مقالات

العلاقات الدولية يستنكر مشاركة سفير الولايات المتحدة في افتتاح نفق استيطاني في القدس

استنكر “مجلس العلاقات الدولية – فلسطين” قيام سفير الولايات المتحدة لدى “إسرائيل” ديفيد فريدمان بافتتاح نفق استيطاني أسفل منازل وشوارع بلدة سلوان في القدس المحتلة.

وقال المجلس في بيان صدر عنه اليوم الاثنين بأن الولايات المتحدة ممثلة بإدارتها ومبعوثيها في المنطقة يستمرون في خرق وتجاهل القانون الدولي وقرارات اليونسكو التي تنص صراحة على حق الشعب الفلسطيني الخالص في مدينة القدس ومقدساتها.

واتهم المجلس كلاً من ديفيد فريدمان وجيسون جرينبلات مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط بكونهم مستوطنين صهاينة لا يختلفون عن المستوطنين الذين يحتلون الأراضي الفلسطينية ويعيثون خرابًا ودماراً فيها.

وأعرب المجلس عن بالغ أسفه من الصمت المطبق الذي يسيطر على الدول الإسلامية والعربية تجاه هذا الحدث، داعياً العقلاء من السياسيين والشعب الأمريكي للضغط على الإدارة الامريكية لتوقف مثل هذه الأفعال التي لا تؤدي إلا لمزيد من التدهور وعدم الاستقرار في المنطقة.

ودعا المجلس المجتمع الدولي والأمم المتحدة لاتخاذ إجراءات فعالة للضغط على دولة الاحتلال لوقف هذه الحفريات المدعومة أميركيا والتي تتناقض مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

وكان سفير الولايات المتحدة في إسرائيل، دافيد فريدمان، قد شارك أمس الأحد، في افتتاح “نفق تهويدي” في حي وادي حلوة ببلدة سلوان، جنوب المسجد الأقصى، برعاية جمعية “إلعاد الاستيطانية” التي عملت على حفر النفق أسفل منازل وشوارع ومنشآت الحي على مدار السنوات الماضية.

ديفيد فريدمان في مهمة مقدسة: تعزيز الاحتلال الاسرائيلي!

يقوم ديفيد فريدمان، الذي عين مؤخرا سفيرا للولايات المتحدة في إسرائيل، بمهمة نضالية.

قبل أسبوعين من الانتخابات، كتب مقالا في صحيفة “جيروزاليم بوست”، كشف فيها عن حماسته التي لا تلين، إذ قال: “كيهود أمريكيين تعدادنا يقترب من ستة ملايين نسمة.. حصلنا على فرصة ما كان أسلافنا ليحلموا بها، بدلا من أن نضطر إلى مواجهة التحديات التي يفرضها أعداء إجراميون، حملنا أمانة إرث أعظم الأجيال التي سبقتنا، لضمان بقاء إسرائيل على قيد الحياة، واستمرارها في الازدهار، كضوء يشع على الأمم وكوطن دائم للشعب اليهودي”.

حملة فريدمان النضالية تستهدف تحقيق ثلاثة أمور: تعزيز مشروع إسرائيل الاستعماري، وتقويض الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران، والحط من قدر الليبراليين، خاصة اليهود منهم.

تم الكشف عن الهدفين الأولين في خطة العمل التي تتكون من ستة عشر نقطة، التي أعدها فريدمان نفسه بالتعاون مع جيسون دوف غرينبلات في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

الاستعمار الإسرائيلي

في البداية، تعلن الخطة أن “الولايات المتحدة ستعترف بالقدس عاصمة أبدية للدولة اليهودية غير قابلة للتقسيم، وأن إدارة السيد ترامب ستبادر إلى نقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية إلى القدس”.

في الوقت ذاته، سيعتبر حل الدولتين حلا ميتا، ليس بسبب الواقع الجغرافي الذي أوجده استيلاء ما يزيد عن نصف مليون مستوطن يهودي على الأراضي الفلسطينية، وإنما بسبب أن “الفلسطينيين ليسوا على استعداد للتخلي عن العنف ضد إسرائيل أو الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية”.

والمشكلة من وجهة نظر فريدمان تكمن في أن الحزبين السياسيين الفلسطينيين الكبيرين “يروجان بانتظام لمناهضة السامية وللجهاد”. مثل هذه التفسيرات تتجاهل، كما هو واضح، العنف اليومي الذي يمارس ضد الفلسطينيين بينما يعطي الضوء الأخضر لمن يستولون على أراضيهم كل يوم.

إلا أن الخطة المكونة من ستة عشر نقطة، تصر أيضا على أنه حتى يتسنى لإسرائيل الاستمرار في مشروعها الاستعماري دونما إعاقة، فإن من الأهمية بمكان تقويض المؤسسات الدولية التي حاولت قطع الطريق على سياسات إسرائيل المنتهكة للحقوق.

وبناء عليه يقترح فريدمان، أنه “ينبغي على الولايات المتحدة الأمريكية وقف التمويل المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة”، وأنه “ينبغي عليها أيضا استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي مشروع قرار يقدم للأمم المتحدة مستهدفا إسرائيل بشكل منفرد ومناف الإنصاف”، والعمل مع الاتحاد الأوروبي في سبيل معارضة “أي تصنيف خاص للمنتجات الإسرائيلية أو أي مقاطعة للبضائع الإسرائيلية”.

ويضيف المقترح إنه “يتوجب على الولايات المتحدة الأمريكية فعلا اعتبار الجهود المبذولة لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (بي دي إس) نشاطا مناهضا للسامية، واتخاذ إجراءات قوية، على المستوى الدبلوماسي والتشريعي، لإحباط أي إجراءات يقصد منها الحد من العلاقات التجارية مع إسرائيل”.

بينما تتردد عبارة مناهضة السامية في قاموس السفير الجديد، وتستخدم سلاحا سياسيا لتجنب أي انتقاد يوجه إلى إسرائيل، فإن من الأهمية إدراك أن فريدمان ليس مجرد خطيب ناري مفوه، وإنما مخطط استراتيجي ألمعي.

وبالفعل، لم ينتظر حتى يتسلم مهام منصبه الجديد ليمارس نشاطه في مساعدة المستوطنين اليهود الذين يؤمنون بالمخلص. بل من أجل المساعدة في تخليص أرض إسرائيل التي “عاش فيها الشعب اليهودي لما يقرب من 3500 سنة،” انضم فريدمان إلى مجموعة أصدقاء بيت إيل الأمريكيين، وهي منظمة غير حكومية تجمع التبرعات لصالح المستوطنات في الضفة الغربية.

وكرئيس للمنظمة، نجح في الحصول على تبرع مالي من الجمعية الخيرية التابعة لعائلة جاريد كوشنر، زوج ابنة ترامب، معززا بذلك الصلة بين الإدارة القادمة والمستوطنات الإسرائيلية غير المشروعة.

تقويض الاتفاق النووي مع إيران

هدفه الثاني كسفير لأمريكا في إسرائيل سيكون مساعدة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تقويض الاتفاق النووي الذي أبرم مع إيران في عام 2015. سيرا على خطى نتنياهو، يصف فريدمان إيران في الوثيقة التي حررها بأنها “الدولة الرائدة في رعاية الإرهاب – وبذلك تضع الشرق الأوسط بشكل خاص، والعالم ككل بشكل عام في خطر من خلال تمويل وتسليح وتدريب الجماعات الإرهابية التي تنشط حول العالم”.

ويخلص فريدمان إلى أن ذلك يعدّ انتهاكا لخطة العمل الشاملة المشتركة التي وقعت مع إيران ويبرر تطبيق “عقوبات جديدة وشديدة”.

إضافة إلى التراجع عن الصفقة مع إيران، يوصي فريدمان أن تقوم إدارة ترامب بتقوية “الرابطة غير القابلة للانفصام بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل” من خلال ضمان أن تتلقى إسرائيل “أقصى درجات التعاون العسكري الاستراتيجي والتكتيكي من الولايات المتحدة الأمريكية”.

وبالتالي يوصي بإلغاء البند في مذكرة التفاهم التي وقعت مؤخرا من قبل إدارة أوباما والحكومة الإسرائيلية، والذي يقيد الكونغرس الأمريكي ولا يسمح له بمنح إسرائيلي دعماً مالياً يتجاوز 8ر3 مليار دولار وعدت الإدارة بتقديمها سنويا على مدى السنوات العشر القادمة.

نزع الشرعية عن اليهود الليبراليين

وأخيرا، يتمثل هدف فريدمان الثالث في نزع الشرعية عن الليبراليين، أو عن أي شخص تسول له نفسه الوقوف في طريق حملته النضالية. تجلى هذا الهدف بأوضح ما يمكن في اللغة التي يستخدمها للنيل من أولئك الذين يختلفون مع أجندته السياسية.

وكان فريدمان قد وصف صحيفتي نيويورك تايمز والواشنطن بوست بأنهما طابور خامس، ووصم الرئيس باراك أوباما بأنه معاد للسامية، وأما اليهود الناشطون في جماعة الضغط المؤيدة لإسرائيل جيه ستريت فاعتبرهم “أسوأ من “كابوس”، أي اليهود الذين كانوا يبلغون عن أبناء ملتهم من اليهود ويتسببون في إرسالهم إلى معسكرات الإبادة النازية”.

يمكن للمرء أن يتساءل: ولماذا يعتبرون أسوء من “كابوس” يا ترى؟

يقول فريدمان شارحا ذلك: “كان اليهود من فئة كابوس يواجهون معاملة وحشية فوق التصور، ومن يدري ماذا كان يمكن لأي منا أن يفعله في تلك الظروف من أجل أن ينقذ شخصاً عزيزاً عليه؟ أما جي ستريت؟ فليسوا سوى دعاة تدمير إسرائيل في ملابس أنيقة يوجهون رسائلهم من مقاعدهم الوثيرة والمريحة في أجواء أمريكا الآمنة – يصعب على المرء أن يتصور من هو أسوأ منهم”.

ما يبعث على الرعب في حالة فريدمان -كما هو حال عدد غير قليل ممن وقع عليهم اختيار ترامب- هو أنه يرى نفسه في مهمة مقدسة. ولذلك فإن كل من يختلف معه في هدفيه الأولين فإنه يوصم بأنه مرتد، فإما أن يكون معاد للسامية أو جهاديا، أو مدافعا عن هذا أو عن ذاك، ملتمسا لهما الأعذار.

كواحد من الذين شهدوا ما جلبه التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط منذ فجر الألفية الجديدة، فإنني أرى أن تعيين فريدمان ليس مرعباً جداً فحسب، بل وينذر -كما كان حال الصليبيين القدماء- بمستقبل ملطخ بالدماء.

(عن صحيفة “ميدل إيست آي”، مترجم خصيصا لـ”عربي21”)