ترامب: أريد من “إسرائيل” أن تتصرف بـ”عقلانية” لتحقيق السلام
كتب بوعز بسموت في صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية:
لقد سافرت بالطائرة مرات كثيرة في حياتي إلى مدن كثيرة. ولكن الرحلة 217 على متن «بريتش إيرويز» من لندن إلى واشنطن يوم الخميس لن أنساها في حياتي، خصوصاً الهبوط الذي بدا مثل أيّ هبوط. فقد كنت مرتاحاً وعجلات الطائرة لامست أرض المطار الدولي في دالاس الذي يبعد 45 دقيقة عن العاصمة واشنطن، أنا أبحث في الهاتف الذكي عن الالتقاط. في وقت كانت الطائرة تتوقف، شاهدت الرسائل الدراماتيكية التي أرسلت لي أثناء الرحلة: البيت الأبيض قام بإبلاغي أن لقائي مع رئيس الولايات المتحدة سيكون في الساعة الرابعة والنصف، والساعة في حينه كانت الثانية وخمسون دقيقة. يمكنكم تخيّل الضغط الذي قد يصيبكم عندما تدركون أنه يمكن تفويت لقاء مع رئيس العالم الحرّ، ضاعفوا هذا الامر مئة مرة، وستدركون الضغط الذي شعرت به.
توجهت إلى المضيفة وطلبت منها أن أكون أول من يخرج من الطائرة لأن رئيس الولايات المتحدة بانتظاري. وبعد أن قالت لي بمزاح إن إليزابيث ملكة بريطانيا بانتظارها، سمح لي طاقم الطائرة بالخروج أولاً.
ما هو سبب الزيارة؟ البيت الأبيض
الموظف الذي يفحص حوازات السفر، فوجئ وسألني عن سبب الزيارة. «لديّ لقاء مع رئيس الولايات المتحدة بعد ساعة وربع». ولحسن الحظ تفهم الامر، أو اعتقد أن من يقف أمامه لم يستيقظ بعد من الرحلة أو أنه يمزح معه. وفي جميع الحالات كنت محظوظاً لأن الشخص اعتبر أنني غريب أو أنني أمزح. موظف آخر كان يمكنه الاعتقاد أن المسافر الذي يقف أمامه والذي جاء من الشرق الاوسط عن طريق لندن، يريد إلحاق الأذى بالرئيس. في الولايات المتحدة هذه مخالفة فدرالية شديدة قد أن توصلني إلى التحقيق. كيف ستشرح لهم أنك ستلتقي مع الرئيس وأنك لم تسقط على رأسك. في جميع الاحوال، خرجت بسبب الموظف من قسم فحص الجوازات، وخلال دقائق كنت في السيارة التي كانت بانتظاري وأقلّتني إلى جادة بنسلفانيا 1600.
لقد كنت منفعلاً جداً.
بعد الفحص الأمني السريع رافقتني ضابطة صحافة محببة من أجل انتظار موعد المقابلة في «ويست وينغ لوبي».
«كيف حالك، يا بوعز؟»، كان هذا صوت المتحدّث بلسان السفارة بالعبرية، الذي جاء للإعداد لزيارة رئيس الحكومة، مع نظيره من قسم الاعلام. ما الذي تفعله هنا، سألني. وأجبت «أنا ايضاً لي لقاء مع أحد الموظفين». كان لدونالد ترامب يوم حافل مثل باقي الايام. بدأه بتغريدات في «تويتر» حول مرسومه الرئاسي وأنهاه بمحادثة هامة مع رئيس الصين، إضافة إلى التغريدات الحربجية. ورغم البرنامج الحافل وافق على استضافتي في المكتب البيضوي.
لا تنقص ترامب اللقاءات في هذه الايام: بعد زيارة ملك الاردن عبد الله بعشرة ايام وصل لزيارته صديقه رئيس حكومة اليابان شنزو آبي. وقريباً سيصل إلى واشنطن صديق آخر لترامب هو رئيس حكومة «إسرائيل» بنيامين نتنياهو. هذا على رغم أنه لم يمر شهر على وجود ترامب في المنصب.
شعرت وأنا في الطريق للقاء ترامب بأنني ذاهب لإغلاق الدائرة: منذ اللقاء الاول في لاس فيغاس في كانون الاول 2015، حيث كان حسب ما جاء في وسائل الاعلام «مرشح من دون فرصة»، حدثت امور كثيرة، بما في ذلك حملة متقدة تعرض فيها للهجوم من جميع الاتجاهات، لكنه أثبت للجميع صعوبة الهجوم على ماركة. الجميع هاجمه هو وزوجته، لكنهم نسوا التحدث مع الشعب. وهو نفسه هاجم خصومه لكنه لم ينس التحدث مع الشعب بلغة الشعب.
«هذا هو الصحافي الذي كان نزيها معي وقال لي إنني سأفوز»، هذا ما قاله ترامب لمستشاريه. وعندما دخلت إلى مقر قيادة العالم شعرت بأنني أغلق اليوم الدائرة في الغرفة البيضوية.
«تعال، هيا لنُجرِ المقابلة هنا»، ترامب طلب مني الاقتراب من طاولته كي أشعر بالراحة. «كيف حالك»، سألني بشكل مؤدّب ومريح. وأجبته على الفور أننا قد التقينا بضع مرات، لكن الامر هذه المرة مختلف. كان عدد من الوثائق على الطاولة، وهو تحدث بشكل بطيء وهادئ.
هذه هي المرة الاولى التي نلتقي فيها وأنت رئيس. أليس هذا تغييراً كبيراً؟
«هذا بالفعل تغيير. دائماً كنت نزيها معي، لذلك أنا أجري هذه المقابلة معك. دائماً كنت نزيهاً وكانت إسرائيل هامة بالنسبة إليّ، وأنت تمثّل الكثير مما يحدث في إسرائيل، وهذا احترام كبير بالنسبة إليّ».
كيف تشعر بكونك الشخص الأهم في العالم؟
«لا أفكر في الامر بهذا الشكل، بل أفكر بالمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقي. هناك مشكلات كثيرة في العالم وأنا آمل أن ننجح في حلها. نحن نتقدم بشكل ملحوظ، لكن هناك مشكلات صعبة، ليس فقط الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين. فهناك صراعات في كل العالم».
لقد قمت بمتابعة حملتك الانتخابية وكنتُ من بين القلائل الذين اعتقدوا أنك ستفوز. شاهدتك ليلة الفوز. ما أوّل شيء فعلته عندما أدركت بأنك فزت؟
«كان ذلك مساء رائعاً. لم أكن متفاجئاً لأنني رأيت الجمهور الكبير الذي استقبلني اثناء الحملة الانتخابية. كان الانتصار رائعاً، وهذا يعتبر حدثاً له شعبية. بعد الانتخابات بيوم تلقيت الكثير من المكالمات من الزعماء: الصين، روسيا ودول كثيرة، وكذلك من رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو».
كيف ستبدو أميركا بعد أربع أو ثماني سنوات؟
«آمل أن يكون العالم أكثر استقراراً وغير منقسم كما هو الآن. آمل أن يكون السلام أكبر. الآن هناك غضب كبير في أرجاء العالم».
هل تأمل أن يكون استقرار أكبر في الشرق الاوسط؟
«نعم، هذه المنطقة هي الاكثر انقساماً ودماراً منذ خمس سنوات».
بين سؤال وآخر، كان ترامب يفحص الأوراق أمامه، وكان ستيفن ميلر يجلس معنا، وهو المستشار اليهودي الرفيع للرئيس. وفي هذه الايام يساعد ميلر الرئيس في موضوع مرسوم منع دخول مواطني الدول السبع. وكان من بين من صاغوا هذا المرسوم من وراء الكواليس. وأثناء إجراء المقابلة مع الرئيس جلس وسجل النقاط.
تحدثنا عن علاقتك مع «إسرائيل» ونيّتك أن تكون صديقا لها. ما هي خطتك لتحسين العلاقة بين الدولتين بعد ثماني سنوات من إدارة أوباما؟
«علاقتنا ستكون أفضل، بحسب رأيي. كان الاتفاق مع إيران كارثياً بالنسبة إلى إسرائيل، لا يمكن استيعابه سواء من ناحية المفاوضات أو من ناحية التنفيذ. كل ما يتعلق بهذا الاتفاق هو سيّئ. وأنا كرجل اعمال أعرف أطراف الاتفاق واستطيع معرفة الاتفاق السيئ والاتفاق الجيد. لا يمكن فهم هذا الاتفاق. وهو محزن. يمكن رؤية كيف تتصرف إيران: بدل أن تشكر أوباما على الاتفاق الذي كان في صالحها، تتصرف الآن بوقاحة. وقد بدأت في هذا التصرف قبل مغادرة أوباما البيت الأبيض. للأسف أن اتفاق كهذا قد حصل».
ما هو انطباعك إزاء نتنياهو اثناء اللقاء في أيلول؟ هل هناك كيمياء بينكما؟
«نعم، هناك كيمياء، هو شخص جيد ويريد فعل الصحيح لإسرائيل، ويريد صنع السلام، يريده من أعماق قلبه. يجب أن يكون اتفاقاً جيداً لأنه يمثل إسرائيل. لقد أحببته دائماً. هو يريد صنع اتفاق جيد لإسرائيل، والاتفاق يجب أن يكون كذلك».
سألتك ثلاث مرات، وسأسأل مجدداً، متى ستقرّر نقل السفارة الأميركية إلى القدس؟ وهل تتوقع الحصول على مقابل من «إسرائيل»؟ هل يجب على «إسرائيل» فعل شيء من أجل تطبيق قرار كهذا؟
«أريد من إسرائيل التصرف بشكل معقول في كل ما يتعلق بالسلام. أريد أن يصل السلام، ويجب أن يصل بعد كل هذه السنين. يبدو أن الناس تعبوا من الحرب. ويمكن أن يكون هناك سلام أكبر من السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني. أنا أريد من الطرفين التصرف بشكل معقول، ونحن لدينا فرصة جيدة لذلك».
وماذا عن السفارة؟
«أنا أفكر في الامر. وأنا أفحص الأمر وسنرى ماذا سيحدث. هذا ليس قراراً سهلاً، وقد تم النقاش فيه لسنوات طويلة. لم يرغب أحد في اتخاذ قرار كهذا وأنا أفكر فيه بشكل جدّي، وسنرى ماذا سيحدث».
البيت الأبيض قال إن المستوطنات ليست عقبة أمام السلام. هل ستتحدث مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في ذلك؟
«المستوطنات لا تساعد العملية السلمية. هناك كمية محدودة من الاراضي، وفي كل مرة تقوم إسرائيل بأخذ الاراضي من اجل بناء المستوطنات، تصبح الاراضي أقل. هي ليست قوة ايجابية بالنسبة للاتفاق. نحن نفحص الامر ونناقش خيارات اخرى. وأنا لا اؤمن بأن التقدم في ظل وجود المستوطنات سيساعد على السلام».
هل سنرى أن الولايات المتحدة ستندّد بـ«إسرائيل» بشكل كبير أثناء فترة ولايتك؟
«لا، أنا لا أريد التنديد بإسرائيل. لقد كان لإسرائيل تاريخ طويل من التنديد والصعوبات، وأنا لا أريد التنديد بها أثناء ولايتي. أنا أعرف إسرائيل جيداً وأحترمها. وهي مرّت بفترات صعبة جداً، لكنني أريد تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، بل وأكثر من ذلك. أعتقد أن السلام بالنسبة إلى إسرائيل سيكون ممتازاً وليس جيداً فقط».
أنت تتحدث دائماً عن أنه يجب عقد صفقات جيدة في عالم الاعمال. أليس من الاجدر أن يقدّم الفلسطينيون أيضاً التنازلات؟
«نعم، بالطبع. يجب على الفلسطينيين التفكير بالاتفاق الجيد. الاتفاق يجب أن يكون جيداً للجميع. وأي اتفاق لن يكون جيداً اذا لم يكن مناسباً. نحن الآن في عملية استمرت لعقود كثيرة، وهناك الكثيرون ممن يعتقدون أنه يمكن فعل ذلك. يعمل معي اشخاص حكماء يعرفون إسرائيل ويعرفون الفلسطينيين ويعتبرون أنه لا يمكن صنع اتفاق. أنا لا أوافق على رأيهم، وأعتقد أنه يمكن التوصل إلى اتفاق ويجب عمل الاتفاق».
ترامب يجيب بأدب على الأسئلة مع الكثير من الدفء، لكنه يعرف حجم المسؤولية الملقاة عليه كرئيس. هذا الثقل الكبير قام بترويضه قياساً مع التصريحات التي قالها وهو مرشّح.
النغمة تغيّرت تجاه «إسرائيل» لأن هناك اعتبارات اخرى، لكن الخطوط لم تتغير. رغم أن ترامب كان في اللقاء مختلفاً، إلا أنك تشعر بأنه رئيس صديق ولا يخجل من قول إنه ما زال يفحص الامور المختلفة.
لقد قالوا إنك تريد عزل إيران ومنعها من بناء علاقات جيدة مع روسيا. كيف ستفعل ذلك وما الذي تستطيع «إسرائيل» فعله للمساعدة في هذا الامر؟
«لا أعتقد أنني قلت ذلك. وأنا أعتقد أن إيران لم تقدر الصفقة التي منحتها إياها إدارة أوباما. وأنا لا أفكر بمفهوم العزل أو تصريحات أخرى. إضافة إلى ذلك هم ينكرون الجميل بخصوص اتفاق لم يكن من المفروض أن يتم».
هل يمكن العودة إلى فرض العقوبات الدولية؟ هل يمكن أصلاً إلغاء الاتفاق؟
«لا أريد التحدث في هذا».
لقد فرضت مؤخراً عقوبات جديدة على إيران ردّاً على محاولة إطلاق صاروخ بالستيّ، وقلت إن الجميع الخيارات توجد على الطاولة. هل يمكن الضغط على إيران بشكل ناجح؟
«سنقرر في خصوص إيران. لا أريد الردّ هنا. لديّ الكثير من الافكار السيئة والجيدة حول إيران، ولا أريد الكشف عما أخطّط له. أنا لست شخصاً يتحدث عما يخطّط له. لكنني أريد القول لها أن تتحدث معنا باحترام بسبب الاتفاق الرائع الذي حصلت عليه».
هل ستزور «إسرائيل» يوماً؟
«أكيد سأزور إسرائيل».
سؤال أخير: ما الذي تريد قوله لـ«الإسرائيليين» قبل مجيء رئيس الحكومة؟
«أنا أحترم إسرائيل والإسرائيليين. نحن نريد أن نرى السلام، ونعتقد أنه سيكون في صالح الإسرائيليين. ونريد السلام الذي يبقى إلى الأبد وليس مجرد سلام لبضعة أشهر، تندلع بعده الحرب. آمل من الطرفين أن يتعاملا برأس منفتح. وأعتبر أن السلام سيكون هاماً للطرفين».
في ختام اللقاء، تحدّثنا عن الاولاد. وقال لي إنه يشارك احياناً في وجبة السبت مع ابنته إيفنكا وزوجها، ويرى كيف يقومون بالصلاة. بالنسبة إليه هذا أمر عاديّ. ولكن بالنسبة إلينا، لدينا صديق في البيت الأبيض.