ خيارٍ للاجئين. هذا عنصر جوهري. في الماضي، ذلك كان جزءاً من المناقشات، وأعتقد انه لمن المهم جداً أن يكون كذلك في المستقبل. وأي من هذه الخيارات يفضلها الناس، سواءً كانت العودة، أو الاستقرار في دولة فلسطين المستقلة، أو الاستقرار في البلاد التي يعيشون فيها الآن منذ عقود، أو إعادة توطينهم في بلدانٍ ثالثة، فانه ليس من شأن الأونروا أن تقرر ذلك.

ولكن، أعتقد أنه من المهم إعطاء الناس خياراً في لحظةٍ معينةٍ، وأن الرسالة الواضحة من الأمين العام للأمم المتحدة بأن الحل القائم على وجود دولتين حيث ستعيش كلاً من “إسرائيل” وفلسطين فيه جنباً الى جنب في سلام، والاعتراف المتبادل كان وما زال حجر الأساس للحل. وكجزءٍ من ذلك، كانت هناك دائماً مسألة كيفية تناول حالة اللاجئين في المراحل الأخيرة من المناقشة. والشيء الوحيد الذي يمكنني قوله من منظور انسانيٍ بحت هو أنه لا يمكن للمرء أن يقضي على قضيةٍ مثل قضية اللاجئين. هناك حوالي5 ملايين لاجئ مسجلين لدى الأونروا. وفي أي أزمة، لا يمكن للمرء أن يتمنى التخلص من الأشياء. ولا بد من معالجتها كجزءٍ من مفاوضاتٍ منظمةٍ ومفيدةٍ يتفق فيها الطرفان على سبيلٍ للمضي قدماً. وهذا يعيدني الى نقطتي الأولى: المشكلة الآن هي عدم وجود أفق؛ عمليةٍ سياسيةٍ يمكن تحديدها بوضوحٍ والتي بدورها ستعطي للناس شعوراً بأن هذه القضية يتم الاعتناء بها.

في الوقت نفسه، فان الحد الأدنى الذي نحتاجه هو ضمان على الأقل وجود جهودٍ إنسانية، وجهودٍ بشرية إنمائية توفرها الأونروا مثل، التعليم لنصف مليون طالب، والرعاية الصحية لملايين اللاجئين الفلسطينيين، والمساعدات الغذائية، وفرص العمل التي نقوم بخلقها. لا بد من الحفاظ عليها الى أن يتم إيجاد حلٍ لها على نحوٍ سليمٍ ودائم. وهذا للأسف في هذه المرحلة ليس في الأفق ولا يبدو أنه موجود في عين الاعتبار.

*هل هناك كلماتٍ أخيرة في جعبتك؟*

فيما يتعلق بكون الفلسطينيين لاجئين لفترةٍ تتراوح بين 50 و60 عاماً، فان هذا أمرٌ ينبغي حقاً التفكير فيه. يمكن لأي فردٍ أو مواطنٍ أن يعود بمخيلته لما حدث في تاريخ دولته منذ عام 1948. يمكننا أن نسجل معالم تاريخ بلادنا. منذ عام 1950، كنا نفكر في الأمور التي تحدث في بلادنا. وخلال تلك الفترة نفسها، بقي اللاجئون الفلسطينيون كما هم لاجئون. وعندما نفكر في ذلك، تصبح المسألة أكثر وضوحاً. وينبغي ألا تظل مسألة اللاجئين مجهولة الهوية لأن المعاناة والعدالة مسألتان شخصيتان للغاية. احدى تلميذاتنا في غزة، فتاة صغيرة كانت تبلغ من العمر 12 عاماً أثناء حرب قطاع غزة، استُهدف منزلها بغارةٍ جويةٍ. استيقظت من غيبوبةٍ لتكتشف موت شقيقها ووالدتها. هي من أكثر الطالبات تميزًا في المدرسة. السبب لوصفي هذا هو أن وراء كلٍ واحدٍ من هؤلاء الناس حياة فردية اما محطمة، أو متحفظ عليها، أو محمية. فالفرص اما تُهيأ، أو تُدمر بفعل الاحتلال أو العنف. ويجب أن نفكر في هذا بعمقٍ شديد، بشأن كيفية الحفاظ على مصائر الأفراد أو كسرها. انها تأتي في قصصٍ مثل هذه.

ليست الأونروا والأمم المتحدة مجرد بيروقراطية. لدي 240 زميلاً في حلب أود شكرهم لإبقائهم جميع مدارس الأونروا مفتوحةٍ طوال سنوات الحرب السبع على الرغم من الدمار الشامل. هؤلاء الناس هم تجسيدٌ حي لقيمنا ومبادئنا. انهم عكس البيروقراطية. وهذا ما ترمز اليه الأونروا: الحفاظ على الأمل. نود أن نقول للعالم: تخيلوا كيف يكون المرء لاجئاً غير مرغوبٍ به من أحد. وفي الوقت نفسه، نود أن نقول ” شكراً” للعالم على جميع الالتزامات والدعم، ولكن من فضلكم دعونا لا ننسى هذا المجتمع الذي يلعب مثل هذا الدور الهام. ولهذا السبب، فان تمويل الأونروا ودعم عملنا ليس لصالح الوكالة، بل لصالح الناس.

رابط المقابلة الأصلية:

https://hir.harvard.edu/interview-with-unrwa-commissioner-general-pierre-krahenbuhl/

Why Israel cannot be called a democratic state

Why Israel cannot be called a democratic state

Joseph Massad

23 August 2019

‘Democracy’ in Israel was established for Jews after Zionists expelled 90 percent of the Palestinian population

The Israeli elections last spring were seen in the Western press and among some Western politicians as confirmation that Israel is becoming less democratic, and more racist and chauvinistic.

This we are told is undermining Israel as a “Jewish and democratic state”. The New York Times reported: “To the left, Israeli democracy is on the defensive. To the ethnonationalist right, which succeeded last year in enshrining Israel’s self-definition as the nation-state of the Jews in a basic law, it is in need of an adjustment.”

The general celebratory line that Israel has been able to balance its two important ideals and core principles – namely, that it is “a Jewish and a democratic state” – has shifted recently with some now lamenting that this alleged balance has been offset by the country’s “recent” right-wing tilt.

Commitment to ethnic cleansing

The major fact that such a depiction deliberately ignores is that “democracy” in Israel was established for Israeli Jews after the Zionists expelled 90 percent of the Palestinian population when Israel was founded in 1948, making themselves a majority overnight in the ethnically cleansed country.

They opted for liberal democratic governance for the colonial Jewish majority, while instituting a legal apartheid system for the Palestinians they could not expel, including dozens of racist laws.

This commitment to ethnic cleansing and Jewish supremacist rule has been an ideological cornerstone of the Zionist movement since its inception.

Theodor Herzl, the father of Zionism, devised plans on what to do with the native Palestinians. In his 1896 foundational pamphlet The State of the Jews, he cautioned against any democratic commitments and advised that “an infiltration [of Jews into Palestine] is bound to end in disaster. It continues till the inevitable moment when the native population feels itself threatened, and forces the [existing] government to stop further influx of Jews. Immigration is consequently futile unless based on an assured supremacy.”

The Jewish colonists, Herzl wrote in his diary, should “try to spirit the penniless population across the border by procuring employment for it in the transit countries, while denying it any employment in our country …

“The removal of the poor must be carried out discreetly and circumspectly. Let the owners of immovable property believe that they are cheating us, selling us things for more than they are worth. But we are not going to sell them anything back.”

As Jewish colonies multiplied, so did the expulsion of Palestinians. Polish agronomist and colonist Chaim Kalvarisky, a manager of the Jewish Colonization Association, reported in 1920 that as someone who had been dispossessing Palestinians since the 1890s, “the question of the Arabs first appeared to me in all its seriousness immediately after the first purchase of land I made here. I had to dispossess the Arab residents of their land for the purpose of settling our brothers.”

Kalvarisky complained that the “doleful dirge” of those he was forcing out “did not stop ringing in my ears for a long time thereafter”.

Categorical opposition

Zionists’ fear of universal democracy, and their commitment to ethnic cleansing, was so strong that after the First World War, when the British – concerned with overextending themselves – wanted to ask the US to assume part of the responsibility for Palestine, they opposed it categorically.

The World Zionist Organization (WZO) objected vehemently to US involvement: “Democracy in America too commonly means majority rule without regards to diversity of types or stages of civilization or differences of quality … The numerical majority in Palestine today is Arab, not Jewish. Qualitatively, it is a simple fact that the Jews are now predominant in Palestine, and given proper conditions they will be predominant quantitatively also in a generation or two,” the WZO stated.

“But if the crude arithmetical conception of democracy were to be applied now or at some early stage in the future to Palestinian conditions, the majority that would rule would be the Arab majority, and the task of establishing and developing a great Jewish Palestine would be infinitely more difficult.”

Note that the WZO ignored the fact that Native Americans and African Americans, among others, were not included in the US version of “democracy”.

In the same year, Julius Kahn, a Jewish US Congressman, delivered a statement endorsed by around 300 Jewish personalities – both rabbis and laymen – to then-president Woodrow Wilson, whose administration supported Zionists.

The statement denounced Zionists for attempting to segregate Jews and reverse the historical trend towards emancipation, and objected to the creation of a distinctly Jewish state in Palestine as contrary “to the principles of democracy”.

‘Compulsory transfer’

Herzl’s foundational fear of democracy was adopted by his Zionist followers. On the right, the founder of Revisionist Zionism, Vladimir Jabotinsky, argued in 1923 against the Zionist Labor “left” who wanted to expel the Palestinian population through trickery, explaining that there was no escape from the violent formula that Jewish colonisation and expulsion of the Palestinians were one and the same process.

“Any native people … will not voluntarily allow, not only a new master, but even a new partner. And so it is for the Arabs,” Jabotinsky noted. “Compromisers in our midst attempt to convince us that the Arabs are some kind of fools who can be tricked … [and] who will abandon their birth right to Palestine for cultural and economic gains. I flatly reject this assessment of the Palestinian Arabs.”

In the 1920s and 1930s, Zionists strategised plans for the ethnic cleansing (what they termed “transfer”) of Palestinians. Concurring with Jabotinsky, David Ben-Gurion, the Labor Zionist leader of the colonial settlers, declared in June 1938: “I support compulsory transfer. I do not see anything immoral in it.”

His statement followed the policy adopted by the Jewish Agency, which set up its first “Population Transfer Committee” in November 1937 to strategise the forceful expulsion of the Palestinians. Two additional committees were established in 1941 and 1948.

Enemies of Palestinians

Chaim Weizmann, head of the WZO, entertained in 1941 plans to expel one million Palestinians to Iraq and replace them with five million Polish and other European Jewish colonists. He told his plans to the Soviet ambassador in London, Ivan Maisky, in hopes of obtaining Soviet support.

When Maisky expressed surprise, Weizmann replied with a racist argument, not unlike that used by fascists against European Jews in the same period: Palestinians’ “laziness and primitivism turn a flourishing garden into a desert. Give me the land occupied by a million Arabs, and I will easily settle five times that number of Jews on it.”

The so-called formula of a “Jewish and democratic state”, which so many of Israel’s apologists fear may now be in peril, was always based on an arithmetic of Jewish supremacy and ethnic cleansing – not unlike the white supremacist liberal democracies established after ethnic cleansing in the US, Canada, Australia and New Zealand.

But while the other settler colonies were able, after centuries of ethnic cleansing, to institute white demographic supremacy – although the current anti non-white-immigration policies in the US show how delicate this balance has become – Israel’s colonial Jewish population went back to being a minority facing a Palestinian native majority.

That majority continues to resist ethnic cleansing and Jewish supremacist rule, which Israel’s supporters and the enemies of Palestinians celebrate as “a Jewish and democratic state”.

تضامن أفريقيا ركيزة أساسية في الكفاح الفلسطيني

تضامن أفريقيا ركيزة أساسية في الكفاح الفلسطيني

د. موسى أبو مرزوق

عضو المكتب السياسي لحركة حماس

ترجمة خاصة – مجلس العلاقات الدولية – يعج هذا بالعام بالذكريات المؤلمة  المؤلمة للشعب الفلسطيني ، قبل مئة عام، أعلن آرثر بالفور – الذي ضرب ضربة استعمارية – فلسطين وطنا يهوديا، وبالتالي بدأ الهجوم الصهيوني الاستعماري في بلادنا.

كما أن هذا العام ال 70 من بداية النكبة، حيث سُرق 78٪ من وطننا وأجبر 000 600 منا على أن يصبحوا لاجئين – غرباء في وطننا، باحثين عن ملجأ في أماكن أخرى، بينما استولت على أرضنا قوات استيطانية .

ويصادف هذا العام أيضا 50 عاما منذ بدء النكبة الثانية ضدنا،وهي  احتلال إسرائيل عام 1967 لما تبقى من اراضي الوطن وهي 22٪ ، حيث تمارس إسرائيل السيطرة الكاملة على حياة الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والقدس.

هذا وهو أيضا الذكرى العاشرة لحصار إسرائيل على قطاع غزة وإغلاق حدودها وخلق أكبر سجن في الهواء الطلق في العالم، وإطلاق ثلاث حروب كانت في الغالب جوية على هذه الأرض .

وسنكمل قريبا 25 عاما منذ بداية اتفاقية أوسلو، وهي عملية فارغة الوفاض تدعي أنها تسعى لاقرارحق الفلسطينين في تقرير المصير ، ولكنها كانت في الواقع ذريعة لإسرائيل لإنشاء بانتوستنات (وهي محميات كانت لسكان جنوب أفريقيا وتعتبر من مظاهر التميز العنصري) فلسطينيين يتم السيطرة عليها من قبلهم. لم تكن أوسلو صفقة تقوم على توازن القوى وانما وطالبت بتسليم الجانب الأضعف.

هذه “المفاوضات” خدمت إسرائيل بشكل جيد، مما سمح لها بكسب الوقت لنفسها  بينما أقامت المزيد من االمستوطنات الاستعمارية على الأراضي الفلسطينية، حيث قامت بسرقة الأراضي لبناء المستوطنات والتي تعتبر انتهاك للقانون الدولي وقد قامت بإنشاء 700،000 مستعمرة في هذه المستوطنات غير المشروعة. وقد تعرض الفلسطينيون لنقاط التفتيش وسور الفصل العنصري الذي قسم الضفة الغربية إلى مئات الجزر المحاطة ببحر من السيطرة الإسرائيلية.

لقد تم تجريم المقاومة الفلسطينية للاحتلال العسكري الإسرائيلي، واستطاعت السلطة الفلسطينية الحفاظ على أمن الاحتلال الصهيوني من خلال التنسيق الأمني مع قوات الاحتلال الإسرائيلي.

على ماذا حصل الفلسطينيون خلال 25 سنة من المفاوضات؟ التأكيدات العامة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه لن تكون هناك دولة فلسطينية أبدا، وأن الفلسطينيين لن يمتلكوا الحق أبدا في تقرير المصير.

وقد اعترف وزير الخارجية الاميركي السابق جون كيري بان “الحكومة الاسرائيلية الحالية صرحت علناً انها ليست دولة فلسطينية”. وتحدثت الحكومة الإسرائيلية قائلة بإن اختيارها هو استمرار الاحتلال والفصل العنصري .

ويجب على العالم أن يستجيب لهذا القرار بعزلها ،كما قد قام العالم  سابقاً بالرد على الفصل العنصري في جنوب افريقيا بتطبيق العزلة، وقد استجابت العديد من الحركات الاجتماعية في جميع أنحاء أفريقيا لهذه الدعوة. لقد دأب المجتمع الديني والمدني والسياسي في جنوب أفريقيا على دعم النضال الفلسطيني.

ويؤيد مجلس الكنائس في جنوب أفريقيا ومجلس الكنائس المستقلة الأفريقية والكنيسة الكونغولية المتحدة للجنوب الأفريقي مقاطعة إسرائيل إلى أن تفكك نظام الفصل العنصري، كما ان جامعة كيب تاون ستبدأ قريبا في تنفيذ مقاطعة أكاديمية لإسرائيل.

وقبل أقل من شهرين، تم تأجيل القمة الأفريقية – الإسرائيلية، التي كان مقررا عقدها في توغو في تشرين الأول / أكتوبر، إلى أجل غير مسمى بعد تعبئة وحشد الكثيرين من جانب جماعات المجتمع المدني الأفريقية والفلسطينية وبعض الحكومات الأفريقية. وكان جنوب افريقيا من بين اول من يعلن المقاطعة. وتابعت المغرب ومصر وتونس والجزائر حذوها وضغطت على الدول الأخرى لفعل الشيء نفسه.

وتعتبر توصية المؤتمر الوطني الافريقي في مؤتمر السياسة الذي عقده في وقت سابق من هذا العام، حول خفض مستوى علاقات جنوب افريقيا مع الفصل العنصري الإسرائيلي، الخطوة التالية في الاستجابة الأفريقية ضد الاستعمار الإسرائيلي. وفي كانون الأول / ديسمبر، ستناقش لجنة المؤتمر الوطني الإفريقي تلك التوصية. وسوف تكون هذه الخطوة تقليداً للقرار الذى اتخذته دول عديدة فى السبعينات والثمانينات من القرن الماضى بتخفيض العلاقات مع الفصل العنصري في جنوب افريقيا.

إن اعتماد المؤتمر الوطني الأفريقي لهذا القرار سيشكل بداية مرحلة جديدة – على الصعيد العالمي – في النضال من أجل عزل الدولة الإسرائيلية العنصرية وتحرير الشعب الفلسطيني.

ومن الواضح أن أبناء جنوب افريقيا لم ينخدعوا بالخطاب الإسرائيلي بشأن الحوار والمفاوضات في الوقت الذي يواصل فيه انتهاك القانون الدولي وحقوق الملايين من الفلسطينيين وارتكاب جرائم حرب.

عندما كنت في جنوب أفريقيا قبل عامين، وكجزء من وفد قيادة حماس الذي استضافه المؤتمر الوطني الأفريقي، ذكرني نشطاء هناك بأن القوى الغربية رفضت في البداية دعم عمل اللجنة الخاصة لمناهضة الفصل العنصري التي أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1962 هذه الدول القوية، ومعظمها من المستعمرين السابقين وحلفائهم، قالوا إن مقاطعة الفصل العنصري ليست ضرورية؛ وفضلوا “المشاركة البناءة”.

وقد تركت إلى الجزائر وغانا وغينيا ونيجيريا والصومال وغيرها من بلدان الجنوب للضغط من أجل فرض عقوبات دولية.

والأن الشعب الفلسطيني  يتطلع إلى جنوب أفريقيا وأفريقيا للدعم في نضاله ضد الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري. ظلت حركات التحرير الأفريقية والفلسطينية تقف طويلا في التضامن المتبادل من أجل تقرير المصير، في حين أن إسرائيل تدعم باستمرار الأستعمار والقوى الاستعمارية الجديدة في القارة.

بعد قرن من وعد بلفورو بعد مرور 70 عاما على النكبة وبعد 50 عاما من الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس وغزة وعشر سنوات من الحصار اللاإنساني على غزة، نحن الفلسطينيون لا نزال هنا، مصممين كما كنا في أي وقت مضى لتحقيق حريتنا. إن تضامن أفريقيا هو ركيزة أساسية في كفاحنا.  و”المشاركة البناءة” ليس لها مكان في هذا التضامن، نحن نعتمد على حلفائنا الأفارقة لدعم مقاومتنا عن طريق عزل الفصل العنصري الإسرائيلي.

النفوذ الإسرائيلي في بريطانيا

النفوذ الإسرائيلي في بريطانيا

بريان كلاولي – (كاونتربنتش) 24/11/2017

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

في العام الماضي نشرت مجلة “فورين بوليسي” على موقعها الألكتروني مقالاً بعنوان “أفضل كونغرس تستطيع آيباك شراءه”، والذي أوضحت فيه أن لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية قادت تجمعاً موالياً لإسرائيل، “ربما يكون شبكة الضغط الأقوى والأفضل تنظيماً والأكثر فعالية في واشنطن العاصمة. وقد وزعت الشبكة الموالية لإسرائيل في دورة انتخابات 2015-2016 مُسبقاً نحو 4.255.136 دولار في شكل مساهمات”. ثم في آب (أغسطس) 2017، ذهب موقع “غلوبال ريسيرتش” أبعد وأعمق، فقال أن منظمة “آيباك” (سابقاً “اللجنة الأميركية الصهيونية”) تتمتع بقوة عالية ومتعددة التمويل والأوجه، وهي مجموعة ضغط سياسي تعمل بشكل حصري لصالح ستة ملايين إسرائيلي، وليس لرفاه وفائدة 320 مليون أميركي. وهي لا تؤثر على التشريع الأميركي فقط، وإنما تجمع مبالغ ضخمة من الأموال من أجل ضمان أن يشغل مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين أعضاء يدعمون الأجندة السياسية والاقتصادية لـ”آيباك” كأولوية تتجاوز الولايات المتحدة الأميركية في الأهمية”.

لا يمكن أن يكون هناك ما هو أوضح مما تقدم للدلالة على أن بلداً أجنبياً يتدخل بشكل درامي في حكومة الولايات المتحدة. لكن الأمور لا تقف عند ذلك الحد. لأنها حتى بريطانيا التي تعصف بها الأزمات، تتلقى هي الأخرى الاهتمام الزاحف لناشطي إسرائيل.

تعيش حكومة المملكة المتحدة في حالة فوضى، لأنها تفتقر إلى السلطة بشكل رئيسي نتيجة لانتخابات تلقى فيها حزب المحافظين الحاكم صفعة شديدة غير متوقعة في كبريائه وشعبيته. ومنذ ذلك الحين، ما يزال تردده وعدم كفايته يواجهان المزيد من التعقيدات، والتي تضمنت آخرها الاستقالات لوزيرين من أعضاء المجلس الوزاري، أحدهما لتورطه في تحرش جنسي، والأحدث، استقالة وزيرة المساعدات الخارجية، السيدة بريتي باتيل، لأنها كذبت على رئيسة الوزراء فيما يتعلق بزيارة قامت بها إلى إسرائيل.

اعترفت السيدة باتيل بأن تصرفاتها “كانت دون المعايير العالية المتوقعة من وزيرة دولة”، وهو ما حدث في حالتها بالتأكيد، لأنها كذبت؛ لكن مغامراتها منخفضة المعيار شملت فيما يبدو مجموعة من السلوكات المخادعة. وقيل إنها ذهبت في شهر آب (أغسطس) في “رحلة سرية إلى إسرائيل برفقة ناشط في حملات الضغط، وعقدت خلالها 12 اجتماعاً، بما فيها واحد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من دون إطلاع أي من (رئيسة الحكومة) ماي، أو وزير الخارجية، بوريس جونسون”. ومن الغريب أنها تصورت أن أجهزة المخابرات البريطانية لن تقوم بالإبلاغ عن تحركاتها واجتماعاتها في الإيجاز اليومي، لكن هذا لم يوقفها عن القول لصحيفة الغارديان أن “بوريس كان يعرف عن الزيارة. الفكرة أن وزارة الخارجية لم تعرف عن الزيارة، لكن بوريس عرف عن (زيارة إسرائيل). لم يعد الأمر مهماً، ليس مهما على الإطلاق. لقد ذهبت إلى هناك ودفعت الثمن وانتهى الأمر. إنه شيء غريب تماماً. يجب على وزارة الخارجية أن تتقدم هي وتشرح موقفها”.

ولكن لم تكن لوزارة الخارجية التي عليها شرح الأمور، لأن هذه كانت خديعة قذرة أخرى من سياسية صغيرة وضيعة –مهما كان السبب الذي تحاول أن تخفي من أجله دوافعها. لقد كان تأكيدها: “لقد ذهبت في عطلة وقابلت أناساً ومنظمات… الأمر لا يتعلق بمن قابلت أيضاً، لدي أصدقاء هناك”، كان غير صحيح، وقد اكتشفت وسائل الإعلام كمية كاملة من الخداع.

لم يقتصر الأمر على أنها عقدت دزينة من الاجتماعات مع “أصدقاء” في إسرائيل، لكن السيدة باتيل، كما كشفت صحيفة “ذا صن” يوم 7 أيلول (سبتمبر) “عقدت اجتماعاً مع وزير الأمن العام الإسرائيلي جيلعاد إيردان، لإجراء مباحثات في مجلس العموم. ثم، اجتمعت يوم 18 أيلول (سبتمبر) مع يوفال روتم، المسؤول الرفيع في وزارة الخارجية الإسرائيلية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. ولم تكشف السيدة باتيل النقاب عما جرى بحثه خلال تلك الاجتماعات. وكانت قد التقت بكلا الرجلين في تل أبيب في آب (أغسطس)…”.

كان قد رافقها في عطلتها الشرق أوسطية وسيط نفوذ إسرائيلي، هو اللورد بولاك، الذي حضر كل اجتماعاتها مع أفضل وألمع الشخصيات الإسرائيلية، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وسافر معها بولاك إلى نيويورك حيث سددت مؤسسة الاستشارات الإسرائيلية “إشرا” التي “تقدم طائفة واسعة من الخدمات للزبائن ثمن تذكرة سفره. كما كان بولاك حاضراً الاجتماع عندما أجرت مباحثات لم يكشف النقاب عنها مع وزير الأمن العام الإسرائيلي في مجلس العموم قبل توجهها إلى نيويورك.

لم يترتب على اللورد بولاك السير مسافة طويلة للوصول إلى مجلس العموم لأنه عضو في مجلس اللوردات المجاور، المجلس الأعلى غير المنتخب في بريطانيا، الذي يشكل صورة زائفة عن العدالة والديمقراطية. ويجعل مجلس اللوردات موضع سخرية من المساواة الاجتماعية، والكثير من أعضائه مانحون كرماء للأحزاب السياسية أو للساسة الفاشلين الذين “يتم ركلهم إلى أعلى السلم” ليحتلوا مناصب استرخائية كنوع من التعويض عن أعوام من التملق السياسي. ويضم مجلس اللوردات 800 عضو، مما يجعله ثاني أكبر مجلس تشريعي في العالم بعد المؤتمر الشعبي في الصين (مع الأخذ بعين الاعتبار أن عدد سكان الصين يبلغ 1.3 مليار نسمة، وأن عدد سكان بريطانيا 65 مليون نسمة).

إن مجلس اللوردات هو، باختصار، عارٌ ومهزلة. لكنه ما يزال يتوافر على الكثير من النفوذ لأنه يوجد الكثير من الأموال التي تُسكب حوله، وثمة أشخاص وأحزاب سياسية تسيطر على هذا المال –مثل مجموعة “أصدقاء إسرائيل المحافظون”، وهي منظمة تذكر صحيفة “فايننشال تايمز” أنها “تضم ما يقدر بنحو 80 في المائة من نواب البرلمان المحافظين كأعضاء فيها”. كما أنه ليست من قبيل المصادفة أن لورد بولاك “أمضى ربع قرن كرئيس للمجموعة المذكورة… وترك المنصب في العام 2015 لينضم إلى مجلس اللوردات، لكنه ظل مع ذلك رئيساً فخرياً لها”.

منظمة أصدقاء إسرائيل المحافظة هي مجموعة ثرية، وذكرت الفايننشال تايمز أنها “منحت مبلغ 377.994 جنيه استرليني (495.000 دولار) لحزب المحافظين منذ العام 2004، غالباً على شكل رحلات مدفوعة الكلفة بالكامل إلى إسرائيل لأعضاء من البرلمان”. ولا يقتصر الأمر على ذلك وحسب، بل إنها تقدم هبات شخصية ضخمة للأعضاء المحافظين في البرلمان -هل يتخيل أي أحد للحظة أن أي سياسي مفضل على هذا النحو سيقول كلمة واحدة ضد إسرائيل في أي منتدى وفي أي سياق؟ لقد تم شراؤهم.

 يشمل كرم جيب مجموعة أصدقاء إسرائيل المحافظين العميق إقامة عشاء سنوي في لندن، والذي أشارت رئيسة الوزراء البريطانية خلاله في العام الماضي إلى اللورد بولاك على أنه “ستيوارت بولاك الواحد والوحيد”، لكنها لاحظت وجود أكثر من 200 من أعضاء المجلس التشريعي هناك، وأعلنت أنها “سعيدة جداً لأن أصدقاء إسرائيل المحافظين أخذوا مُسبقاً 34 من أصل 74 نائباً محافظاً منتخباً لزيارة إسرائيل في العام 2015”.

يشكل المال الملمح الأكثر أهمية في العلاقات بين المملكة المتحدة وإسرائيل. وكانت تيريزا ماي مغتبطة بـ”صفقة بلدينا الأكبر على الإطلاق، والتي تتجاوز قيمتها مليار جنيه استرليني، حيث قررت شركة الطيران الإسرائيلية -العال- استخدام محركات رولز رويس في طائرتها الجديدة”. وهكذا، كل شيء يتعلق بالمال، وتستطيع إسرائيل التي تتسلم محيطات من السيولة من الولايات المتحدة إنفاقها بتبذير حيثما تريد.

في العام الماضي، أعلن أن الولايات المتحدة سوف “تمنح إسرائيل 38 مليار دولار في شكل مساعدات عسكرية خلال العقد المقبل، وهي أكبر حزمة مساعدات في التاريخ الأميركي، بموجب اتفاقية مشهودة وقعت يوم 14 أيلول (سبتمبر)، والتي اشتملت على تقديم 3.3 مليار دولار تحت بند “تمويل عسكري أجنبي”.

لا تستطيع بريطانيا منح إسرائيل أي مال، نظراً لأنها تمر في وضع مالي بائس، لكنها تحاول التعويض عن الافتقار إلى السيولة من خلال تزويدها بدعم سياسي غير مشروط. ولا يهم حكومة بريطانيا أن إسرائيل انتهكت حوالي 100 قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومعظمها يطالبها بالانسحاب من الاراضي العربية التي احتلتها بشكل غير قانوني. فلا تتوقعوا من المملكة المتحدة أن تنتقد الإقطاعية الإسرائيلية.

ليس مهرجان الحب بين حزب المحافظين البريطاني ودولة إسرائيل شأناً غير صحي فحسب، وإنما شخصي بطريقة مريبة. وليس من الغريب أن تكون الحكومة البريطانية قد بذلت قصارى جهودها لكنس قصة باتيل تحت السجادة وأبقت على مخادعات اللورد بولاك هادئة جداً في الحقيقة.

يرأس اللورد بولاك مجلس إدارة المجلس الاستشاري لشركة “تي. دبليو. سي”، وهي مؤسسة متخصصة في تطوير الاستراتيجيات السياسية، والتي تضم بين عملائها شركات دفاع إسرائيلية، بما فيها “ألبايت سيستمز” المتخصصة في ألكترونيات الدفاع.

في العام 2012، كشف النقاب عن أن “تي. دبليو. سي” و”ألبايت سيستمز” كانتا متورطتين في فضيحة “جنرالات للإيجار” المرعبة البريطانية، عندما قال رئيس “ألبايت” في المملكة المتحدة لمراسلين سريين لصحيفة “صنداي تايمز” أن “تي. دبليو. سي” تستطيع الوصول إلى الحكومة “من رئيسة الحكومة فما دون”. وفي تلك الحادثة المستفزة بشكل خاص من الفساد، تفاخر الجنرال البريطاني المتقاعد ريتشارد أبلغيت الذي كان في حينه رئيساً لـ”تي دبليو سي” بأن مؤسسته تتمتع بنفوذ كبير من خلال صلاتها مع مجموعة أصدقاء إسرائيل المحافظين. وأعلن: “لدينا شيء نفعله وأرجوكم لا تنشروا الخبر- مع مجموعة أصدقاء إسرائيل المحافظين… سنصنع سلسلة من العمليات السرية ونستخدم مستشارين لكسب الوصول إلى صانعي القرار الخاصين” -تماماً مثلما كانت السيدة باتيل تفعل في تل أبيب ولندن ونيويورك مع الإرشاد المخفي، وإنما المتمتع بالنفوذ، لبولاك الماكر.

ثمة الكثير من الأشياء الخطأ في الممملكة المتحدة في هذا الوقت، لكن الفضيحة الإسرائيلية هي من أكثر الأمور التي يكشف النقاب عنها قذارة حتى الآن في فترة الإدارة الحالية. وتتمنى رئيسة الوزراء بشكل يائس إخفاء ارتباط حكومتها الوثيق مع إسرائيل، وهي تحقق نجاحاً من خلال إبعاد اهتمام الإعلام بعيداً عن مكائد اللوبي الإسرائيلي واختيار أهداف أخرى. وكان هجومها على روسيا بكلام لاذع غرائبي في حفل في لندن يوم 13 تشرين الثاني (نوفمبر) مؤشرا لحالة الذعر التي تعيشها، لكن ذلك تمكن من احتواء العناوين الرئيسية بينما تضاءلت دراما الفضيحة القذرة وذهبت إلى الحديقة الخلفية.

بكلمات رئيسة الوزراء تيريزا ماي يوم 2 تشرين الثاني (نوفمبر)، تماماً مع تكشف فضيحة باتيل: “نحن فخورون بوقوفنا اليوم هنا سوية مع رئيس الوزراء نتنياهو، ونعلن دعمنا لإسرائيل. نحن فخورون بالعلاقة التي بنيناها مع إسرائيل”.

لن يعرف الجمهور البريطاني ما الذي كان كل من باتيل وبولاك وكل وسطاء النفوذ الآخرين يعملون على تحقيقه، أو ما هي السخافات العقيمة التي سيفعلونها في المستقبل، لكننا نستطيع أن نكون متأكدين من أن التحالف البريطاني-الإسرائيلي سيستمر في الازدهار. للولايات المتحدة” أفضل كونغرس تستطيع آيباك شراءه”، وها هم مشرعو بريطانيا يقفون هناك مع زملائهم عبر الأطلسي. إنهم بلا أي وازع ولا خجل، وإنما يبدو أنهم يتوافرون على الكثير من السيولة النقدية.

*نشر هذا المقال تحت عنوان:

The Influence of Israel on Britain

 

ظل بلفور

تأليف:  ديفيد كرونين  عرض وترجمة: نضال إبراهيم

لمناسبة مئوية إعلان بلفور المشؤوم والكارثي من قبل الخارجية البريطانية، الذي مهد لإقامة كيان غير شرعي اسمه «إسرائيل» على أرض فلسطين، يتناول الكاتب ديفيد كرونين في هذا الكتاب المواقف البريطانية الداعمة للصهاينة ول«إسرائيل»، مبيناً أنها مليئة بتاريخ من جرائم الحرب وممارسة الفصل العنصري. واعتمد فيما يطرحه على اليوميات الشخصية للسياسيين والسجلات الرسمية من ملفات الحرب والخارجية والكومنولث. يعد هذا العمل موجزاً للدراسات الشرق أوسطية الخاصة بالصهيونية، ودليلاً عاماً على السياسة البريطانية تجاه «إسرائيل».

كتب وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور في الثاني من نوفمبر سنة 1917 رسالة، سميت فيما بعد بإعلان بلفور، كان نصها: «عزيزي اللورد روتشيلد: يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته: إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذا الهدف، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر». وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح».

نشر هذا الإعلان المشؤوم قبل مئة سنة، معلناً بداية الصراع مع الشعب الفلسطيني واقتلاعه من أرضه التاريخية. في الحقيقة، كان لهذه الكلمات في عام 1917، التي كتبها وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور، تأثير هائل في التاريخ الفلسطيني والعربي والشرق أوسطي الذي لا يزال تأثيره الكارثي جلياً بعد قرن من الزمان.

في هذا العمل بعنوانه الأصلي (ظل بلفور: قرن من الدعم البريطاني للصهيونية و«إسرائيل» الصادر عن دار «بلوتو بوكس» للنشر في 2017 ضمن 220 صفحة من القطع المتوسط)، يتتبع المؤلف ديفيد كرونين في عموم عمله قصة المساعدة الكلامية والعملية التي قدمتها بريطانيا للحركة الصهيونية و«دولة إسرائيل» منذ ذلك اليوم. ولجأ في مناقشاته إلى المصادر والأرشيفات التي لم يتم الاطلاع عليها سابقاً للكشف عن جانب جديد لقصة قديمة، لا تزال الدماء تراق لأجلها، والحرمات تنتهك بسببها.

ويركز كرونين على أحداث تاريخية مهمة مثل الثورة العربية، والنكبة، وإقامة الدولة «الإسرائيلية»، وعدواني «56» و«67»، والحرب الباردة، وشخصيات سياسية عامة مثيرة للجدل مثل توني بلير.

يأتي الكتاب بعد المقدمة في تسعة أقسام هي: 1) وضع الأسس. 2) جلب السود والسمر. 3) يجب علينا إطلاق النار للقتل. 4) زرع بذور التطهير العرقي. 5) تسليح «إسرائيل» (1953-1956). 6) تسليح «إسرائيل» (1957-1979). 7) تهميش منظمة التحرير الفلسطينية. 8) الملازم المخلص. 9) شركاء في الجريمة. وينتهي الكتاب بتذييل تحت عنوان: «أكبر صديق لإسرائيل»

بؤرة استعمارية

إن إعلان بلفور، الذي قبله الكثيرون حالياً بوصفه البيان القانوني المؤسس لإقامة»إسرائيل»، ليس في الحقيقة مجرد رسالة، بل كان رسالة سياسية رسمية بين الموظفين الحكوميين، وأصبحت جزءاً رئيسياً من السياسة الخارجية البريطانية بعد ذلك، واستمرت تأثيراتها الإجرامية على نحو فعال إلى حد الآن. يحاول الكاتب في الفصول الثلاثة الأولى رصد المخطط المكتوب بشكل جيد لتاريخ الأحداث بعد الرسالة، من التأثيرات الفورية على المدى القصير في السياسة البريطانية بعد الحرب العالمية الأولى، ثم السياسات متوسطة المدى التي استمرت حتى بعد الحرب العالمية الثانية؛ بما يتفق مع سياسة بريطانيا الحالية المتمثلة في الدفاع عن»إسرائيل»والتعامل معها كحليف استراتيجي.

يشير المؤلف إلى أن السياسة الخارجية البريطانية في مسألة «إسرائيل»، لم تكترث لنزعات واتجاهات ومواقف السياسيين البريطانيين، فالعديد منهم كان يعرف بمعاداته للسامية وعلى رأسهم بلفور نفسه، لكنه مع ذلك قدم الدعم للصهاينة من أجل إنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين. ويتطرق إلى جملة من العوامل التي شجعت بريطانيا على الدعم، وليس فقط مسألة أن الشعب البريطاني كان معادياً للسامية جداً، وأن العديد من أصحاب القرار البريطانيين شعروا أن اليهود لا يمكن تذويبهم واستيعابهم أبداً في مجتمعهم، بالتالي من الأفضل دعمهم في وطنهم الجديد.

لم يكن ذلك السبب المباشر، كما يقول الكاتب، فقد كانت هناك عوامل أخرى عديدة دخلت حيز التنفيذ، فقد اعتبرت بريطانيا أن الدعم اليهودي في المجهود الحربي ضروري، إذ أراد البريطانيون حماية قناة السويس كطريق رئيسي إلى مستعمراتها في جنوب آسيا، وخاصة الهند، والموارد الطبيعية، والنفط، الذي أصبح يشكل مصلحة حيوية بعد اكتشافه ووجوده بوفرة في الشرق الأوسط.

ويشير الكاتب إلى أن بريطانيا كانت تعتقد أن وجود بؤرة استعمارية في منطقة مهمة مثل الشرق الأوسط تساعد على توطيد سيطرتها على المنطقة ضد النزعات القومية العربية في عصر انتشرت فيه العنصرية البريطانية في جميع أنحاء شبكاتها الاستعمارية.

يسلط كرونين في الفصل الرابع والخامس والسادس الضوء على العوامل الرئيسية في العلاقة بين الصهاينة واليهود والحكومة البريطانية. وهو يتناول على وجه التحديد الأحداث المتعلقة بالحكومة، من دون أن يتناول بالتفصيل كل ما حدث في فلسطين خلال الانتداب البريطاني. ولكن يضع في المتناول معلومات مفيدة لمن لهم خلفية كبيرة في التاريخ، وأيضاً لأولئك الذين يحاولون القيام بدراسة واكتشاف تاريخ الشرق الأوسط.

بشكل عام، يكشف كرونين أن الأساليب التي استخدمها البريطانيون للسيطرة على السكان الأصليين في فلسطين وضعت الأسس لقيام الصهاينة بتنفيذ تطهير العرقي وقمع الشعب الفلسطيني في وقت لاحق. وهناك الكثير من الكتابات التاريخية والحديثة عن دور عصابات ومنظمات مثل الهاجاناه وستيرن وإرغون ضد البريطانيين، ولكن الاتجاه العام للسلوك البريطاني كان دعم أنماط الاستيطان المتزايدة وعمليات الإخلاء والاستيلاء على الأراضي لصالح المستوطنين الصهاينة.

دعم عسكري مستمر

بعد النكبة، واصلت بريطانيا تزويد «إسرائيل» بدعم عسكري يتراوح بين مئات الدبابات، والعديد من الطائرات، بما في ذلك أنظمة خطرة، أبرزها الماء الثقيل الذي يستخدم في المفاعلات النووية، وتمت صفقة البيع عبر مملكة النرويج. وكانت تلك الفترة تشهد انتقال القوة من الإمبراطورية العالمية البريطانية إلى القوة الأمريكية العالمية، فبعد حرب السويس وعدوان عام 1967، كانت الولايات المتحدة قد اتخذت بشكل واضح زمام المبادرة في دعم «إسرائيل»، لكن بريطانيا لم تتخل عن دعمها لها، كما يذكر المؤلف.

ويضيف الكاتب أنه في الواقع، أصبحت بريطانيا واحدة من أقوى الأصوات دعماً ل«إسرائيل»، إذ استمرت التجارة العسكرية والمصالح المالية بينهما من وراء الكواليس في الغالب. ويقدم معلومات إضافية تبين كيف عمل البريطانيون على تهميش منظمة التحرير الفلسطينية التي ترأسها الزعيم الراحل ياسر عرفات، ما أسفر عن الوعود الكاذبة لاتفاقات أوسلو واستمرار ضم أراضي الفلسطينيين واستيطانها ونهبها.

بالنسبة للأحداث المعاصرة، يسلط كرونين الضوء على الدور الغريب الذي قام به رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير، ففي فترة رئاسته للحكومة البريطانية كان بلير – كما يصفه – «ملازماً (رتبة عسكرية) مخلصاً»- يناقشه في الفصل قبل الأخير – بشكل فعلي للولايات المتحدة، متبنياً السياسة الأمريكية ودعمها ل«إسرائيل» وسياساتها حيال الشرق الأوسط بشكل عام.

شركاء في الجريمة

يتطرق الكاتب في الفصل الأخير تحت عنوان «شركاء في الجريمة» إلى الأحداث الجارية، محدداً العلاقات التجارية العسكرية عبر الشركات في بريطانيا و«إسرائيل» والولايات المتحدة، ومشيراً إلى أن معظم مصالح الشركات هي المشتريات العسكرية التي تذهب إلى كلا الاتجاهين – الأجهزة إلى «إسرائيل» وبرامج التجسس والأمن إلى بريطانيا. وكما هي الحال دائماً، غيرت هذه الشركات (فيرانتي، أفينيتي، إلبيت، رافائيل، روكار، لوكهيد مارتن) وجهات النظر البريطانية – أقلّه على صعيد النخب – من الدعم المؤقت والمتردد إلى التضامن. كما ساعدت هذه العلاقات الودية على ربط «إسرائيل» بالاتحاد الأوروبي بقوة أكبر.

واليوم، تبقى السياسة البريطانية الرسمية مؤيدة بشكل متحمس ل«إسرائيل»، مع فخرها الدائم بتأسيس «إسرائيل»، ويؤكد الكاتب ديفيد كرونين أن التراث الاستعماري البريطاني لا يزال قائماً بقوة في الشرق الأوسط، ومما يقوله «الأدوار، في بعض الجوانب، قد تغيرت. فقبل 50 عاماً، زودت بريطانيا«إسرائيل» بالدبابات التي اعتمدت عليها في حرب الأيام الستة في 1967. أما اليوم، تصمم «إسرائيل» طائرات من دون طيار، تعتبر رسمياً ذات أهمية كبير لمنظومة الدفاع البريطانية في المستقبل. مع ذلك، الأمر ليس ببساطة حالة بائع بالتجزئة يتحول إلى زبون. فاحتلال الضفة الغربية وغزة، والذي بدأ في 1967، تم التعامل معه كفرصة تجارية من قبل «إسرائيل». إذ إن الأسلحة ومعدات المراقبة التي كانت «إسرائيل» تصدّرها إلى كافة أنحاء العالم كانت تجربها على ضحايا الأراضي الفلسطينية المحتلة. من خلال توريد المعدات المستخدمة في الغزو الأولي لهذه الأراضي، بريطانيا ساعدت المشروع الاستيطاني الصهيوني على الدخول إلى مرحلة جديدة».

نشاط استيطاني أسرع

يشير الكاتب في الفصل الأخير إلى أن كبار المسؤولين والوزراء البريطانيين مبتهجون بدعم دولتهم ل«إسرائيل» والصهيونية في كافة المراحل. ويستعرضون بفخر كيف أن بريطانيا وضعت أسس الدولة «الإسرائيلية»، على الرغم من أن عمل البناء البغيض تم على حساب الفلسطينيين.

كما يتوقف عند المشروع الاستيطاني والموقف الأمريكي منه متسائلاً: «هل إرث آرثر جيمس بلفور يهم في عصر دونالد ترامب؟ الجواب الموجز هو نعم. فالنشاطات الاستيطانية «الإسرائيلية» كانت واحدة من المواضيع الساخنة في الأسابيع القليلة الأولى من رئاسة ترامب. ويوضح توسع تلك المستوطنات كيف أن المشروع الاستعماري الذي أشاد به بلفور في 1917 لم يتوقف حتى الآن. مع ترامب والوفد المرافق له من اليمين الذي يدير البيت الأبيض الآن، هناك احتمال كبير أن المشروع سيمضي بخطى أسرع».

ويضيف أن «بلفور لم يستطع رؤية كل نتائج المشروع. فقد مات في عام 1930، أي قبل 18 سنة من وجود «إسرائيل». لكنه هو وأصدقاؤه كانوا يعرفون ويدركون حجم المخاطر التي سيخلفها تأسيس وطن قومي لليهود من ناحية حرمان الفلسطينيين من أبسط حقوقهم، بغض النظر عن المحاذير التي ذكرها في إعلانه».

ويرى أن السياسيين والدبلوماسيين من أعلى المناصب في «إسرائيل» يقومون باستثمار الكثير من طاقتهم في خدمة إبقاء العلاقات قوية مع بريطانيا. إنهم يقومون بذلك توقعاً منهم أن نظراءهم البريطانيين سوف يتقبلونهم برحابة صدر، مشيراً إلى أنه لا يزال العديد من الصهاينة في القرن الواحد والعشرين يتوقون إلى الاحترام والتقدير عبر نيل القبول من اللاعبين الكبار في السياسة العالمية، ومؤكداً أن بلفور لا يزال يلقي بظله الطويل جداً على المشهد الفلسطيني- «الإسرائيلي» والدولي.

نبذة عن الكاتب

ديفيد كرونين صحفي إيرلندي متخصص في السياسة الأوروبية، وناشط سياسي يقيم في مدينة بروكسل. يعمل كمراسل ل«وكالة أنباء إنتر برس». ينشر باستمرار في الصحف البارزة في الولايات المتحدة وبريطانيا، وكذلك في المجلات السياسية المتخصصة، كما أن له عدداً من المؤلفات من بينها «التحالف الأوروبي الإسرائيلي»، وقد تم عرضه على ثلاث حلقات في جريدة الخليج، و«الشركات الأوروبية: كيف تؤثر الأعمال التجارية الكبيرة في سياسات الغذاء والمناخ والحرب».

المسؤولون البريطانيون يشعرون بالفخر لأنهم أسسوا «إسرائيل»

نقلا عن: الخليج