مقالات

وجوه بوتين المتناقضة.. 7 نظريات تفسر شخصية الرئيس الروسي.. وهذه نهايته المتوقعة!

تردد اسم الرئيس الروسي “بوتين” هذه الأيام في كافة وسائل الإعلام ، منها من حذر من شرّه ، ومنها من يشرح خطته للسيطرة الإقليمية وطموحاته لمنازعة الولايات المتحدة سيطرتها العالمية، وتارةً مُخبرةً عن جنوده وجواسيسه المنتشرين في أرجاء العالم والمؤثرين في أحداثه، من سوريا إلى أوروبا إلى أميركا نفسها والتأثير في انتخابات أعظم قوى العالم.

الصحفي الأميركي المولود في روسيا، كيث جيسين، جمع النظريات التي حاولت فهم الرئيس الروسي، في مقال مُطوَّل لصحيفة الغارديان البريطانية؛ في محاولة لتحليلها ومعرفة الحقيقي والزائف بها.

فأحد دوافعه لهذا التحليل أن بوتين ، على شهرته وتأثيره، يُكتَب عنه الكثير من التحليلات التي، بحسب تعبير جيسين، “تعتمد بالضرورة على معلومات مُجتزئة، أو منقوصة، أو أحياناً مغلوطةً كُليِّاً”.

إليكم 7 نظريات عن بوتين، يعرضها جيسين مُحللاً ما يؤيدها ويعارضها على أرض الواقع.

  1. بوتين عبقري

إنَّها النظرية الأشهر في الغرب وكتابات المُحللين الغربيين عن بوتين، سواء منتقديه أو معجبيه.

بوتين عبقري بكل تأكيد ليفعل كلَّ ما فعله داخلياً وخارجياً دون أن يتعرَّض إلى أذىً يُذكَر. دعنا نتذكَّر كيف قرَّر دعم نظام الرئيس السوري بشَّار الأسد فحوَّل مسار الحرب ضد المعارضة التي كانت تدعهما الولايات المتحدة وتركيا والسعودية لأعوام، وكيف ضمَّ شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي، وكيف قوَّض الإجماع الأوروبي على الاتحاد وموَّل الحركات المُشكِّكة في جدواه، وكيف تدخَّل في انتخابات الرئاسة الأميركية ليجعل ترامب رئيساً؛ أمَّا في الداخل، فقد تمكَّن بوتين من إخراس كل معارضيه تقريباً أو استمالتهم إلى جانبه.

يؤيد نظرية عبقرية بوتين نجاحه في فعل كل ذلك دون أن يردعه أحد؛ فقد تمَّ ضم القرم مثلاً دون إطلاق عيار ناري واحد، وإيصال دونالد ترامب إلى البيت الأبيض كان ثمنه هيّناً بطرد 35 عميلاً استخباراتياً روسياً من الولايات المتحدة.

لكنَّ هذه العبقرية المزعومة مُكلفة للغاية؛ فروسيا الآن ترزح تحت عقوبات غربية تُثقِل كاهل اقتصادها، وهي معزولة دولياً بدرجة كبيرة، وكسبت عداء الشعب الأوكراني إلى الأبد، وحتَّى في الداخل لا يبدو مصير بوتين مُبشِّراً؛ إذ يصعب، في رأي جيسين، أن نتصوَّر نهاية لعهده لا تُراق فيها الدماء.

إنَّ هذه لعبقريةٌ غريبةٌ حقاً من رجلٍ لو تنحَّى عن السياسة في عام 2008 لنُصِبت له التماثيل تقديراً لما فعله لبلاده.

  1. بوتين رجلٌ عادي

هذه النظرية هي نقيض الأولى. بوتين ليس استثنائياً ولا عبقرياً؛ إنَّه رجلٌ عاديٌ كالآلاف من الروس، رجلٌ قصير متساقط الشعر ذو صوتٍ حادٍ، أقرب إلى تمثيل صورة الموت من سَلَفه بوريس يلتسين الذي أعلن استقالته في خطابٍ مُتَلفز في ليلة رأس السنة من عام 1999 بادياً عليه المرض.

تلك هي اللحظة التي تعرَّف فيها الروس على بوتين للمرة الأولى، مُجرَّد عقيد في المخابرات السوفيتية، يتحدَّث مثلهم، يشاهد الأفلام التي يشاهدونها، ويسمع الأغاني التي يسمعونها، عكس يلتسين، العضو السابق في المكتب السياسي السوفييتي.

بدايات بوتين رسَّخت هذه الصورة؛ إذ كان مأخوذاً بعظمة الإمبراطورية الأميركية ومُعجباً بالرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب، ومدركاً حدود سلطته في البلاد التي ينازعه فيها مجموعة من أقطاب الصناعة والنفط والبنوك كانوا يسودون روسيا في عهد يلتسين، ويبدو عاجزاً أمامهم بصورةٍ ما.

لكن قد يكون من الظلم نزع كل استثنائيةٍ عن بوتين، وليس فقط لبطولاته الرياضية في لعبة الجودو. صحيحٌ أنَّ بدايات بوتين كانت عادية تماماً، إلَّا إنَّه تمكَّن من ترسيخ قواعد حكمه وشعبيته بمواقفه القوية، في نظر الشعب الروسي، تجاه الشيشان وأقطاب البلاد، مثلما حضَّر لإسقاط ميخائيل خودوركوفسكي، أغنى رجل في روسيا، والقبض عليه في عام 2003.

استثنائية بوتين لا تعتمد على شخصيته فحسب. لقد مرَّ على بوتين الآن ثلاثة رؤساء أميركيين وترامب رابعهم، ورئيسين فرنسيين، ومستشار ألماني، والعديد من رؤساء الوزراء البريطانيين؛ فالزمن نفسه هو ما يزيد بوتين قوةً ونفوذاً.

  1. بوتين أصيب بسكتة دماغية

من أوائل الكتابات التي حاولت تحليل بوتين كان مقالٌ نشرته مجلة “ذي أتلانتك” الأميركية في عام 2005 بعنوان “طاغية بالصدفة”، استشهد بكتابات بريندا كونورز، التي وصفها المقال بأنَّها “زميلة البحوث السلوكية” في الكلية الحربية البحرية الأميركية.

بعد دراسة تسجيلات لحركة بوتين، خلُصت كونورز إلى أنَّ لديه عجزاً عصبياً، ربَّما رافقه منذ الولادة جرَّاء إصابته بسكتة دماغية وهو في الرحم، يمنعه من استخدام الجانب الأيمن من جسده بشكل كامل؛ وهذا ما يجعل ذراعه اليسرى تتأرجح أكثر من اليمنى وهو يمشي. وقالت كونورز لـ”ذي أتلانتك” إنَّه من المُستبعد أنَّ بوتين كان يحبو وهو رضيع، وهو ما يزال يتحرَّك بكامل جسده حتى الآن، “بطريقة تشبه الأسماك أو الزواحف”.

صحيحٌ أنَّ هذه الفرضية لا تُغني في التنبؤ بقرارات بوتين السياسية أو العسكرية، لكنَّها تفرض نفسها بقوَّة. فقط عليك تخيَّل بوتين وهو يتحرَّك مثل سمكة بين بشرٍ عاديين يستطيعون استخدام كلا جانبي أجسادهم، فيشعر بالحزن بسبب عجزه.

  1. بوتين عميل للمخابرات السوفييتية

تعود هذه النظرية إلى البدايات: سنوات عمل بوتين ودراسته في المخابرات السوفييتية؛ لتُفسِّر كل شيء.

بالتأكيد شكَّلت المخابرات السوفييتية “كي جي بي” جانباً كبيراً من خبرة بوتين العملية، فقد عمل هناك ما يقرب من 20 عاماً، والكي جي بي ليست مكان عملٍ عادي، بل هي جامعة متكاملة تعمل على تكوين تصوُّر كاملٍ عن العالم لدى من يدرس فيها.

وقد ظلَّ بوتين مخلصاً لجامعة “كي جي بي” وزملائه فيها، فعيَّن العديد منهم في مناصب حكومية رفيعة، وغالباً ظلَّ على صلة بالكثير منهم بعد تعيينه في مكتب عمدة سان بطرسبرغ، لكن الساسة والكُتَّاب الأميركيين (مثل كوندوليزا رايس، وكولن باول، ودك تشيني) يرون كل شيء يفعله بوتين عبر منظار الكي جي بي: إذا ابتسم بوتين لأحدٍ فهو يحاول التلاعب به لأنَّه عميل كي جي بي، وإذا تصرَّف بفظاظة مع أحدٍ فهو يحاول السيطرة عليه نفسياً لأنَّه عميل كي جي بي.

لكنَّ جيسين يرى أنَّ هذه النظرية غير مُرضية لثلاثة أسباب.

الأوَّل هو أنَّ ما يعنيه أمثال رايس وباول وتشيني حين يشيرون إلى ماضي بوتين في الكي جي بي هو أنَّه يرى السياسة لعبة نفوذ، والناس مُقسَّمون فيها إلى عملاء له أو خصوم. ولكن هذه النظرة ليست حكراً على الكي جي بي؛ أليست هذه هي الطريقة ذاتها التي كان يعمل بها دك تشيني؟ ألا يحمل الكثيرون في عالم السياسة هذه النظرة؟

والثاني هو أنَّ المحللين الغربيين يشيرون إلى تاريخ بوتين في الكي جي بي للإيحاء بأنَّه يحمل التصوُّرات السوفيتية الشيوعية كاملةً، ولتصويره بالرمز السوفيتي الشهير (المطرقة والمنجل والنجمة الحمراء). لكنَّ هذا أبعد ما يكون من الحقيقة؛ فصحيح أن بوتين حاكم إمبريالي، لكن الإمبريالية ليست حكراً على السوفييت، وصحيحٌ أنَّه عميل سابق للمخابرات السوفيتية، لكنَّه بالتأكيد ليس متمسكاً بالرؤية الشيوعية للعالم ولا يريد توحيد عمَّال العالم أو مصادرة أملاك البرجوازيين.

والثالث أنَّ الإشارة إلى عملاء الكي جي بي باعتبارهم مجموعة ذات صفات وأفعال واحدة: خداع وشر واغتيالات وسجن للمعارضين، هي إشارة مغلوطة. فالكي جي بي منظمة ضخمة، فيها الأشرار والمهنيون، فيها من نفَّذوا اغتيالات ومن رفضوها، ومن حارب الجريمة ومن حرَّض عليها.

  1. بوتين قاتل

تطرح هذه النظرية، التي سادت الخطاب السياسي الأميركي قبل الانتخابات وبعدها (فكرة أنَّ “بوتين يقتل الصحفيين والمعارضين”) دليلاً ليس فقط على إصداره أوامر القتل والحرب بدمٍ باردٍ أو وجوب عزله من المجتمع الدولي، بل أيضاً على سيطرته الكاملة وقدراته غير المحدودة في إخراس المعارضين وتنفيذ خططه التوسُّعية.

يقول جيسين إنَّه لا يسعى إلى نفي مسؤولية بوتين عن الحروب الدموية في الشيشان، وجورجيا، وأوكرانيا، أو عن ضلوعه في اغتيال الصحافية آنا بوليتكوفسكايا في عام 2006 والمعارض الروسي بوريس نيمتسوف، لكنَّه يشير إلى أن ادعاءات إصدار بوتين أوامر مباشرة باغتيال المعارضين لا يُصدقها إلا القليلون من بين المُطلعين على القضايا، فأصابع الاتهام تُشير أكثر إلى الديكتاتور الشيشاني رمضان قديروف.

وحتى إن كان هذا حقيقةً فهو لا يُعفي بوتين من المسؤولية تماماً، فهو من ثبَّت قواعد سلطة قديروف وما يزال يحافظ على صلاته به.

لكنَّ النظريات المطروحة بشأن بوتين في الإعلام الغربي تفتقر مرةً أخرى إلى الدقة.

فروسيا ليست دولة فاشلة لا تمارس فيها الحكومة أية سلطة، ولا دولة شمولية تتركز فيها كل السلطات بيد الحكومة، بل هي بين الاثنين.

بوتين لا يأمر بالقتل، لكن الاغتيالات تحدث. أمر بوتين بالاستيلاء على شبه جزيرة القرم، ولكن، في أفضل الروايات المطروحة، يبدو أنَّه لم يأمر بغزو شرق أوكرانيا، بل تمَّ الغزو في البداية على يد مجموعة صغيرة من المرتزقة الذين يموِّلهم رجل أعمال روسي مُتنفِّذ، ولم تأتِ القوات الروسية الفعلية إلا لاحقاً.

  1. بوتين حاكم لِص

حتَّى عام 2009 تقريباً، كان جلُّ الانتقادات المُوجَّهة إلى بوتين متعلقٌ بانتهاكات حقوق الإنسان. لكن الناشط في قضايا مكافحة الفساد أليكسي نافالني تمكَّن من تحويل مجرى الاتهامات إلى سرقة أموال الشعب الروسي، وأطلق على حزب روسيا الموحَّدة الذي يقوده بوتين الموحدة “حزب المحتالين واللصوص”؛ وهكذا تحوَّل بوتين من وحشٍ مخيفٍ إلى شيء أبسط ويُمكن التعامل معه: مُجرَّد لص.

كان هذا الاتهام يقف على أرضية صلبة، وإلَّا فلماذا يكون هذا العدد المذهل من أصدقاء بوتين القدامى هم من عباقرة الأعمال؛ إذ أصبحوا مليارديرات في الفترة التي تَلَت وصوله إلى السلطة. لكنَّ يبدو أنَّ الأمر العبقري الذي فعله أصدقاء بوتين المليارديرات هو أنَّهم صادقوا رئيس روسيا المقبل قبل استقالة يلتسين.

هذه العلاقة كانت أساس العقوبات “الموجهة” التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في عام 2014 على “دائرة بوتين المُقرَّبة”؛ أملاً في أن يؤدي ضرب أصدقاء بوتين في أعمالهم إلى إثنائه عن بعض مناوراته السياسة الخارجية المُشينة، خصوصاً في أوكرانيا.

وإذا تساءلت عن السبب الذي جعلنا لا نسمع الكثير في هذه الأيام عن سرقة بوتين لأموال الشعب، فهو في رأي جيسين أنَّ هذه العقوبات لم تنجح في ردع بوتين أو في قلب أصدقائه عليه.

يقول جيسين: “أعضاء حكومة اللصوص لا يدبرون انقلابات ناجحة على الحكم”. أصدقاء بوتين يعلمون جيداً أنَّهم يجب عليهم دعمه مهما كانت الظروف، حتى وإن تضرَّروا وتضرَّر هو نفسه من العقوبات.

يعيش بوتين حياةً متواضعة بدرجةٍ ما. أجل، لديه قصر على البحر الأسود بُنِي بأموال مسروقة، لكنَّه لا يعيش فيه، ومن غير المحتمل أن يعيش فيه في أي وقت مقبل. القصر هو، بطريقةٍ ما، أكثر شيء تفاؤلاً بناه بوتين؛ إنَّه وعدُ تقاعُده في نهاية المطاف، هذا إن لم تُمزقه الجماهير إرباً بينما تقتحم الكرملين وتقضي على حرسه الشخصي.

  1. بوتين هو فلاديمير “لينين”

بعد صدمة فوز دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأميركية، حاول الكثير من الكُتَّاب ربط تحليلاتهم عن التدخُّلات الروسية في الانتخابات لصالح ترامب باسمه الأول الذي يتشاركه مع “فلاديمير لينين” قائد الثورة البلشفية، الذي كان يسعى إلى زعزعة أوروبا.

من وجهة نظر جيسين، قد يُعَد هذا علامةً على فقر الفهم الغربي لبوتين، وإثبات جديد على أنَّ ما يُكتَب عنه في الغرب لا يُعالج بوتين بقدر ما يُعالج قضايا الغرب نفسه وصراعاته؛ فهو قبل الانتخابات الأميركية مُجرَّد أداة لمنع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وأصبح بعد تنصيبه أداةً لتنحيته عن الحكم إذا تثبتت علاقته بروسيا وبوتين وتدخُّل الأخير لصالحه في الانتخابات ضد منافسته هيلاري كلينتون (التي يمقتها بوتين).

ويختم جيسين مقاله: “إذا تمَّ عزل دونالد ترامب وسجنه بتهمة التآمر مع دولة أجنبية لتقويض الديمقراطية الأمريكية، فسأحتفل مثل أي أميركي. لكن على المدى الطويل، فإنَّ استخدام بطاقة روسيا ليس لعبة سياسة سيئة فحسب، بل إفلاس فكري وأخلاقي. إنَّها محاولة لإلقاء اللوم في مشاكل عميقة وباقية في بلادنا على قوة أجنبية. وكما أشار بعض المُعلقين، إنَّها صفحة من كتاب ألاعيب بوتين نفسه” بحسب هافيغنتون بوست عربي.

إيران تستعين بعضلات الصين لتقوية عضلاتها

إيران تستعين بعضلات الصين لتقوية عضلاتها

هدى الحسيني

15 ديسمبر 2016م

لا شيء يجري في إيران يدعو إلى التساؤل، إن كان من ناحية الازدواجية أو القمع الداخلي الذي يقابله طموح عسكري وصل إلى الصين، إذ تخوض القيادة الإيرانية حربًا لا هوادة فيها لمنع الشعب الإيراني من الاطلاع على ما يجري داخل إيران أو في العالم لكنها حرب خاسرة. وفي حين تلجأ إيران إلى الأقمار الصناعية لتنقل الأقنية التي تمولها وتنشر آيديولوجيتها، مثل «العالم» و«المنار» و«الميادين»، فإنها تريد أن تحرم الشعب الإيراني من الخروج من الإطار «الفكري» الذي وضعته هذه القيادة، إذ في اجتماع لـ«العفة والحجاب» عقد في 13 من الشهر الماضي، قال قائد شرطة طهران إن السلطات الإيرانية صادرت خلال السبعة أشهر الماضية 713.546 من الصحون اللاقطة، و923.299 من المحولات المنخفضة الضوضاء، و10.766 من الأدوات التي تسمح باستقبال الأقمار الصناعية. وأضاف أن السلطات اعتقلت 293 شخصًا بتهمة تركيب الصحون اللاقطة، وتم تفكيك أو تعطيل 40 عصابة متكفلة بتوفير الاتصال بالأقمار الصناعية.

في ذلك الاجتماع اتهم المسؤول الإيراني عباس جعفري دولت آبادي مسؤولين آخرين بإعاقة جهود الشرطة والسلطات، ومنعها من مصادرة الصحون اللاقطة غير القانونية وغيرها من المعدات، وقال إن 60 في المائة من الإيرانيين يستعملون الصحون اللاقطة، ويحاول مكتب المدعي العام اتخاذ كل الإجراءات لجمعها، لكن هناك من «يحرم» الشرطة من القيام بعملها. وأشار جعفري دولت آبادي إلى أن حيازة أي من المعدات المرتبطة باستقبال ومشاهدة القنوات الفضائية هي ضد القانون.

إن حيازة هذه المعدات لا تُعتبر ضد القانون فقط، فالقيادة الإيرانية تعتبرها ضارة بـ«الأخلاق» العامة. وكان الجنرال محمد رضا تقوي قائد قوات الباسيج قال في 16 يوليو (تموز) الماضي بعد حملة مصادرة 100 ألف من الصحون اللاقطة: «إن هذه القنوات تسبب الزيادة في نسبة الطلاق، والإدمان، وانعدام الأمن في المجتمع، وتتسبب أيضًا باضطراب الأطفال فيبتعدون عن التعليم، وتحت تأثيرها يصبح سلوكهم غير لائق». وتفرض السلطات الإيرانية غرامة بقيمة 2.800 دولار على كل شخص لديه معدات تلفزيونية فضائية.

ويسود اعتقاد لدى المتشددين في إيران، بأن البث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية من الدول الغربية ودول الخليج العربي إنما هو جزء من حملة متعمدة لإشعال «الحرب الناعمة» ضد النظام الإيراني، وأن جميع البرامج موجهة وتهدف إلى تقويض دعم الشعب الإيراني للحكومة الإيرانية.

مقابل هذه المنع الداخلي، الذي يحرم الإيرانيين من التنفس خارج إطار آيديولوجية الجمهورية الإسلامية، تتطلع القيادة الإيرانية إلى الوصول إلى الفضاء لزيادة جهودها التجسسية التي تساعد في تثبيت تدخلها في الدول العربية.

إن زيارة وزير الدفاع الصيني تشانغ وان تشيوان إلى طهران في 13 من الشهر الماضي بدعوة من نظيره الإيراني العميد حسين دهقان، كانت أحدث مؤشر على زيادة التعاون في مجالات الاستخبارات والتعاون بين البلدين ومحاذاة الأهداف الاستراتيجية والاقتصادية والجيوسياسية في أوروبا وآسيا، وكذلك في الشرق الأوسط.

من المعروف أن إيران مهتمة بالحصول على الجيل الثالث من المقاتلات الصينية «تشنغدو» (J – 10B)، وأيضًا الطائرات الصينية من دون طيار، وصواريخ «كروز» المضادة للسفن والغواصات، وربما أيضًا على ترخيص يجيز لإيران تصنيع الدبابة الصينية (2000) وحتى الدبابة (3000).

وعلى الرغم من أنه لم ترد إشارة أثناء المناقشات الصينية – الإيرانية حول التعاون في المجالين العسكري والأمني، فإن التعاون في فضاء الأمن القومي أمر محتمل جدًا، إذ صار معروفًا، على سبيل المثال، أن شركة «سالران» الإيرانية للدفاع الإلكتروني وقعت في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي اتفاقًا مع شركات الدفاع والفضاء الصينية للبدء في استخدام مواقع القمر الصناعي الصيني (بيدو) في الملاحة، ومعدات التوقيت على الصواريخ الإيرانية، والطائرات دون طيار، والقدرات العسكرية الأخرى، وهذا سيؤدي إلى تحسين دقة الصواريخ الإيرانية وفعاليتها وفتكها. ويعرف المتابعون والمحللون الاستراتيجيون في الشرق الأوسط والغرب جهود التحديث التي تبذلها إيران على مجموعة واسعة من أنظمة الأسلحة لديها، وهي دلائل متزايدة على سعيها للتحول بعيدًا عن عقيدة عسكرية دفاعية باتجاه اعتماد أنظمة هجومية بغرض الإكراه والاعتداء.

مجالات التعاون العسكري والأمني بين الصين وإيران تأتي في شكل أقمار الاتصالات والمراقبة الأرضية ذات الدقة العالية. وتسعى إيران للحصول على قمر صناعي وطني للاستشعار عن بعد (National remote sensing satellite) والقمر الصناعي للاتصالات (National communications satellite). ويسود الاعتقاد بأن إيران تفكر في بناء قمرها الصناعي الوطني للاستشعار عن بعد الخاص بها، إنما تتطلع إلى مصانع أجنبية لإنتاج القمر الصناعي للاتصالات، وهناك حديث عن شركة صينية واحدة على الأقل مهتمة بتقديم عرض لهذا المشروع. وحتى في حال بناء إيران قمرها الصناعي الوطني للاستشعار عن بعد، فإن العلاقات الدفاعية والأمنية المزدهرة بينها وبين الصين يمكن أن تدفع الصين إلى توفير الخبرات المطلوبة والتكنولوجيا الرئيسية لمساعدة إيران في بناء هذا القمر الصناعي.

وفي حين أن نقل التكنولوجيا والخبرة هي السمة الرئيسية لأي علاقة دفاعية وأمنية، يمكن لعوامل أخرى أن تكون بالأهمية نفسها لبكين وطهران ودول أخرى. فعلاقة الاستخبارات تعني تبادل المعلومات الأمنية التي قد تشمل أيضًا توفير الصين لصور عالية الدقة من الأقمار الصناعية لإيران، وعلاوة على ذلك يمكن للبلدين تبادل البيانات الأمنية، والأساليب، وغيرها من المعلومات، حول تقنيات الفضاء المضادة والإجراءات وغيرها من المسائل الحساسة.

إذا حدث هذا، وعلى افتراض أنه لا يحدث بالفعل، فإن الآثار المترتبة عنه على أمن الشرق الأوسط ستكون جدًا مثيرة، إذا تبين أن لطهران إمكانية الوصول إلى بيانات حساسة دقيقة وخطيرة انطلاقًا من معلومات أمنية قدمتها الصين.

وحسب رأي أمنيين متابعين، ينبغي بالتالي أن يُنظر إلى هذه التطورات كجزء من تغيير سياسي في موقف الصين تجاه قضايا الشرق الأوسط، ولأن جزءًا كبيرًا من النفط الذي تعتمد عليه الصين يأتي من منطقة الشرق الأوسط غير المستقرة، يظهر واضحًا أن الصين تتحرك ببطء إنما بثبات، لجهة موقفها الحيادي من الأحداث الجيوسياسية في الشرق الأوسط.

قبل عدة أسابيع، زار ضابط بحرية كبير من الجيش الشعبي الصيني دمشق بهدف تقديم الدعم الطبي للقوات العسكرية الموالية للرئيس السوري بشار الأسد، مما يشير أكثر وأكثر إلى أن الصين بدأت تتخذ مواقف غير حيادية.

إن العلاقة المتنامية مع إيران قد تكون دليلاً آخر على أن مشاركة الصين في مستقبل منطقة الشرق الأوسط لن تكون كما في السابق، مجرد علاقة عمل اقتصادي ومالي ونفطي لا غير.

إن ما يجري بين الصين وإيران هو نتيجة الاتفاق النووي بين الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، وإيران. روسيا أيضًا على شراكة مع إيران داخل سوريا، وهي على تقارب مع الصين، لكن كما يبدو فإن الصين استغلت انغماس روسيا بالحرب في سوريا، فقررت التسلل لقطف الثمار الإيرانية التي أنتجها الاتفاق النووي. وفي هذا الصدد قد تسبق الصين، أوروبا وأميركا وروسيا في الاستثمارات الإيرانية. لكن هل ستقبل دول أوروبا والشرق الأوسط بأن تكون تحت تهديد مراقبة فضائية غير دفاعية تخوضها ضدها الصين وإيران؟

وهل سيُسمح للصين بالانفتاح العسكري على إيران على حساب الاستثمارات العربية الخليجية في محطات التكرير لديها، وانفتاح الأسواق العربية الخليجية لمنتجاتها؟ أما إيران اللاهثة وراء الأطباق الفضائية، فإنها في خططها تبحث عن كتم شعبها وتخريب حياة شعوب الدول المجاورة لها، «على أمل» التحكم في تلك الشعوب ودولها عبر صواريخ مصنوعة بتكنولوجيا من كوريا الشمالية، وأنظمة صواريخ روسية، وأقمار صناعية صينية. وشعار «الموت لأميركا» سيبقى ملتهبًا حتى لو أن شركة «بوينغ» الأميركية أعطت صفقة 80 طائرة. فقد أقر الأميركيون، ومعهم الغرب، بأنهم لا يتقنون «اللغة الفارسية»، وبالتالي لا يفهمون أبعاد ذلك الشعار!

نقلاً عن الشرق الأوسط

أسرار العلاقة الخفية: هكذا صنع الرئيس السوري بيديه تنظيم “داعش” المتشدد

هذا هو الفصل الأخير من التحقيقٍ الرائد الذي أجراه المراسل الحائز على جائزة “بوليتزر” للصحافة روي غوتمان، الذي يوثّق مساهمات بشار الأسد في صنع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

يوضح التقرير تواطؤ الديكتاتور السوري في الرعب الذي نشره التنظيم في سوريا، وذلك أثناء تخطيطه وإلهامه لإرهابيين آخرين لتنفيذ هجمات في أوروبا والولايات المتحدة. وهي حقائق يجب على الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وضعها قيد الاعتبار عندما يتحدث بعفوية عن التعاون مع روسيا والأسد في الحرب ضد داعش. وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “ديلي بيست”.

وكما رأينا في الفصلين السابقين، حاول الأسد في البداية تملّق رؤساء الدول الغربية بتصوير الانتفاضة الشعبية ضده في 2011 باعتبارها ثورة يقودها الإرهابيون. وعندما فشل ذلك، أطلق الأسد سراح بعض المتطرفين الإسلاميين الذين حاربوا القوات الأميركية في العراق سابقاً من السجون، ثم نظّم هجمات وهمية على بعض المؤسسات الحكومية، واتهم الإرهابيين بتنفيذها.

وفي استراتيجيةٍ أبعد ما تكون عن مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، تجاهل الأسد إقامة التنظيم لدولةٍ داخل دولته، متخذاً الرقة عاصمةً لها، وترك مهمة مواجهة المتطرفين الإرهابيين للولايات المتحدة والأطراف الأخرى.

نص التقرير

في ربيع عام 2012، عبرت مئات من عناصر الميليشيات الإسلامية الحدود من العراق إلى شرق سوريا تحت أعين الجهاز الأمني المشدّد لنظام الأسد. وعند وصولهم، تلقت أجهزة المخابرات السورية مجموعتين من التعليمات.

كانت إحدى هاتين المجموعتين تعليمات مكتوبة، وتضمّنت أسماء ومعلومات عن الجهاديين، مرفق معها تعليمات تأمر باعتقالهم وقتلهم.

لكن هذا لم يكن إلا تمويهاً. وبينما وزّع النظام مجموعةً من التعليمات يأمر فيها بقتل هؤلاء الجهاديين، أرسل النظام سراً مبعوثين رسميين برسالة مغايرة.

قال محمود النصر، وهو مسؤول سابق بالمخابرات شمال سوريا انشقّ في أكتوبر/تشرين الأول عام 2012، إنَّ هؤلاء المبعوثين “أتوا من مقر القيادة، وعقدوا اجتماعات خاصة بجهاز المخابرات، وأمرونا بالابتعاد عنهم وعدم لمسهم”.

وقال النصر إنَّ الجهاديين قدموا إلى سوريا في مجموعاتٍ من 3 أشخاص، وأحياناً 5، ثم أصبحوا مئات. وأضاف قائلاً: “وصلوا إلى سوريا ثم بدأ كل منهم بإحضار أصدقائه”. انضم أغلب هؤلاء الجهاديين إلى جبهة النصرة، وهي جماعة أعلنت انتماءها للقاعدة في أبريل/نيسان عام 2013، وانقسمت بعدها إلى مجموعتين، جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). بينما انضم بعض الجهاديين المتسللين إلى سوريا لتنظيم أحرار الشام، وهي جماعة إسلامية ثالثة أكثر اعتدالاً.

تسلّط هذه التعليمات المتناقضة الضوء على العلاقة الخفيّة بين نظام الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). إذ يزعم الأسد أن المعارضة السياسية المحلية ضده تتكون بأكملها من الإرهابيين العازمين على تدمير الدولة السورية، ويناشد بانتظام المجتمع الدولي طالباً المساعدة في حربه ضد الإرهاب. لكن النظام السوري في الحقيقة سهّل صعود وتوسّع الجماعة الإرهابية الحقيقية في سوريا: تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

لكن هذا التحقيق الذي استمر عامين يكشف صورةً أكثر تعقيداً، إذ يبدو أن نظام الأسد قد نفَّذ عملياتٍ بالتعاون مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بينما حاربه في مراتٍ أخرى، ما كبَّده خسائر فادحة.

وقال مسعود بارزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، في مقابلةٍ حديثة مع صحيفة “ديلي بيست” الأميركية إنَّه “أحياناً هم حلفاء، وفي أوقاتٍ أخرى هم أعداء. أحياناً يتعاونون معاً، وأحياناً يقاتلون بعضهم البعض. إذاً ما هو النمط المتّبع؟ الله وحده يعلم”.

علاقة طويلة المدى

ما أصبح واضحاً هو أن علاقةً طويلة المدى تربط بين نظام الأسد والدولة الإسلامية، يعود تاريخها لحرب العراق، عندما ساعدت سوريا آلاف المتطوعين على دخول العراق عبر حدودها لمحاربة الاحتلال الأميركي. سجن النظام السوري أكثر من 1000 جهاديّ عقب عودتهم من العراق، لتطلق سراحهم مرة أخرى عام 2011 أثناء قيام السوريين بثورة ضد النظام، كثير من هؤلاء أصبحوا اليوم قادة في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

كانت الخطة العامة هي تسهيل تحركات الجهاديين، مع الحفاظ على قدرٍ كافٍ من الاشتباكات تسمح للنظام بادعاء محاربته لهم.

وعقب وصولهم عام 2012، أدار النظام وجهه عن استيلاء المتطرفين على قواعد حكومية. كما سمح لقوافل الجهاديين بالعبور ذهاباً وإياباً بين سوريا والعراق، ولم يحرّك ساكناً لمنع التنظيم من إرسال أسلحة إلى العراق، وهو ما ساعد التنظيم بالعراق في الاستيلاء على الموصل في يونيو/حزيران عام 2014.

والآن، يقصف النظام السوري قرى خاضعة لحكم التنظيم ببراميل متفجّرة، لكنها تستهدف المدنيين عادةً. بينما يسود الهدوء على خط الجبهة بين الطرفين.

وقالت كارين فون هيبل، وهي مسؤولة سابقة بوزارة الخارجية الأميركية كانت تعمل على القضية السورية لست سنوات حتى نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015، إنَّه “عموماً، كان النظام السوري يتجاهل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)”.

وأضافت: “ستجد صعوبةً في إيجاد حوادث لهجوم النظام على التنظيم، والهجمات المتفرقة التي نفّذها النظام استهدفت المدنيين أكثر من مقاتلي التنظيم”.

وكانت فان هيبل، التي تدير الآن المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث يقع بمدينة لندن، تستخدم اسماً بديلاً لتنظيم الدولة الإسلامية، إذ كانت تسميه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (ISIL) بدلاً من الاسم الشائع الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (ISIS).

وذهب وزير الخارجية الأميركي جون كيري لمدى أبعد، عندما قال في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 إنَّ الرئيس السوري بشار الأسد، الذي أطلق سراح 1500 سجين من الجهاديين، هو من أوجد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ومعه رئيس الوزراء العراقي السابق نور المالكي، الذي أطلق سراح 1000 آخرين.

وقال كيري عقب هجمات باريس الإرهابية إنَّ الأسد أراد بهذا أن يقول “إما أنا أو الإرهابيين”.

وفي مارس/آذار، وجّه النظام السوري اهتمامه تجاه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتمكن بمساعدة القصف الجوي الروسي الذي استمر أسابيع، والمساعدة الوفيرة التي قدمتها ميليشيات حزب الله اللبنانية، من استعادة السيطرة على مدينة تدمر.

ومع ذلك، هناك العديد من الأمثلة على حوادثٍ سهّل فيها النظام استيلاء المتطرفين على مناطق خاضعة لسيطرة قوات الثوار. ولعب مسؤولون بحكومة العراق، التي يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وحلفاؤه السنيون على ما يقترب من ثلث مساحتها، دوراً أساسياً لصالح الأسد في صعود التنظيم بسوريا.

قال سعيد الجياشي، الذي كان آنذاك عضواً في جهاز الأمن الوطني العراقي، إنَّ الأسد “ساعد في إنشاء الطريق الذي استخدمه الإرهابيون من كل أنحاء العالم للقدوم عبر سوريا لمحاربة الأميركيين في العراق”. وكان الجياشي يشير إلى فترةٍ ترجع لعشرة أعوام، توافد فيها متطوعون جهاديون أجانب على العراق لقتال القوات الأميركية. وأضاف قائلاً “لاحقاً استُخدمت نفس الطرق لجلب الإرهابيين إلى سوريا”.

وأكد: “أومن شخصياً بأن هناك مستوى من التنسيق بين الطرفين”، ومع ذلك اعترف بأنه لا يعرف كيف نُفذ ذلك المخطط.

الخطوة الأولى في الصعود

كانت الخطوة الأولى في صعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في أكتوبر/تشرين الأول عام 2011، عندما أرسل أبوبكر البغدادي، الذي كان قائد تنظيم القاعدة في العراق آنذاك، محمد الجولاني، أحد قادة الميليشيات، إلى سوريا لتشكيل جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا.

ثم في ربيع عام 2012، بدأ وصول الجهاديين إلى سوريا، وقال نبيل دينال، وهو سوري من شرق سوريا انشق عن الحكومة في يونيو/حزيران عام 2012، إنَّ النظام “علم بوصول الجهاديين، وعلم بتواجدهم في المناطق الريفية، وأنهم يتحركون عبر القرى، لكنه لم يستهدفهم”.

وقال النصر، مسؤول المخابرات السابق من شمال شرق سوريا، إنَّه “في بعض الحالات، كنّا نقدّم اسماً لأحد رؤسائنا في القيادة، ونقول إنَّ هذا الشخص موجود داخل مناطقنا. لكنني لم أكن أتلقى أية أوامر من القيادة لمراقبته. ولم يكن النظام يوفر أية معلومات أكثر عن هذا الشخص”.

تعرّف زعماء القبائل في المناطق الحدودية على المقاتلين العائدين إلى سوريا، بحسب سلمان شيخ، المدير السابق لمركز أبحاث بروكينغز في قطر، الذي اجتمع مع شخصيات سورية بارزة بانتظام لرسم صورة واضحة لمستقبل البلاد. وقال: “كانوا قد رأوا هؤلاء الأشخاص يعبرون خارج الحدود بين عامي 2003 و2005، والآن رأوهم بأم أعينهم مرة أخرى، ورأوا أنهم لم يعودوا فحسب، بل قوبلت عودتهم بشيءٍ من الترحاب. ولم يتصدى لهم أحدٌ من الحكومة”.

وفي أواخر عام 2012، عندما صنّفت الولايات المتحدة جبهة النصرة كمنظمة إرهابية، كانت قد تحوّلت إلى قوة مقاتلة فعّالة ضد النظام.

وأعلن البغدادي تشكيل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في أبريل/نيسان عام 2013، لكن الجولاني، الذي تمتع بدعمٍ شعبي محلي نتيجة معارضته للنظام، رفض وقف نشاط جبهة النصرة. ووُلدت عداوة مريرة بين الجماعتين.

وبعد وقتٍ قليل، بدأ البغدادي بإحكام سلطته على شرق وشمال سوريا. وفي مايو/أيار من نفس العام، استولى على الرقة من سيطرة قوات جبهة النصرة، وبدأ بالاستيلاء على مدن شمال سوريا من الثوار المعتدلين المدعومين من قبل أميركا. توسّع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) سريعاً بفتح أبوابه أمام المتطوعين من الجماعات الإسلامية أقل تطرفاً، والمتطوعين من خارج البلاد، وذلك لتعزيز أعداد قواته.

دولة داخل الدولة

مر التنظيم بمواجهات قليلة، إن وُجدَت، مع الجيش السوري، الذي استمر بإدارة قاعدة عسكرية كبرى خارج الرقة. حتى بعد أن رفع التنظيم أعلاماً سوداء ضخمة على مقار حكومية سورية، وجعل الرقة عاصمة لدولته الإسلامية المزعومة، وأعلن سيادته على المنطقة، لم تستهدف طائرة سورية واحدة أياً من تلك المواقع.

ومن داخل مقره في الرقة، أدار تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) نفسه كدولة داخل دولة. قدّمت لمواطنيها أكثر نسخ القانون تطرفاً، ونفّذت مجموعة من الإعدامات العلنية، واضطهدت السكان المسيحيين حتى فرّوا منها. وفي تطوّرٍ مشؤوم أرسل التنظيم أسلحة ومقاتلين ومؤونة لقواته في مناطق أخرى في سوريا، ومن وإلى العراق، بينما وقف الجيش السوري مراقباً فحسب لما يجري.

وبينما استمر التنظيم في إحكام سيطرته على شمال سوريا، أعلن شنّ هجوم عسكري ضد الثوار المدعومين من قبل الغرب، الذي سماه باسم عملية “نفي الخبث”. واستولى التنظيم على المعبر الحدودي الرئيسي الذي اعتمد عليه الثوار للحصول على إمدادات الغرب والخليج من الأسلحة والمعدات، وهاجم قواعد ونقاط تفتيش الثوار، واختطف مراسلين سوريين وأجانب ليطلق سراحهم مقابل فدية. واغتال التنظيم أيضاً بعض القيادات بقوات الثوار، واختطف آخرين، ثم قدّمهم للمحاكمة وأعدمهم علنياً.

استسلام وانسحاب الجيش السوري

عندما انضم أبو خليل، حارس الأمن السابق بجامعة حلب، والذي كان يبلغ حينها من العمر 26 عاماً، إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في أواخر ربيع 2013، كان يأمل أن تكون أسلحة التنظيم، وأمواله، وقوته العددية قد جعلته خصماً أقوى لحكومة الرئيس بشار الأسد من أحرار الشام، وهي الجماعة الإسلامية السورية التي كان ينتمي إليها سابقًا.

قضى أبو خليل شهراً واحداً من التدريب الأساسي بالتنظيم، وكان يرتدى حزاماً ناسفاً محمّلاً بمادة “تي إن تي” المتفجرة عندما شارك في معارك الاستيلاء على قواعد الحكومة السورية العسكرية. لكنه رفض مبايعة الأمير المحلي للتنظيم وأبو بكر البغدادي، وتقديم ولائه الأبدي لهما.

وأضاف أبو خليل، المقاتل السابق في سوريا، والذي طلب أن يُعرَّف بلقب “أبو خليل” بغرض الحماية، “بقيت معهم لمدة 6 أشهر، لكني لم أفهم شيئاً عنهم. لم أفهم أهدافهم ومطالبهم السياسية. وبالنسبة للبغدادي، لم أكن أعرفه، إذاً كيف أبايعه؟”.

حيّرت أبو خليل، الذي أجريت معه المقابلة في ديسمبر/كانون الأول عام 2014 في شقة صديق بمدينة الريحانية جنوبي تركيا، السهولة التي استولت بها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على القواعد العسكرية. قال: “أحياناً كنت أشعر بأن الجيش السوري كان يستسلم وينسحب بلا قتال. هل كانوا خائفين من القاعدة لأن مقاتلي القاعدة يرتدون أحزمة ناسفة؟ أم كان هناك تعاون بينها وبين النظام؟ لم أجد إجابة لسؤالي. ويظل هو السؤال الأهم حتى الآن”.

كان ثلثا مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أجنبيين، طبقاً لكلام أبي خليل، الذي قال إنَّه كان تحت قيادة أمير تونسي مع مقاتلين من الشيشان، وإسبانيا، وألمانيا، وتركيا، والأردن، والعراق، والخليج، وشمال إفريقيا. وكانت التعليمات في المعسكر الذي تدرّب فيه تُلقَى باللغة الإنكليزية، لكنها كانت تُترجّم إلى اللغة العربية.

وقال إنَّهم “كانوا إذا رأوا شخصاً يدخّن سيجارة أو لحيته قصيرة، يقولون إنَّه كافر ويهدّدونه بقطع رأسه”. ووصف أمير التنظيم جبهة النصرة، وهي الجماعة التي كانوا قد انفصلوا عنها مؤخراً، بالمرتدين، ومنع الاتصال بعناصرها.

في سبيل جذب المقاتلين الأجانب، كان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يقدم فوائد مادية للمنضمين، منها مرتّب شهري، والأهم، زوجة. وقال أبو خليل: “يأتي المقاتلون ويتزوجون مباشرة. ثم يشترون سيارات يحصلون عليها بأسعار زهيدة”.

وقال إن التنظيم كان يدفع مهر الزوجة السورية للمقاتل، والذي يكون عادةً بحدود 1000 دولار، لكنه يعطيهم أكثر من ذلك، بمقدار يصل إلى 4000 دولار، وقال إنَّ القيادة كانت تقدّم لهم الدعم والأموال، لكنها كانت تستثني مقاتليها السوريين من هذا الرخاء، وهو أحد أسباب انفصال الكثير من السوريين عن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وكان بينهم أبو خليل، الذي ترك التنظيم في سبتمبر/أيلول عام 2013.

كان أحد أكبر ألغاز ذلك الوقت هو كيف تخلَّص التنظيم في الأسلحة التي كان يستولي عليها. قال أبو خليل عن ذلك “عندما كنا نحصل على غنائم من القواعد العسكرية، لم نكن نراها بعدها أبداً”. ولاحقاً علم أبو خليل أن معظم الأسلحة التي استولى عليها التنظيم أُرسِلت إلى العراق.

مدينة الباب

إحدى الأمثلة المبكِّرة على دعم نظام الأسد لتوسُّع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من خلال القوة العسكرية كان في مدينة الباب، التي تقع شمال حلب، واستولى عليها التنظيم في سبتمبر/أيلول عام 2013.

قال عصام آل نايف، والذي كان حينها يقاتل ضمن صفوف كتائب لواء التوحيد التابع للجيش السوري الحر، ويعيش الآن في مدينة نيزيب جنوب تركيا، عن سقوط المدينة في يد التنظيم “كان لدينا 500 مقاتل بالمنطقة، واحتجنا إلى الدعم في مدينة الباب”.

أرسل بعدها الثوار تعزيزاتٍ من مدينة منبج القريبة، وأرسل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أيضاً قافلةً من منطقة كويرس، والقريبة من إحدى القواعد الحكومية في الغرب. وأضاف عصام: “تمكننا من اعتراض مكالمةٍ لاسلكية تأمر القوات الجوية بقصف القافلة القادمة من منبج”.

قُتِلَ في هذا القصف 25 مقاتلاً من قوات الثوار. لكن قافلة التنظيم استمرت نحو المدينة بلا أية مقاومة، وهجر الثوار حينها مدينة الباب. (تمكنت القوات الكردية السورية، مدعومةً من قبل الهجمات الجوية الأميركية، وقوة كونتها أميركا من القبائل العربية بالمنطقة، مؤخراً من طرد التنظيم من مدينة منبج).

وفي أواخر عام 2013، كان العديد من السوريين الذين يقاتلون ضمن صفوف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مقتنعين بأن التنظيم يتعاون مع حكومة الأسد. وفي مقطعٍ مصور طويل نُشِرَ على موقع “يوتيوب” في مارس/آذار 2014، رياض عيد، أحد المقاتلين السابقين ضمن صفوف التنظيم، الذي ذكر في المقطع أنه من مدينة مارع في محافظة حلب، استشهد بعدة حالات وقفت فيها قوات التنظيم تشاهد قوات النظام السوري وهي تستولي على مدينة تلو الأخرى من قوات المعارضة المعتدلة.

وقال عيد، الذي لم يمكن التواصل معه لاختبائه حالياً، إنَّه كان كلما يحث زملائه في التنظيم على قتال قوات النظام، كان الرد يأتيه بالرفض، ويقولون له: “لا، لا يا شيخ. هناك ما يكفي من المجاهدين لقتالهم. هناك جبهة النصرة، وهي كافية لخوض هذا القتال”.

وأضاف أنَّه عندما كانت مدينة السفيرة، إحدى المدن الكبرى في جنوب حلب، على وشك السقوط في أواخر أكتوبر/تشرين الأول عام 2013، كان مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذين كان يبلغ عددهم 500 مقاتل، يشاهدون من بعيد ولا يفعلون شيئاً. وعندما أرسل لواء التوحيد، وهو جزء من تكتل الجبهة الإسلامية، بعض التعزيزات إلى المدينة، منعها التنظيم من الوصول. وقال عيد: “عندما سألت عن سبب ذلك، قالوا إنَّ طلب المساعدة من المرتدين أمر محظور”.

أدى استيلاء قوات النظام على المدينة إلى نزوح سكانها، الذين كان يبلغ عددهم حوالي 130 ألف شخص، وذلك طبقاً لمنظمة “أطباء بلا حدود”. وتمكن النظام نتيجة لسيطرته على المدينة من التحكم بشكلٍ كامل في مصانع الأسلحة بها، التي بدأت بعدها بفترةٍ قصيرة في إنتاج البراميل المتفجرة، والتي استخدمها النظام لقصف حلب خلال عام 2014.

كما سقطت معظم محافظة الحسكة شمال شرق سوريا في يد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في فبراير/شباط ومارس/آذار عام 2014، وذلك بعد أن أرسل التنظيم قواته في قافلةٍ تكونت من 300 مركبة من بلدة الشدادي، وهي القافلة التي لم تتعرض لها الطائرات السورية الحربية، طبقاً لنصر، المسؤول السابق بالاستخبارات.

مواجهات مباشرة

كانت المواجهات المباشرة بين قوات التنظيم وقوات الأسد نادرة نسبياً. وفي يوليو/تموز 2014، بدأت القوات الجوية التابعة لنظام الأسد في قصف بعض المنشآت التابعة للتنظيم، وفي الشهر التالي، اجتاح التنظيم آخر القواعد العسكرية التي يسيطر عليها النظام السوري خارج مدينة الرقة، وأعدم مئات الجنود السوريين.

بعض الأدلة على التواطؤ بين النظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هي أدلة ظرفية، مبنية على فشل الأسد في مواجهة توسُّع جبهة النصرة ومن بعدها تنظيم الدولة الإسلامية. وبعض هذه الأدلة يستند إلى معلومات استخباراتية.

إذ قال أحد المسؤولين الأتراك رفيعي المستوى في لقاءٍ بمدينة أنقرة إنه تمكن من اعتراض مكالمة لاسلكية يخبر فيها أحد القادة العسكريين السوريين مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بضرورة إخلاء إحدى المناطق قبل السادسة صباحاً، وذلك لأن القصف الجوي على المنطقة سيبدأ في هذا الوقت. وفي مكالمةٍ أخرى تم اعتراضها أيضاً، كان أحد القادة بالنظام يقترح مكافأة التنظيم على تعاونه مع النظام.

وقال المسؤول التركي إنَّه “إن نظرت إلى الطريقة التي تسير بها الأمور، لم يقم النظام السوري أبداً بقصف أية منطقة يتحكم بها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). كانوا يقصفون المناطق دائماً بعد رحيل مقاتلي التنظيم، أو قبل بداية هجوم قوات التنظيم على المنطقة”.

“شراكة خلف الكواليس”

وعلق أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء التركي السابق، مبكراً هذا العام على فكرة التعاون بين النظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قائلاً إنَّ “هناك شراكةٌ تجري خلف الكواليس بين النظام السوري وبين التنظيم”.

وقد ثبتت صحة هذا التعليق الذي أدلى به داود أوغلو على أرض المعركة.

عندما قصفت قوات النظام السوري مدينة الرقة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014، أغفلت في قصفها كل الأهداف العسكرية الكبرى التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وقتلت بدلاً من ذلك عشرات المدنيين، وذلك طبقاً للمراقبين المعارضين للحكومة السورية. وعندما هاجمت قوات التنظيم القواعد العسكرية التابعة للنظام السوري، وأعدمت القوات التي أسرتها، كانت قوات الأسد بطيئةً في الرد على هذه الهجمات، وكانت هجماتها غير فعَّالة.

وفي مدينة الباب، التي كانت خاضعةً أيضاً لسيطرة التنظيم شمالي سوريا، قصفت الطائرات الأميركية مقراً لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في 28 ديسمبر/كانون الأول 2014، وقتلت فقط مجموعة من المدنيين المُحتَجَزِين بالمقر عن طريق الخطأ. وبعدها بأيام، قصفت طائرات القوات الجوية السورية أجزاءً عديدة من المدينة، لكنها، طبقاً للمواطنين بالمدينة، لم تستهدف أياً من منشآت التنظيم هناك. واستمر النظام فقط في قصف الأهداف المدنية في مدينة الباب.

وعندما هاجمت قوات التنظيم مدينة تدمر القديمة في مايو/أيار عام 2015، أخلى الجيش السوري معظم قواعده العسكرية بالمدينة قبل الهجوم، ولم يدافع عن المدينة سوى بشكلٍ متواضع، وسمح بوقوع مخازن الأسلحة الخاصة به في يد التنظيم. وأثناء ذلك، كان النظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يتشاركان في أكثر حالات التعاون وضوحاً في سوريا.

إذ إنه في ربيع عام 2015، وبينما كانت قوات النظام تترنح بسبب خسائرها الكبيرة في شمال سوريا، تواصل النظام السوري مع التنظيم لتغيير الموازين على ساحة المعركة.

كانت قوات الثوار قد استولت حينها على محافظة إدلب بالكامل، واستولى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مدينة تدمر، ولم يكن الجيش السوري المُحبَط، الذي كان يتراجع حينها بسبب هزائمه المستمرة، قادراً على استعادة أياً من المدينتين.

وبعد اجتماعٍ بين النظام السوري وممثلي التنظيم في إحدى منشآت الغاز الكبرى في مدينة الشدادي شرق سوريا في 28 مايو/أيار، انطلقت قوافل جيش التنظيم من مدينة الرقة، ومدنٍ أخرى تحت سيطرة التنظيم، باتجاه مدينة مارع، التي تقع شمالي حلب، على إحدى طرق الإمداد الهامة من تركيا.

وبعد قيام طائرات الجيش السوري بقصف مواقع قوات المعارضة المعتدلة، تحرك مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) باتجاهها لاحتلالها. واستطاعت حينها قوات التنظيم السيطرة على حوالي ثلث المدينة، قبل أن تصل تعزيزات قوات الثوار وتهزم قوات التنظيم وتجبرها على التراجع.

وأكد أحد المسؤولين الأميركيين هذا التعاون.

تأكيد أميركي

وقال أحد المسؤولون بوزارة الدفاع الأميركية، والذي تحدث بشرط عدم ذكر اسمه، إنَّهم قد رأوا “قوات الأسد توفر الدعم الجوي لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). لابد أن هناك اتفاقاً ما بينهما. وقد حدث هذا أكثر من مرة”.

وكشف مسؤولو الأمن الأتراك تاريخ، وموقع، وهويات المشاركين بهذا الاجتماع، واستطاع أحد المراسلين تأكيد التفاصيل الأساسية بخصوصه.

كان هجوم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مدينة مارع في يونيو/حزيران 2015، والذي دعمته قوات النظام، ضربةً مذهلة. أرسل التنظيم القوافل التي تكونت من حوالي 60 مركبة من عدة أماكن بشمال سوريا للوصول إلى المنطقة الحدودية، ووصلت حتى كان بينها وبين المعبر بين سوريا وتركيا حوالي 6 أميال. لكن قوات الثوار اتجهت من عدة مناطق إلى مدينة مارع، ومنعت التنظيم من قطع الطريق القادم من تركيا، والذي تتدفق من خلاله المساعدات العسكرية والإنسانية إلى حلب.

ومن الأمثلة الحديثة لهذا التعاون الواضح بين قوات النظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ما حدث في أكتوبر/تشرين الأول 2015، عندما اضطرت قوات الثوار للانسحاب من مدرسة المشاة السابقة بشمال حلب، التي استولى عليها الثوار في ديسمبر/كانون الأول عام 2012. إذ شنت قوات التنظيم هجوماً عنيفاً على الموقع باستخدام الدبابات والمدفعية الثقيلة والسيارات المُفَخَّخة، لكنها لم تستطع السيطرة عليه، وذلك طبقاً لأحد المتحدثين باسم كتيبة الصفوة، إحدى الفصائل المقاتلة في سوريا.

وبعد ذلك، وأثناء قيام طائرات النظام السوري بقصف المدرسة، تحركت قوات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) حول المدينة لقطع طريق الهرب على قوات الثوار. وبعد مقتل عدد كبير منها، وصل إلى حوالي 70 فرداً، اضطرت قوات الثوار إلى الانسحاب من مواقعها بالمدينة وتركها للتنظيم، والذي سلمها بعدها إلى قوات النظام السوري.

وفي فبراير/شباط الماضي، جمع الثوار بعض الأدلة والصور التي تثبت أن النظام وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بينهما اتفاقٌ فعَّال بعدم الاعتداء. إذ قال أسامة أبو زيد، المستشار القانوني للمعارضة السورية، إنَّه عندما استخدم الثوار طائرات بدون طيار لتصوير الجبهة التي تمتد إلى 35 ميلاً بين قوات الأسد وبين قوات التنظيم، اكتشفوا عدم وجود تحصينات على الجانبين، وعدم وجود أية أدلة على حدوث اشتباكات بين الطرفين.

وأضاف: “كان هناك عددٌ قليل من المقاتلين على جانبي الجبهة، لكن العدد كان أقل جداً من أن تكون هناك حربٌ بين الطرفين”.

وقال أسامة إنَّ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يستمر في استخدام السيارات المٌفَخَّخة، سلاحه المفضل، ضد قوات المعارضة المعتدلة، لكنه لا يستخدمها ضد قوات الأسد أو حلفائه، أو حتى ضد الميليشيات الكردية، والمعروفة باسم وحدات حماية الشعب، التي تتحالف معها الولايات المتحدة الأميركية. وأثناء هجوم قوات النظام بمساعدة الطائرات الروسية لإنهاء حصار الثوار لمدينتي نبل والزهراء، لم يطلق التنظيم رصاصةً واحدة.

ويعتقد بعض المراقبين أن هذا التعاون الواضح بين قوات النظام وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لن يستمر للأبد. لكنهما، في الوقت الراهن، يعملان جنباً إلى جنب.

ويرى بسام بربندي، الدبلوماسي الروسي السابق والمقيم بواشنطن حالياً، إنَّ سبب هذا التعاون بين النظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) واضح، ويقول إنَّ “كلا الطرفين يعلمان أنه لا يمكن لكلاهما البقاء، لكنهما يريان أنه قبل الوصول إلى الخطوة الأخيرة في الحرب، يجب عليهما أن يقتلا كل المعتدلين. وهذا هو الأمر الذي يعمل فيه الطرفين معاً بشكل وثيق”.

هذا الموضوع مترجم عن موقع The Daily Beast الأميركي. للاطلاع على المادة الأصلية:

http://www.thedailybeast.com/articles/2016/12/05/how-isis-returned-to-syria.html