مقالات

مجلس العلاقات: تصنيف بريطانيا لحركات المقاومة بالإرهاب انتهاك للقانون الدولي

عبر مجلس العلاقات الدولية – فلسطين عن إدانته الشديدة لقرار وزيرة الداخلية البريطانية تصنيف حركة حمااس بالإرهاب، في انتهاك واضح لحق الشعوب في مقاومة الاحتلال.

وقال المجلس في بيان صدر عنه السبت إن قرار الوزيرة بريتي باتيل وقوف الى جانب الاحتلال والظلم والعنصرية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني منذ عقود طويلة.

بدلًا من التراجع والاعتذار عن وعد بلفور، على حد تعبير المجلس في بيانه، تُصر بريطانيا على المضي قدمًا في ترسيخ أقدام الاحتلال الإسرائيلي، محبطة أي محاولات للتوصل لحل لهذا الصراع.

ودعا المجلس البرلمان البريطاني لعدم المصادقة على هذا القرار، بل الاعتراف بالدولة الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال كما أكدته المواثيق والشرائع الدولية.

وكانت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل قد أعلنت أنها شرعت في اتخاذ اجراءات باعتبار حركة حمااس “تنظيم ارهابي” وستعمل على استصدار قانون من البرلمان البريطاني يصنف حركة (حمااس) منظمة “إرهابية”، وهو ما رحبت به “إسرائيل” على الفور، بينما اعتبرته حمااس “مناصرة للمعتدين على حساب الضحايا”.

مجلس العلاقات: قرار حزب العمال تاريخي وينسف الجهود الصهيونية لتبييض صورة الاحتلال

رحب مجلس العلاقات الدولية – فلسطين بتصويت أعضاء المؤتمر السنوي العام لحزب العمال البريطاني على قرار يؤيد استخدام العقوبات ضد “إسرائيل”، ويدعو إلى الاعتراف الفوري بدولة فلسطين.

وقال المجلس في بيان صدر عنه اليوم الاثنين إن هذا الحدث هو تحول مفصلي في تاريخ علاقة بريطانيا مع القضية الفلسطينية، خاصة أن يأتي من حزب رئيسي قد يشكل الحكومة في الفترة المقبلة.

وعن الجهود الصهيونية الدؤوبة في تشويه الفلسطينيين، قال المجلس إن هذه المحاولات لن تنجح في تغيير الحقائق وقرار حزب العمال الأخير خير دليل.

وجاء في البيان: “يرحب المجلس بهذا القرار، ونشكر كل من صوت بنعم، ونعتبر القرار إضافة قوية للاجماع الدولي الذي بات يتشكل ويرى أن دولة الاحتلال تمارس فصلًا عنصريًا يجب محاربته.”

ودعا المجلس في ختام بيانه جميع الأحزاب البريطانية إلى اتخاذ القرارات نفسها، فهي ينسجم مع القانون الدولي وإرادة الشعوب الحرة، وتعبر عن التضامن مع الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال وجرائمه.

وكان أعضاء حزب العمال قد صوتوا بأغلبية واضحة مع قرار يدين “النكبة المستمرة في فلسطين، وهجوم اسرائيل العسكري على المسجد الأقصى، والتهجير المتعمد في الشيخ جراح، وحرب إسرائيل على غزة”، ويرحب بتحقيق المحكمة الجنائية الدولية في جرائم إسرائيل.

مجلس نواب اليهود البريطانيين يضع 10 شروط كارثية تستهدف التضامن الفلسطيني

مجلس نواب اليهود البريطانيين يضع 10 شروط كارثية تستهدف التضامن الفلسطيني

بقلم جوناثان أوفير (13 يناير 2020)

ترجمة: مجلس العلاقات الدولية – فلسطين

استدعت خسارة جيرمي كوربن في الانتخابات البريطانية الأخيرة احتفال مؤيدي إسرائيل بهذا الحدث، فقد صرح جو غلاسمان – رئيس التحقيقات السياسية والحكومية في الحملة ضد معاداة السامية – قائلًا: “ذُبح الوحش”، يُذكر أن منظمة غلاسمان هي “مجموعة ضغط مؤثرة مناهضة للفلسطينيين”
وكان غلاسمان يبث فيديو هانوكا متعطشًا للدماء قارن فيه جيرمي كوربن مع أنطيوخوس الرابع، الملك الإغريقي الذي ثار عليه المكابيون، وهنّأ غلاسمان أتباعه قائلًا: “لقد نجحنا أيها المكابيون، قولًا وفعلًا، بالاحتجاج والتغريد، بمساعدة جواسيسنا وعملائنا.”
يُعد هذا جنونًا لحد كبير ولكن انتظر، فالأمر لم ينته عند هذا الحد.
يتبع الآن مجلس نواب اليهود البريطانيين سياسة الأرض المحروقة التوراتية لضمان ألا يهدد شيء من قبيل جيرمي كوربن الصهيونية على الإطلاق.
يتنافس حاليًا ستة مرشحين ليحلوا محل كوربن كزعيم في انتخابات تُختتم في الرابع من أبريل، وقد أطلق مجلس النواب اليهودي “عشر تعهدات لإنهاء أزمة معاداة السامية”، أو كما أوضح المجلس: “عشر نقاط أساسية نعتقد أن على حزب العمال البدء بها من أجل إصلاح علاقته مع المجتمع اليهودي.”
يكشف العنوان لوحده بالطبع الطبيعة الوهمية للوثيقة بأكملها بما أنه ليس هناك “أزمة معاداة للسامية” بالفعل في حزب العمل. فقد اختلقت هذه الفكرة بأكملها جماعات المصالح الصهيونية وضخمتها عبر الصحافة السائدة الراغبة في ذلك.
يسعى مجلس النواب اليهودي إلى ضمان هيمنة الخطاب حول معاداة السامية من خلال التجنيد الكامل لتعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة النازية لمعاداة السامية، وهي وثيقة IHRA التي تجمع بين نقد إسرائيل المعروف ومعاداة السامية.
من شأن هذه التعهدات أيضًا أن تجعل من الحركة اليهودية داخل حزب العمال وهي منظمة صهيونية، الجهة الحصرية التي تقدم نشاطات تدريبية ضد معاداة السامية، مستبعدةً المنظمات اليهودية التقدمية مثل الصوت اليهودي من أجل العمال، والتي يصنفها مجلس النواب اليهودي ضمن “المنظمات الهامشية” (جويش كرونيكل هو من وضع هذا التصنيف وليس مجلس النواب اليهودي)، ومستثنيةً كذلك إمكانية انضمام الأعضاء المدانين إلى حزب العمال أو تأييدهم في المستقبل.

فيما يلي القائمة التي تم وضعها:
1.حل الحالات العالقة: يجب إنهاء جميع الحالات العالقة والمستقبلية بسرعة ضمن إطار زمني محدد.
2.جعل الإجراءات التأديبية للحزب مستقلة: يجب قيام جهة مستقلة بمعالجة جميع الشكاوى، والقضاء على أي خطر من الحزبية والفصائلية.
3.ضمان الشفافية: ينبغي إعطاء الأطراف المتأثرة الرئيسية في الشكاوى، بما في ذلك الهيئات التمثيلية اليهودية، الحق في الحصول على معلومات منتظمة ومفصلة للحالة، تحت بند السرية.
4.منع إعادة قبول الجناة البارزين: يجب أن يكون واضحًا أن الجناة البارزين الذين غادروا أو طُردوا من الحزب، مثل كين ليفنجستون وجاكي ووكر، لن يتم قبولهم أبدًا في العضوية.
5.عدم منح مجال للتعصب: يجب تعليق عضوية أي نواب أو نظرائهم أو مستشارون أو أعضاء الدائرة الانتخابية في حزب العمال يدعمون أو يقومون بحملة أو يمنحون مجالًا للأشخاص الذين تم تعليقهم أو طردهم في أعقاب الحوادث المعادية للسامية.
6.تبني التعريف الدولي لمعاداة السامية دون قيد أو شرط: يجب تبني تعريف IHRA لمعاداة للسامية، بكل أمثلته وعباراته، ودون أي تحذيرات، بشكل كامل من قبل الحزب واستخدامه كأساس للنظر في القضايا التأديبية المعادية للسامية.
7. تقديم برنامج تعليمي مناهض للعنصرية يحظى بموافقة المجتمع اليهودي: يجب إعادة تنشيط الحركة العمالية اليهودية من قبل الحزب لقيادة التدريب على معاداة السامية.
8.التواصل مع المجتمع اليهودي من خلال مجموعاته التمثيلية الرئيسية: يجب أن يتعاون حزب العمال مع المجتمع اليهودي عبر مجموعاته التمثيلية الرئيسية، وليس من خلال المنظمات والأفراد الهامشيين.
9.التواصل بحزم: يجب أن تفسح العبارات العامة طريقًا لإدانة سلوكيات ضارة معينة – وعند الاقتضاء، إدانة أفراد معينين.
10.التحلي بالقيادة وتحمل المسؤولية: يجب على القائد أن يتحمل شخصيا مسؤولية إنهاء أزمة معاداة السامية.

يمكن النظر إلى بعض النقاط ظاهريًا على أنها تعالج المخاوف الحقيقية بشأن معاداة السامية واليهود. لكن كما يُظهر عنوان القائمة، فإن التركيز على القلق المفرط لليهود ليس حقيقي، بل استخدام هزيل لـ “معاداة السامية” من أجل القضاء على التضامن مع فلسطين وجعل الحزب أكثر وسطية وصهيونية.
وكانت ماري فان دير زيل – رئيسة مجلس النواب اليهودي – قد صرحت قائلة: “لقد دُمرت العلاقة بين حزب العمل والمجتمع اليهودي بشكل كامل، وهي التي كانت قوية جدًا في الماضي، إن أولئك الذين يسعون إلى قيادة حزب العمال سيؤيدون علنًا وبشكل كامل هذه التعهدات العشرة، مع التعهد في حال انتخابهم كزعيم أو نائب بالتزامهم بضمان اعتماد كل هذه النقاط. ”
وقد وقع خمسة من أصل ستة مرشحين في الفخ وأعلنوا اعتماد هذه الشروط الكارثية في غضون ساعات. وبحلول يوم إعلان مجلس النواب اليهودي لهذه الشروط، لوحظ أن كلايف لويس فقط لم يؤكد بعد الالتزام بهذه الشروط.
نرى هذا يحدث مرارًا وتكرارًا، في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، فأولئك الذين يظهرون تضامنًا مع الفلسطينيين يُشوهوا بصفتهم متشددين، ويتم ترهيبهم تحت مبرر “معاداة السامية”، والتي باتت تعني “أي شخص يتحدى التعصب اليهود “. الرسالة واضحة إلى أي شخص يفكر في قيادة حزب العمال، وهي: لا تعبث مع الصهيونية، وإلا سنهاجمك بقوة، بل وأسوأ من ذلك.

مصدر المقال:
https://mondoweiss.net/…/british-jewish-board-of-deputies-…/

مختص: “إسرائيل” تصنع من مبدأ معاداة السامية قبة حديدية ضد الانتقادات الموجهة لها

عقد “مجلس العلاقات الدولية – فلسطين” لقاءً حوارياً للحديث حول مبدأ معاداة السامية واستغلال إسرائيل له في إسكات منتقديها.

وعُقد اللقاء تحت عنوان ” العداء للسامية بين المبدأ والانتهازية: جيريمي كوربن كمثال” واستضاف المجلس من لندن عبر سكايب رئيس منتدى التواصل الأوربي الفلسطيني السيد زاهر البيراوي، وحضره عشرات المهتمين والنشطاء والشباب.

وبدأ اللقاء بكلمة ألقها رئيس المجلس الدكتور باسم نعيم رحب فيها بالضيف، وتطرق فيها للهجوم العنيف الذي تعرض له رئيس حزب العمال البريطاني جيرمي كوربن بسبب مواقفه الشجاعة الرافضة للخضوع للوبي الصهيوني ودعمه للشعب الفلسطيني.

من جانبه بدأ السيد البيراوي كلمته بتعريف مصطلح “السامية” والعداء لها موضحاً الفرق بين السامية والصهيونية واليهودية، مشيراً إلى أننا الفلسطينيين ليسوا أعداء لليهود بل إن صراعهم هو مع أولئك الذين احتلوا أرضهم وطردوهم من ديارهم.

 وتطرق البيراوي إلى قضية التوظيف السياسي لتهمة معاداة السامية في الوقت الراهن، مشيراً إلى أن هذا المصطلح ظهر قبل إنشاء دولة “إسرائيل” لتحفيز اليهود حول العالم للهجرة نحو فلسطين واحتلالها.

وقال البيراوي بأن “معاداة السامية” تم استغلالها من قبل “إسرائيل” لجلب المزيد من الدعم الخارجي لإسرائيل وزيادة هيمنتها في المنطقة، موضحاً بأن الكره المتزايد لـ “إسرائيل” جراء جرائمها ضد الفلسطينيين اضطرها لاستخدام المصطلح بقوة كوسيلة للتستر على هذه الجرائم وصرف النظر عن التغلغل الصهيوني في المنطقة.

أما بخصوص رئيس حزب العمال البريطاني، فقال البيراوي بأن اللوبي الصهيوني شن حملة شرسة ضد جيرمي كوربن واتهموه بالعداء للسامية والمشاركة في أنشطة مناصرة للفلسطينيين ودعم حماس والجهاد الإسلامي، وكان غرض هذه الحملة هي القضاء على مستقبله السياسي.

وفي نهاية كلمته أوصى السيد البيراوي عدوة توصيات للأوساط الداعمة للشعب الفلسطيني منها إنشاء دليل لمواجهة الدعاية الصهيونية وتكريس المفاهيم الصحيحة في الخارج والتفريق بين اليهودي الإسرائيلي المعادي للشعب الفلسطيني والمغتصب لأرض فلسطين وبين اليهود بشكل عام والمؤيدين للشعب الفلسطيني والذين يعملون بجهد كبير لنصرته بشكل خاص.

ووصى البيراوي بتوفير الموارد والمواد لدحض الرواية الصهيونية وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وضرورة الحرص في الخطاب السياسي وانتقاء المصطلحات والعبارات بعناية.

النفوذ الإسرائيلي في بريطانيا

النفوذ الإسرائيلي في بريطانيا

بريان كلاولي – (كاونتربنتش) 24/11/2017

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

في العام الماضي نشرت مجلة “فورين بوليسي” على موقعها الألكتروني مقالاً بعنوان “أفضل كونغرس تستطيع آيباك شراءه”، والذي أوضحت فيه أن لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية قادت تجمعاً موالياً لإسرائيل، “ربما يكون شبكة الضغط الأقوى والأفضل تنظيماً والأكثر فعالية في واشنطن العاصمة. وقد وزعت الشبكة الموالية لإسرائيل في دورة انتخابات 2015-2016 مُسبقاً نحو 4.255.136 دولار في شكل مساهمات”. ثم في آب (أغسطس) 2017، ذهب موقع “غلوبال ريسيرتش” أبعد وأعمق، فقال أن منظمة “آيباك” (سابقاً “اللجنة الأميركية الصهيونية”) تتمتع بقوة عالية ومتعددة التمويل والأوجه، وهي مجموعة ضغط سياسي تعمل بشكل حصري لصالح ستة ملايين إسرائيلي، وليس لرفاه وفائدة 320 مليون أميركي. وهي لا تؤثر على التشريع الأميركي فقط، وإنما تجمع مبالغ ضخمة من الأموال من أجل ضمان أن يشغل مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين أعضاء يدعمون الأجندة السياسية والاقتصادية لـ”آيباك” كأولوية تتجاوز الولايات المتحدة الأميركية في الأهمية”.

لا يمكن أن يكون هناك ما هو أوضح مما تقدم للدلالة على أن بلداً أجنبياً يتدخل بشكل درامي في حكومة الولايات المتحدة. لكن الأمور لا تقف عند ذلك الحد. لأنها حتى بريطانيا التي تعصف بها الأزمات، تتلقى هي الأخرى الاهتمام الزاحف لناشطي إسرائيل.

تعيش حكومة المملكة المتحدة في حالة فوضى، لأنها تفتقر إلى السلطة بشكل رئيسي نتيجة لانتخابات تلقى فيها حزب المحافظين الحاكم صفعة شديدة غير متوقعة في كبريائه وشعبيته. ومنذ ذلك الحين، ما يزال تردده وعدم كفايته يواجهان المزيد من التعقيدات، والتي تضمنت آخرها الاستقالات لوزيرين من أعضاء المجلس الوزاري، أحدهما لتورطه في تحرش جنسي، والأحدث، استقالة وزيرة المساعدات الخارجية، السيدة بريتي باتيل، لأنها كذبت على رئيسة الوزراء فيما يتعلق بزيارة قامت بها إلى إسرائيل.

اعترفت السيدة باتيل بأن تصرفاتها “كانت دون المعايير العالية المتوقعة من وزيرة دولة”، وهو ما حدث في حالتها بالتأكيد، لأنها كذبت؛ لكن مغامراتها منخفضة المعيار شملت فيما يبدو مجموعة من السلوكات المخادعة. وقيل إنها ذهبت في شهر آب (أغسطس) في “رحلة سرية إلى إسرائيل برفقة ناشط في حملات الضغط، وعقدت خلالها 12 اجتماعاً، بما فيها واحد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من دون إطلاع أي من (رئيسة الحكومة) ماي، أو وزير الخارجية، بوريس جونسون”. ومن الغريب أنها تصورت أن أجهزة المخابرات البريطانية لن تقوم بالإبلاغ عن تحركاتها واجتماعاتها في الإيجاز اليومي، لكن هذا لم يوقفها عن القول لصحيفة الغارديان أن “بوريس كان يعرف عن الزيارة. الفكرة أن وزارة الخارجية لم تعرف عن الزيارة، لكن بوريس عرف عن (زيارة إسرائيل). لم يعد الأمر مهماً، ليس مهما على الإطلاق. لقد ذهبت إلى هناك ودفعت الثمن وانتهى الأمر. إنه شيء غريب تماماً. يجب على وزارة الخارجية أن تتقدم هي وتشرح موقفها”.

ولكن لم تكن لوزارة الخارجية التي عليها شرح الأمور، لأن هذه كانت خديعة قذرة أخرى من سياسية صغيرة وضيعة –مهما كان السبب الذي تحاول أن تخفي من أجله دوافعها. لقد كان تأكيدها: “لقد ذهبت في عطلة وقابلت أناساً ومنظمات… الأمر لا يتعلق بمن قابلت أيضاً، لدي أصدقاء هناك”، كان غير صحيح، وقد اكتشفت وسائل الإعلام كمية كاملة من الخداع.

لم يقتصر الأمر على أنها عقدت دزينة من الاجتماعات مع “أصدقاء” في إسرائيل، لكن السيدة باتيل، كما كشفت صحيفة “ذا صن” يوم 7 أيلول (سبتمبر) “عقدت اجتماعاً مع وزير الأمن العام الإسرائيلي جيلعاد إيردان، لإجراء مباحثات في مجلس العموم. ثم، اجتمعت يوم 18 أيلول (سبتمبر) مع يوفال روتم، المسؤول الرفيع في وزارة الخارجية الإسرائيلية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. ولم تكشف السيدة باتيل النقاب عما جرى بحثه خلال تلك الاجتماعات. وكانت قد التقت بكلا الرجلين في تل أبيب في آب (أغسطس)…”.

كان قد رافقها في عطلتها الشرق أوسطية وسيط نفوذ إسرائيلي، هو اللورد بولاك، الذي حضر كل اجتماعاتها مع أفضل وألمع الشخصيات الإسرائيلية، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وسافر معها بولاك إلى نيويورك حيث سددت مؤسسة الاستشارات الإسرائيلية “إشرا” التي “تقدم طائفة واسعة من الخدمات للزبائن ثمن تذكرة سفره. كما كان بولاك حاضراً الاجتماع عندما أجرت مباحثات لم يكشف النقاب عنها مع وزير الأمن العام الإسرائيلي في مجلس العموم قبل توجهها إلى نيويورك.

لم يترتب على اللورد بولاك السير مسافة طويلة للوصول إلى مجلس العموم لأنه عضو في مجلس اللوردات المجاور، المجلس الأعلى غير المنتخب في بريطانيا، الذي يشكل صورة زائفة عن العدالة والديمقراطية. ويجعل مجلس اللوردات موضع سخرية من المساواة الاجتماعية، والكثير من أعضائه مانحون كرماء للأحزاب السياسية أو للساسة الفاشلين الذين “يتم ركلهم إلى أعلى السلم” ليحتلوا مناصب استرخائية كنوع من التعويض عن أعوام من التملق السياسي. ويضم مجلس اللوردات 800 عضو، مما يجعله ثاني أكبر مجلس تشريعي في العالم بعد المؤتمر الشعبي في الصين (مع الأخذ بعين الاعتبار أن عدد سكان الصين يبلغ 1.3 مليار نسمة، وأن عدد سكان بريطانيا 65 مليون نسمة).

إن مجلس اللوردات هو، باختصار، عارٌ ومهزلة. لكنه ما يزال يتوافر على الكثير من النفوذ لأنه يوجد الكثير من الأموال التي تُسكب حوله، وثمة أشخاص وأحزاب سياسية تسيطر على هذا المال –مثل مجموعة “أصدقاء إسرائيل المحافظون”، وهي منظمة تذكر صحيفة “فايننشال تايمز” أنها “تضم ما يقدر بنحو 80 في المائة من نواب البرلمان المحافظين كأعضاء فيها”. كما أنه ليست من قبيل المصادفة أن لورد بولاك “أمضى ربع قرن كرئيس للمجموعة المذكورة… وترك المنصب في العام 2015 لينضم إلى مجلس اللوردات، لكنه ظل مع ذلك رئيساً فخرياً لها”.

منظمة أصدقاء إسرائيل المحافظة هي مجموعة ثرية، وذكرت الفايننشال تايمز أنها “منحت مبلغ 377.994 جنيه استرليني (495.000 دولار) لحزب المحافظين منذ العام 2004، غالباً على شكل رحلات مدفوعة الكلفة بالكامل إلى إسرائيل لأعضاء من البرلمان”. ولا يقتصر الأمر على ذلك وحسب، بل إنها تقدم هبات شخصية ضخمة للأعضاء المحافظين في البرلمان -هل يتخيل أي أحد للحظة أن أي سياسي مفضل على هذا النحو سيقول كلمة واحدة ضد إسرائيل في أي منتدى وفي أي سياق؟ لقد تم شراؤهم.

 يشمل كرم جيب مجموعة أصدقاء إسرائيل المحافظين العميق إقامة عشاء سنوي في لندن، والذي أشارت رئيسة الوزراء البريطانية خلاله في العام الماضي إلى اللورد بولاك على أنه “ستيوارت بولاك الواحد والوحيد”، لكنها لاحظت وجود أكثر من 200 من أعضاء المجلس التشريعي هناك، وأعلنت أنها “سعيدة جداً لأن أصدقاء إسرائيل المحافظين أخذوا مُسبقاً 34 من أصل 74 نائباً محافظاً منتخباً لزيارة إسرائيل في العام 2015”.

يشكل المال الملمح الأكثر أهمية في العلاقات بين المملكة المتحدة وإسرائيل. وكانت تيريزا ماي مغتبطة بـ”صفقة بلدينا الأكبر على الإطلاق، والتي تتجاوز قيمتها مليار جنيه استرليني، حيث قررت شركة الطيران الإسرائيلية -العال- استخدام محركات رولز رويس في طائرتها الجديدة”. وهكذا، كل شيء يتعلق بالمال، وتستطيع إسرائيل التي تتسلم محيطات من السيولة من الولايات المتحدة إنفاقها بتبذير حيثما تريد.

في العام الماضي، أعلن أن الولايات المتحدة سوف “تمنح إسرائيل 38 مليار دولار في شكل مساعدات عسكرية خلال العقد المقبل، وهي أكبر حزمة مساعدات في التاريخ الأميركي، بموجب اتفاقية مشهودة وقعت يوم 14 أيلول (سبتمبر)، والتي اشتملت على تقديم 3.3 مليار دولار تحت بند “تمويل عسكري أجنبي”.

لا تستطيع بريطانيا منح إسرائيل أي مال، نظراً لأنها تمر في وضع مالي بائس، لكنها تحاول التعويض عن الافتقار إلى السيولة من خلال تزويدها بدعم سياسي غير مشروط. ولا يهم حكومة بريطانيا أن إسرائيل انتهكت حوالي 100 قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومعظمها يطالبها بالانسحاب من الاراضي العربية التي احتلتها بشكل غير قانوني. فلا تتوقعوا من المملكة المتحدة أن تنتقد الإقطاعية الإسرائيلية.

ليس مهرجان الحب بين حزب المحافظين البريطاني ودولة إسرائيل شأناً غير صحي فحسب، وإنما شخصي بطريقة مريبة. وليس من الغريب أن تكون الحكومة البريطانية قد بذلت قصارى جهودها لكنس قصة باتيل تحت السجادة وأبقت على مخادعات اللورد بولاك هادئة جداً في الحقيقة.

يرأس اللورد بولاك مجلس إدارة المجلس الاستشاري لشركة “تي. دبليو. سي”، وهي مؤسسة متخصصة في تطوير الاستراتيجيات السياسية، والتي تضم بين عملائها شركات دفاع إسرائيلية، بما فيها “ألبايت سيستمز” المتخصصة في ألكترونيات الدفاع.

في العام 2012، كشف النقاب عن أن “تي. دبليو. سي” و”ألبايت سيستمز” كانتا متورطتين في فضيحة “جنرالات للإيجار” المرعبة البريطانية، عندما قال رئيس “ألبايت” في المملكة المتحدة لمراسلين سريين لصحيفة “صنداي تايمز” أن “تي. دبليو. سي” تستطيع الوصول إلى الحكومة “من رئيسة الحكومة فما دون”. وفي تلك الحادثة المستفزة بشكل خاص من الفساد، تفاخر الجنرال البريطاني المتقاعد ريتشارد أبلغيت الذي كان في حينه رئيساً لـ”تي دبليو سي” بأن مؤسسته تتمتع بنفوذ كبير من خلال صلاتها مع مجموعة أصدقاء إسرائيل المحافظين. وأعلن: “لدينا شيء نفعله وأرجوكم لا تنشروا الخبر- مع مجموعة أصدقاء إسرائيل المحافظين… سنصنع سلسلة من العمليات السرية ونستخدم مستشارين لكسب الوصول إلى صانعي القرار الخاصين” -تماماً مثلما كانت السيدة باتيل تفعل في تل أبيب ولندن ونيويورك مع الإرشاد المخفي، وإنما المتمتع بالنفوذ، لبولاك الماكر.

ثمة الكثير من الأشياء الخطأ في الممملكة المتحدة في هذا الوقت، لكن الفضيحة الإسرائيلية هي من أكثر الأمور التي يكشف النقاب عنها قذارة حتى الآن في فترة الإدارة الحالية. وتتمنى رئيسة الوزراء بشكل يائس إخفاء ارتباط حكومتها الوثيق مع إسرائيل، وهي تحقق نجاحاً من خلال إبعاد اهتمام الإعلام بعيداً عن مكائد اللوبي الإسرائيلي واختيار أهداف أخرى. وكان هجومها على روسيا بكلام لاذع غرائبي في حفل في لندن يوم 13 تشرين الثاني (نوفمبر) مؤشرا لحالة الذعر التي تعيشها، لكن ذلك تمكن من احتواء العناوين الرئيسية بينما تضاءلت دراما الفضيحة القذرة وذهبت إلى الحديقة الخلفية.

بكلمات رئيسة الوزراء تيريزا ماي يوم 2 تشرين الثاني (نوفمبر)، تماماً مع تكشف فضيحة باتيل: “نحن فخورون بوقوفنا اليوم هنا سوية مع رئيس الوزراء نتنياهو، ونعلن دعمنا لإسرائيل. نحن فخورون بالعلاقة التي بنيناها مع إسرائيل”.

لن يعرف الجمهور البريطاني ما الذي كان كل من باتيل وبولاك وكل وسطاء النفوذ الآخرين يعملون على تحقيقه، أو ما هي السخافات العقيمة التي سيفعلونها في المستقبل، لكننا نستطيع أن نكون متأكدين من أن التحالف البريطاني-الإسرائيلي سيستمر في الازدهار. للولايات المتحدة” أفضل كونغرس تستطيع آيباك شراءه”، وها هم مشرعو بريطانيا يقفون هناك مع زملائهم عبر الأطلسي. إنهم بلا أي وازع ولا خجل، وإنما يبدو أنهم يتوافرون على الكثير من السيولة النقدية.

*نشر هذا المقال تحت عنوان:

The Influence of Israel on Britain

 

خلال لقاء نظمه مجلس العلاقات الدولية .. كاتب آيرلندي: على بريطانيا الاعتذار عن وعدها الذي سبب كارثة الشعب الفلسطيني

خلال لقاء نظمه مجلس العلاقات الدولية ..

كاتب آيرلندي: على بريطانيا الاعتذار عن وعدها الذي سبب كارثة الشعب الفلسطيني

عقد مجلس العلاقات الدولية – فلسطين لقاء ً عبر الانترنت صباح اليوم الخميس مع الكاتب الآيرلندي “ديفيد كرونين” في مدينة غزة.

وافتتح عضو المجلس أ. تيسير محيسن اللقاء قائلاً بأنه يأتي ضمن حملة المجلس في الذكرى المئوية لتصريح بلفور المشؤوم، داعياً بريطانيا للاعتذار عنه وتعويض الشعب الفلسطيني عن الضرر الذي لحق به.

من جانبه قال كرونين في كلمته أمام الحضور بأن الحكومة البريطانية تتحمل مسؤولية الظلم التاريخي الذي وقع على الفلسطينيين جراء تصريح بلفور قبل مئة عام.

وركز الكاتب في كلمته على أشكال الدعم الذي استمرت بريطانيا بتقديمه لقيام دولة “إسرائيل” بعد إصدار الوعد، مشيراً إلى أن الحكومة البريطانية قمعت ثورات الفلسطينيين المتتالية التي اندلعت احتجاجاً على هذا الوعد.

وفي رده على أسئلة الحضور، قال مؤلف كتاب “ظل بلفور” بأن الاعتذار واجب على بريطانيا جراء الظلم الذي لحق الشعب الفلسطيني، مشيراً إلى أن الرأي العام البريطاني يدعم الشعب الفلسطيني ويؤيد هذا الاعتذار.

يأتي هذا اللقاء ضمن أنشطة مجلس العلاقات الدولية – فلسطين في حملته التي أطلقها أبريل الماضي مطالباً فيها بريطانيا بالاعتذار عن تصريح بلفور المشؤوم.

يُذكر بأن الكاتب ديفيد كرونين هو صحفي إيرلندي متخصص في السياسة الأوروبية، وناشط سياسي يقيم في مدينة بروكسل. ومؤلف كتاب “ظل بلفور” الذي صدر قبل عدة أشهر متناولاً دور الحكومة البريطانية في ترسيخ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

 

العلاقات الدولية يعقد لقاء حول جهود مناصرة القضية الفلسطينية في بريطانيا ومئوية بلفور

عقد مجلس العلاقات الدولية – فلسطين لقاء حوارياً حول جهود مناصرة القضية الفلسطينية في بريطانيا ومئوية بلفور مساء اليوم في مدينة غزة.
واستضاف المجلس عبر الانترنت الناشطة الفلسطينية في بريطانيا جيهان الفرا التي تحدثت عن الجهود التي تقوم بها الجالية الفلسطينية في بريطانيا لدعم القضية، والرأي العام البريطاني نحوها، وأيضاً حول أنشطة مئوية وعدً بلفور.
وقالت الفرا بأن هناك اختلاف واضح وملحوظ في الرأي العام البريطاني خلال السنوات الماضية لصالح القضية الفلسطينية.
وتطرقت الكاتبة الفلسطينية في صحيفة “ميدل ايست مونيتور” إلى أوجه مناصرة القضية الفلسطينية، موضحة بأنه بات أسهل على الفلسطينيين توصيل روايتهم للرأي العام البريطاني عبر الصحافة التي تطورت بفعل انتشار وسائل التواصل والتكنولوجيا.
وقالت الفرا بأن السياسة البريطانية لم تعد كما السابق تتجاهل حقوق الفلسطيني وجرائم الاحتلال بحقهم، بل تم عقد العديد من جلسات مجلس العموم البريطاني لمناقشة الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين مشيرة بأن أصدقاء فلسطين في بريطانيا في تزايد مستمر مقابل اللوبي الصهيوني.
ودللت الناشطة الفلسطينية على هذا الاختلاف بموقف رئيس حزب العمال البريطاني جيرمي كوربن الذي قال خلال كلمته في المؤتمر العام للحزب بأنه آن الأوان لإنهاء الاضطهاد الذي يتعرض له الفلسطينيون.
وتطرقت الكاتبة إلى مئوية وعد بلفور قائلة بأن هناك العديد من الأنشطة يتم تنظيمها بهذه المناسبة، مشيرة إلى أن الأسبوع الماضي شهد مؤتمرين ضخمين تناولا وعد بلفور ودور بريطانيا في المعاناة التي يمر بها الشعب الفلسطيني.
وقالت الفرا بأن مظاهرة كبيرة ستنظم في لندن في الرابع من الشهر القادم بمناسبة مرور مئة عام على وعد بلفور.
وفي نهاية اللقاء، تم فتح باب النقاش بين الحضور والناشطة الفلسطينية جيهان الفرا التي بدورها أجابت عن أسئلة الحضور واستفساراتهم.
ويأتي هذا النشاط ضمن عدة أنشطة ينظمها مجلس العلاقات الدولية في الذكرى المئوية لوعد بلفور وأيضاً أنشطة المجلس العامة التي تستهدف الشباب الفلسطيني لتوعيتهم بواقع القضية الفلسطينية على المستوى الدولي.

ظل بلفور

تأليف:  ديفيد كرونين  عرض وترجمة: نضال إبراهيم

لمناسبة مئوية إعلان بلفور المشؤوم والكارثي من قبل الخارجية البريطانية، الذي مهد لإقامة كيان غير شرعي اسمه «إسرائيل» على أرض فلسطين، يتناول الكاتب ديفيد كرونين في هذا الكتاب المواقف البريطانية الداعمة للصهاينة ول«إسرائيل»، مبيناً أنها مليئة بتاريخ من جرائم الحرب وممارسة الفصل العنصري. واعتمد فيما يطرحه على اليوميات الشخصية للسياسيين والسجلات الرسمية من ملفات الحرب والخارجية والكومنولث. يعد هذا العمل موجزاً للدراسات الشرق أوسطية الخاصة بالصهيونية، ودليلاً عاماً على السياسة البريطانية تجاه «إسرائيل».

كتب وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور في الثاني من نوفمبر سنة 1917 رسالة، سميت فيما بعد بإعلان بلفور، كان نصها: «عزيزي اللورد روتشيلد: يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته: إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذا الهدف، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر». وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح».

نشر هذا الإعلان المشؤوم قبل مئة سنة، معلناً بداية الصراع مع الشعب الفلسطيني واقتلاعه من أرضه التاريخية. في الحقيقة، كان لهذه الكلمات في عام 1917، التي كتبها وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور، تأثير هائل في التاريخ الفلسطيني والعربي والشرق أوسطي الذي لا يزال تأثيره الكارثي جلياً بعد قرن من الزمان.

في هذا العمل بعنوانه الأصلي (ظل بلفور: قرن من الدعم البريطاني للصهيونية و«إسرائيل» الصادر عن دار «بلوتو بوكس» للنشر في 2017 ضمن 220 صفحة من القطع المتوسط)، يتتبع المؤلف ديفيد كرونين في عموم عمله قصة المساعدة الكلامية والعملية التي قدمتها بريطانيا للحركة الصهيونية و«دولة إسرائيل» منذ ذلك اليوم. ولجأ في مناقشاته إلى المصادر والأرشيفات التي لم يتم الاطلاع عليها سابقاً للكشف عن جانب جديد لقصة قديمة، لا تزال الدماء تراق لأجلها، والحرمات تنتهك بسببها.

ويركز كرونين على أحداث تاريخية مهمة مثل الثورة العربية، والنكبة، وإقامة الدولة «الإسرائيلية»، وعدواني «56» و«67»، والحرب الباردة، وشخصيات سياسية عامة مثيرة للجدل مثل توني بلير.

يأتي الكتاب بعد المقدمة في تسعة أقسام هي: 1) وضع الأسس. 2) جلب السود والسمر. 3) يجب علينا إطلاق النار للقتل. 4) زرع بذور التطهير العرقي. 5) تسليح «إسرائيل» (1953-1956). 6) تسليح «إسرائيل» (1957-1979). 7) تهميش منظمة التحرير الفلسطينية. 8) الملازم المخلص. 9) شركاء في الجريمة. وينتهي الكتاب بتذييل تحت عنوان: «أكبر صديق لإسرائيل»

بؤرة استعمارية

إن إعلان بلفور، الذي قبله الكثيرون حالياً بوصفه البيان القانوني المؤسس لإقامة»إسرائيل»، ليس في الحقيقة مجرد رسالة، بل كان رسالة سياسية رسمية بين الموظفين الحكوميين، وأصبحت جزءاً رئيسياً من السياسة الخارجية البريطانية بعد ذلك، واستمرت تأثيراتها الإجرامية على نحو فعال إلى حد الآن. يحاول الكاتب في الفصول الثلاثة الأولى رصد المخطط المكتوب بشكل جيد لتاريخ الأحداث بعد الرسالة، من التأثيرات الفورية على المدى القصير في السياسة البريطانية بعد الحرب العالمية الأولى، ثم السياسات متوسطة المدى التي استمرت حتى بعد الحرب العالمية الثانية؛ بما يتفق مع سياسة بريطانيا الحالية المتمثلة في الدفاع عن»إسرائيل»والتعامل معها كحليف استراتيجي.

يشير المؤلف إلى أن السياسة الخارجية البريطانية في مسألة «إسرائيل»، لم تكترث لنزعات واتجاهات ومواقف السياسيين البريطانيين، فالعديد منهم كان يعرف بمعاداته للسامية وعلى رأسهم بلفور نفسه، لكنه مع ذلك قدم الدعم للصهاينة من أجل إنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين. ويتطرق إلى جملة من العوامل التي شجعت بريطانيا على الدعم، وليس فقط مسألة أن الشعب البريطاني كان معادياً للسامية جداً، وأن العديد من أصحاب القرار البريطانيين شعروا أن اليهود لا يمكن تذويبهم واستيعابهم أبداً في مجتمعهم، بالتالي من الأفضل دعمهم في وطنهم الجديد.

لم يكن ذلك السبب المباشر، كما يقول الكاتب، فقد كانت هناك عوامل أخرى عديدة دخلت حيز التنفيذ، فقد اعتبرت بريطانيا أن الدعم اليهودي في المجهود الحربي ضروري، إذ أراد البريطانيون حماية قناة السويس كطريق رئيسي إلى مستعمراتها في جنوب آسيا، وخاصة الهند، والموارد الطبيعية، والنفط، الذي أصبح يشكل مصلحة حيوية بعد اكتشافه ووجوده بوفرة في الشرق الأوسط.

ويشير الكاتب إلى أن بريطانيا كانت تعتقد أن وجود بؤرة استعمارية في منطقة مهمة مثل الشرق الأوسط تساعد على توطيد سيطرتها على المنطقة ضد النزعات القومية العربية في عصر انتشرت فيه العنصرية البريطانية في جميع أنحاء شبكاتها الاستعمارية.

يسلط كرونين في الفصل الرابع والخامس والسادس الضوء على العوامل الرئيسية في العلاقة بين الصهاينة واليهود والحكومة البريطانية. وهو يتناول على وجه التحديد الأحداث المتعلقة بالحكومة، من دون أن يتناول بالتفصيل كل ما حدث في فلسطين خلال الانتداب البريطاني. ولكن يضع في المتناول معلومات مفيدة لمن لهم خلفية كبيرة في التاريخ، وأيضاً لأولئك الذين يحاولون القيام بدراسة واكتشاف تاريخ الشرق الأوسط.

بشكل عام، يكشف كرونين أن الأساليب التي استخدمها البريطانيون للسيطرة على السكان الأصليين في فلسطين وضعت الأسس لقيام الصهاينة بتنفيذ تطهير العرقي وقمع الشعب الفلسطيني في وقت لاحق. وهناك الكثير من الكتابات التاريخية والحديثة عن دور عصابات ومنظمات مثل الهاجاناه وستيرن وإرغون ضد البريطانيين، ولكن الاتجاه العام للسلوك البريطاني كان دعم أنماط الاستيطان المتزايدة وعمليات الإخلاء والاستيلاء على الأراضي لصالح المستوطنين الصهاينة.

دعم عسكري مستمر

بعد النكبة، واصلت بريطانيا تزويد «إسرائيل» بدعم عسكري يتراوح بين مئات الدبابات، والعديد من الطائرات، بما في ذلك أنظمة خطرة، أبرزها الماء الثقيل الذي يستخدم في المفاعلات النووية، وتمت صفقة البيع عبر مملكة النرويج. وكانت تلك الفترة تشهد انتقال القوة من الإمبراطورية العالمية البريطانية إلى القوة الأمريكية العالمية، فبعد حرب السويس وعدوان عام 1967، كانت الولايات المتحدة قد اتخذت بشكل واضح زمام المبادرة في دعم «إسرائيل»، لكن بريطانيا لم تتخل عن دعمها لها، كما يذكر المؤلف.

ويضيف الكاتب أنه في الواقع، أصبحت بريطانيا واحدة من أقوى الأصوات دعماً ل«إسرائيل»، إذ استمرت التجارة العسكرية والمصالح المالية بينهما من وراء الكواليس في الغالب. ويقدم معلومات إضافية تبين كيف عمل البريطانيون على تهميش منظمة التحرير الفلسطينية التي ترأسها الزعيم الراحل ياسر عرفات، ما أسفر عن الوعود الكاذبة لاتفاقات أوسلو واستمرار ضم أراضي الفلسطينيين واستيطانها ونهبها.

بالنسبة للأحداث المعاصرة، يسلط كرونين الضوء على الدور الغريب الذي قام به رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير، ففي فترة رئاسته للحكومة البريطانية كان بلير – كما يصفه – «ملازماً (رتبة عسكرية) مخلصاً»- يناقشه في الفصل قبل الأخير – بشكل فعلي للولايات المتحدة، متبنياً السياسة الأمريكية ودعمها ل«إسرائيل» وسياساتها حيال الشرق الأوسط بشكل عام.

شركاء في الجريمة

يتطرق الكاتب في الفصل الأخير تحت عنوان «شركاء في الجريمة» إلى الأحداث الجارية، محدداً العلاقات التجارية العسكرية عبر الشركات في بريطانيا و«إسرائيل» والولايات المتحدة، ومشيراً إلى أن معظم مصالح الشركات هي المشتريات العسكرية التي تذهب إلى كلا الاتجاهين – الأجهزة إلى «إسرائيل» وبرامج التجسس والأمن إلى بريطانيا. وكما هي الحال دائماً، غيرت هذه الشركات (فيرانتي، أفينيتي، إلبيت، رافائيل، روكار، لوكهيد مارتن) وجهات النظر البريطانية – أقلّه على صعيد النخب – من الدعم المؤقت والمتردد إلى التضامن. كما ساعدت هذه العلاقات الودية على ربط «إسرائيل» بالاتحاد الأوروبي بقوة أكبر.

واليوم، تبقى السياسة البريطانية الرسمية مؤيدة بشكل متحمس ل«إسرائيل»، مع فخرها الدائم بتأسيس «إسرائيل»، ويؤكد الكاتب ديفيد كرونين أن التراث الاستعماري البريطاني لا يزال قائماً بقوة في الشرق الأوسط، ومما يقوله «الأدوار، في بعض الجوانب، قد تغيرت. فقبل 50 عاماً، زودت بريطانيا«إسرائيل» بالدبابات التي اعتمدت عليها في حرب الأيام الستة في 1967. أما اليوم، تصمم «إسرائيل» طائرات من دون طيار، تعتبر رسمياً ذات أهمية كبير لمنظومة الدفاع البريطانية في المستقبل. مع ذلك، الأمر ليس ببساطة حالة بائع بالتجزئة يتحول إلى زبون. فاحتلال الضفة الغربية وغزة، والذي بدأ في 1967، تم التعامل معه كفرصة تجارية من قبل «إسرائيل». إذ إن الأسلحة ومعدات المراقبة التي كانت «إسرائيل» تصدّرها إلى كافة أنحاء العالم كانت تجربها على ضحايا الأراضي الفلسطينية المحتلة. من خلال توريد المعدات المستخدمة في الغزو الأولي لهذه الأراضي، بريطانيا ساعدت المشروع الاستيطاني الصهيوني على الدخول إلى مرحلة جديدة».

نشاط استيطاني أسرع

يشير الكاتب في الفصل الأخير إلى أن كبار المسؤولين والوزراء البريطانيين مبتهجون بدعم دولتهم ل«إسرائيل» والصهيونية في كافة المراحل. ويستعرضون بفخر كيف أن بريطانيا وضعت أسس الدولة «الإسرائيلية»، على الرغم من أن عمل البناء البغيض تم على حساب الفلسطينيين.

كما يتوقف عند المشروع الاستيطاني والموقف الأمريكي منه متسائلاً: «هل إرث آرثر جيمس بلفور يهم في عصر دونالد ترامب؟ الجواب الموجز هو نعم. فالنشاطات الاستيطانية «الإسرائيلية» كانت واحدة من المواضيع الساخنة في الأسابيع القليلة الأولى من رئاسة ترامب. ويوضح توسع تلك المستوطنات كيف أن المشروع الاستعماري الذي أشاد به بلفور في 1917 لم يتوقف حتى الآن. مع ترامب والوفد المرافق له من اليمين الذي يدير البيت الأبيض الآن، هناك احتمال كبير أن المشروع سيمضي بخطى أسرع».

ويضيف أن «بلفور لم يستطع رؤية كل نتائج المشروع. فقد مات في عام 1930، أي قبل 18 سنة من وجود «إسرائيل». لكنه هو وأصدقاؤه كانوا يعرفون ويدركون حجم المخاطر التي سيخلفها تأسيس وطن قومي لليهود من ناحية حرمان الفلسطينيين من أبسط حقوقهم، بغض النظر عن المحاذير التي ذكرها في إعلانه».

ويرى أن السياسيين والدبلوماسيين من أعلى المناصب في «إسرائيل» يقومون باستثمار الكثير من طاقتهم في خدمة إبقاء العلاقات قوية مع بريطانيا. إنهم يقومون بذلك توقعاً منهم أن نظراءهم البريطانيين سوف يتقبلونهم برحابة صدر، مشيراً إلى أنه لا يزال العديد من الصهاينة في القرن الواحد والعشرين يتوقون إلى الاحترام والتقدير عبر نيل القبول من اللاعبين الكبار في السياسة العالمية، ومؤكداً أن بلفور لا يزال يلقي بظله الطويل جداً على المشهد الفلسطيني- «الإسرائيلي» والدولي.

نبذة عن الكاتب

ديفيد كرونين صحفي إيرلندي متخصص في السياسة الأوروبية، وناشط سياسي يقيم في مدينة بروكسل. يعمل كمراسل ل«وكالة أنباء إنتر برس». ينشر باستمرار في الصحف البارزة في الولايات المتحدة وبريطانيا، وكذلك في المجلات السياسية المتخصصة، كما أن له عدداً من المؤلفات من بينها «التحالف الأوروبي الإسرائيلي»، وقد تم عرضه على ثلاث حلقات في جريدة الخليج، و«الشركات الأوروبية: كيف تؤثر الأعمال التجارية الكبيرة في سياسات الغذاء والمناخ والحرب».

المسؤولون البريطانيون يشعرون بالفخر لأنهم أسسوا «إسرائيل»

نقلا عن: الخليج

القوة الحقيقية الدافعة لإصدار وعد بلفور

القوة الحقيقية الدافعة لإصدار وعد بلفور

آفي شليم

كان إعلان (وعد) بلفور، الذي صدر في الثاني من نوفمبر 1917، وثيقة قصيرة غيرت مجرى التاريخ. ألزمت الوثيقة الحكومة البريطانية بتأييد إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، شريطة ألا يؤتى بشيء من الأفعال التي قد تؤدي إلى “الإضرار بالحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية الموجودة في فلسطين.”

حينها، كان اليهود يشكلون 10 بالمئة من سكان فلسطين: ستون ألف يهودي مقابل ما يزيد قليلا على ستمئة ألف عربي. ومع ذلك اختارت بريطانيا الاعتراف بحق تقرير المصير الوطني للأقلية الصغيرة، وإنكار ذلك الحق للأغلبية التي لا جدال فيها. وكما قال الكاتب اليهودي آرثر كوستلر: لدينا هنا شعب يعد شعبا آخر أرض شعب ثالث.

بعض السرديات المعاصرة تعرض إعلان بلفور كما لو كان لفتة إيثار متجردة، بل وحتى كما لو كان مشروعا مسيحيا نبيلا، قصد منه مساعدة شعب قديم في إعادة إنشاء حياته القومية في أرض أسلافه. تنبع مثل هذه السرديات من الرومانسية المتأثرة بروايات الكتاب المقدس لدى بعض المسؤولين البريطانيين وكذلك انطلاقا من تعاطفهم مع معاناة يهود أوروبا الشرقية.

إلا أن الدراسات العلمية التي أنجزت لاحقا ترى أن المحفز الرئيس لإصدار الإعلان كان حسابات ماكرة تتعلق بالمصالح الإمبريالية البريطانية. ساد الاعتقاد حينها، وثبت أنه اعتقاد خاطئ فيما بعد، بأن مصالح بريطانيا يمكن أن تخدم على أحسن وجه من خلال التحالف مع الحركة الصهيونية في فلسطين.

كانت فلسطين تتحكم بخطوط اتصال الإمبراطورية البريطانية مع الشرق الأقصى، وكانت فرنسا -حليف بريطانيا الرئيسي في الحرب ضد ألمانيا- تنافس بريطانيا هي الأخرى في السعي لبسط النفوذ على فلسطين.

وكان البلدان أقدما بموجب اتفاقية سايكس بيكو، التي أبرمت في عام 1916، على تقسيم الشرق الأوسط إلى مناطق نفوذ بينهما، لكنهما توافقا على وضع فلسطين تحت إدارة دولية. وكان البريطانيون يأملون من خلال مساعدة الصهاينة في الاستيلاء على فلسطين في أنهم سيتمكون من ضمان جود مهيمن لهم في المنطقة ينجم عنه إقصاء الفرنسيين. ولذلك أطلق الفرنسيون على البريطانيين عبارة “الإنجليز الغادرون”، وكان إعلان بلفور هو المثال الأول لهذا الغدر الذي لم يتوقف.

ضحايا بلفور الرئيسيين

إلا أن ضحايا بلفور الرئيسيين لم يكونوا الفرنسيين، وإنما عرب فلسطين. كان الإعلان وثيقة استعمارية أوروبية تقليدية نسجها معا مجموعة صغيرة من الرجال تهيمن على عقولهم الذهنية الاستعمارية، وصيغت بأسلوب تجاهل تماما الحقوق السياسية للأغلبية العظمى من السكان الأصليين.

لم يبذل وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور أدنى جهد لإخفاء ازدرائه للعرب. فقد كتب في عام 1922 يقول: “الصهيونية، سواء كانت صوابا أم خطأ، حسنة أم سيئة، تعود في جذورها إلى تقاليد موغلة في القدم، وتمثل احتياجات الحاضر وآمال المستقبل لما هو أعمق وأهم بكثير من رغبات وتحيزات سبعمئة ألف عربي يقطنون الآن تلك الأرض العتيقة.” لا يمكنك أن تجد تفسيرا أبلغ لذلك مما عبر عنه إدوارد سعيد بعبارة “المعرفية الأخلاقية للإمبريالية”.

كان بلفور أرستقراطيا إنجليزيا ضعيف الهمة واهن العزم، وكانت القوة الحقيقية الدافعة وراء إصدار الإعلان تتمثل ليس في شخص بلفور وإنما في شخص دافيد لويد جورج، المتطرف الويلزي والخطيب الناري المفوه الذي كان حينها يترأس الحكومة البريطانية. كان لويد جورج في مجال السياسة الخارجية بريطانيا امبرياليا من النمط التقليدي والقديم، وكان مغرما بالاستيلاء على أراضي الغير. ومع ذلك، لم يكن دعمه للصهيونية منطلقا من تقدير سليم للمصالح البريطانية وإنما من جهل مدقع: كان معجبا باليهود ولكنه كان يخشاهم، ولم يدرك في حينه أن الصهاينة لم يكونوا سوى شرذمة قليلة ضمن أقلية صغيرة.

وكان من خلال تحالفه مع الحركة الصهيونية ينطلق من وجهة نظر خاطئة، ومعادية للسامية في نفس الوقت، مفادها أن اليهود كانوا في منتهى النفوذ والهيمنة وأنهم كانوا القوة التي تدير عجلة التاريخ. بينما في واقع الأمر، كان اليهود في وضع بائس، لا حول لهم ولا قوة، ولا يملكون من النفوذ إلا ما حاكته أساطير تحدثت عن سلطان خفي نسب إليهم أو نسبوا إليه زورا وبهتانا.

باختصار، كان الدعم البريطاني للصهيونية في زمن الحرب العالمية الأولى ينبع من سلوك استعماري مستكبر تجاه العرب، ومن انطباع خاطئ عن اليهود يرى أنهم باتوا قوة عالمية.

واجب مزدوج

ضاعفت بريطانيا من خطيئتها الأولى عندما بادرت إلى دمج بنود إعلان بلفور في وثيقة الانتداب على فلسطين، والتي صدرت عن عصبة الأمم في ذلك الوقت. فما كان مجرد وعد من قوة عظمى إلى حليف صغير أصبح الآن وثيقة دولية ملزمة من الناحية القانونية.

ولنكون أكثر دقة، يمكننا القول بأن بريطانيا بوصفها القوة المنتدبة بالوصاية على فلسطين حملت على كاهلها التزاما مزدوجا: مساعدة اليهود في إقامة وطن قومي في كل فلسطين التاريخية وفي نفس الوقت حماية الحقوق المدنية والدينية للعرب. أنجزت بريطانيا الالتزام الأول ولكنها أخفقت في الوفاء في الالتزام الثاني رغم تفاهته وانعدام قيمته.

لا يمكن لأحد أن يجادل في أن بريطانيا مذنبة بممارسة النفاق والازدواجية والخداع. إلا أن السؤال الذي ينبغي أن يطرح الآن هو: هل عادت هذه السياسة اللاأخلاقية على بريطانيا بمكاسب حقيقية؟ إجابتي القطعية على هذا السؤال هي: لا لم تعد عليها بشيء مفيد على الإطلاق.

لقد كان إعلان بلفور عبئا كبيرا أثقل كاهل بريطانيا منذ أن بدأ الانتداب وإلى أن وصل إلى نهايته المخزية في مايو / أيار من عام 1948.

ظل الصهاينة يدعون بأن كل ما فعلته لهم بريطانيا خلال فترة الحرب لم يرق إلى ما ورد في الوعد الأصلي الذي قطعته على نفسها لهم. وزعموا كذلك بأن الإعلان كان يقتضي دعم قيام دولة يهودية مستقلة. رد على ذلك المسؤولون البريطانيون بالقول إنهم إنما وعدوا اليهود وطنا قوميا فقط، وأن الوطن والدولة ليسا شيئا واحدا. كسبت بريطانيا في تلك الأثناء ليس فقط عداوة الفلسطينيين بل وعداوة ملايين العرب والمسلمين حول العالم.

في كتابها القيم “لحظة بريطانيا في الشرق الأوسط” Britain’s Moment in the Middle East، قدمت إليزابيث مونرو حكما متوازنا حول ما جرى، إذ تقول: “إذا أردنا أن نقيس ما جرى فقط من خلال المصالح البريطانية، فقد كانت تلك من أفدح الأخطاء التي ارتكبناها في تاريخنا الإمبريالي.”

يمكن للمرء من خلال الإدراك المتأخر أن يخلص إلى أن إعلان بلفور كان في الواقع سقطة استراتيجية هائلة.

كانت ثمرته النهائية هي تمكين الصهاينة من الاستيلاء على فلسطين، وهو استيلاء مازال حتى يومنا هذا يأخذ شكل توسع استيطاني غير قانوني ولا يعرف الشفقة في كل أنحاء الضفة الغربية على حساب الفلسطينيين.

الذهنية المتجذرة

أخذا بالاعتبار ذلك السجل التاريخي، قد يتوقع المرء أن يجد القادة البريطانيين يطأطئون رؤوسهم خجلا وشعورا بالذنب وأن يلمس منهم النأي بأنفسهم عن الإرث البغيض لذلك الماضي الاستعماري. إلا أن آخر ثلاثة رؤساء وزراء من الحزبين السياسيين الرئيسين -طوني بلير، وغوردون براون، ودافيد كاميرون- كلهم عبروا عن تأييدهم الشديد لإسرائيل وتجاهلهم التام للحقوق الفلسطينية.

أما رئيسة الوزراء الحالية تيريزا ماي، فهي أكثر الزعماء في أوروبا تأييدا لإسرائيل وحماسة لها. ففي خطاب ألقته في ديسمبر / كانون الأول أمام جمعية أصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين، والتي ينتسب إليها ما يزيد عن ثمانين بالمئة من نواب حزب المحافظين وكافة أعضاء الوزارة، أشادت بإسرائيل واصفة إياها بـ “البلد الرائع” وبأنها “منارة للتسامح”.

وفيما يتعلق بإعلان بلفور، راحت تفرك الملح في جروح الفلسطينيين واصفة إياه بأنه “واحد من أهم الخطابات التي كتبت في التاريخ”، ووعدت بأن تنظم احتفالا بمناسبة ذكراه المئوية.

وكان 13,637 شخصا -بمن فيهم كاتب هذا المقال- قد وقعوا على عريضة تطالب الحكومة بالاعتذار عن وعد بلفور، فردت الحكومة عليهم بالتصريح التالي:

“إن إعلان بلفور بيان تاريخي لا تنوي حكومة صاحبة الجلالة الاعتذار عنه، بل نحن فخورون بالدور الذي لعبناه في إقامة دولة إسرائيل.

كان الإعلان قد حرر في عالم يشهد تنافسا بين القوى الإمبريالية، في أوج الحرب العالمية الأولى وفي ساعة أفول شمس الإمبراطورية العثمانية. في مثل هذا السياق، كان تأسيس وطن للشعب اليهودي في الأرض التي ربطتهم بها أواصر تاريخية ودينية قوية هو الإجراء الصائب والأخلاقي، وخاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار ما عانوه لقرون من اضطهاد.

لقد وقعت كثير من الأحداث منذ عام 1917، ونحن ندرك بأنه كان ينبغي على الإعلان أن يطالب بحماية الحقوق السياسية للمجتمعات غير اليهودية في فلسطين، وخاصة فيما يتعلق بحقها في تقرير المصير. إلا أن ما هو مهم الآن هو التطلع إلى الأمام وتوفير الأمن والعدل للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء من خلال تحقيق السلام الدائم.”

من الواضح، وبالرغم من مرور قرن من الزمن، أن الذهنية الاستعمارية للنخبة السياسية البريطانية مازالت متجذرة بعمق. إذ مازال الزعماء البريطانيون المعاصرون، مثلهم في ذلك مثل أسلافهم في زمن الحرب العالمية الأولى، يشيرون إلى العرب على أنهم “المجتمعات غير اليهودية في فلسطين”.

صحيح أن الحكومة تقر بأنه كان يتوجب على الإعلان حماية الحقوق السياسية للعرب في فلسطين، لكنها تخفق في الاعتراف بأن إسرائيل مستمرة بكبر وغطرسة في إنكار حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم الوطني، كما تخفق في الاعتراف بتواطؤ بريطانيا نفسها في بقاء هذه الحالة من الإنكار. ومثلهم في ذلك مثل ملوك البوربون في فرنسا، يبدو أن حكام بريطانيا لم يتعلموا شيئا، ولم ينسوا شيئا طوال المئة عام الماضية.

وعد بلفور.. آن الأوان للاعتذار

ستيوارت ليتلوود

تاريخ النشر: 01/08/2017

يصادف هذا العام الذكرى المئوية لوعد بلفور الذي تعهَّد فيه وزير خارجية بريطانيا عام 1917، بالعمل على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وقد أعلنت رئيسة وزراء بريطانيا في وقت سابق من هذا العام، أنها تنوي الاحتفال بهذه المناسبة.

في رسالة وجهتها إلى صحيفة محلية (بريطانية) حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وطريقة تعامل رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، معه، تطرقت إلى ذكر وعد بلفور، وانتقدت خططها للاحتفال بذكراه المئوية «بفخر واعتزاز»، ودعوة رئيس الوزراء «الإسرائيلي»، نتنياهو لحضور المناسبة. وأدت مقالتي إلى ردّ فعل حادٍ من شخص يبثّ «حقائق» الدعاية «الإسرائيلية» المعتادة، حيث قال، إن موقفي قد ألحق الضرر بالمجتمع اليهودي في جميع أنحاء العالم.

وإعلان بلفور موضوع في غاية الخطورة. وهو سبب لرعب وأسى عميقين، وغضب دولي مبرر، ومدعاة لأسف عميق. والوقت الحالي، وهو الذكرى المئوية لصدور الوعد، مناسب للنقاش. فلنرَكزْ عليه خلال الشهور القليلة القادمة، إذ تحثّ الجماعات المعنية بالعدالة، الحكومة البريطانية على وسم الاحتفال المئوي بوعد بلفور، بإبداء الأسف.

وتستطيع السيدة ماي، أن تقوم بمأثرة حقيقية هنا. وفي وسعها، بجرّة قلم، أن تساعد في القضاء على الاضطرابات المدمرة في الشرق الأوسط، وتبدأ في ترميم مكانة بريطانيا الممزقة. حتى أنها تستطيع أن تفتح مسارات تجارية جديدة نحو الأسواق الإسلامية، ذات الأهمية الحيوية في هذا الوقت الذي تسير فيه بريطانيا نحو الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وبالاعتراف بالخطأ والاعتذار بالنيابة عنّا، عن 100 عام من العذاب الذي ألحقناه بشعب جميل في جزء جميل من العالم، تستطيع السيدة ماي أن تتخذ خطوة عملاقة من أجل البشرية، على الساحة العالمية. وعليها بين هذا الوقت وشهر نوفمبر/تشرين الثاني أن تتخذها. فهل ستفعل؟

كلا، بل ستحتفل بوعد بلفور بأناقة مع رئيس الوزراء «الإسرائيلي»، من دون أي اعتبار للشعب الذي ارتكبت بريطانيا بحقه هذا الخطأ الشنيع.

ذلك أمرٌ فظيع في الوقت الذي وَصَم فيه بالعنصرية. بل هو أشد مدعاة للأسف، إذا أخذنا في الاعتبار صرخة الاستغاثة اليائسة التي أطلقها التحالف الوطني للمنظمات المسيحية في فلسطين، في رسالة مفتوحة إلى مجلس الكنائس العالمي، والحركة المسكونية، والتي وقّعتْها أكثر من 30 منظمة في القدس والضفة الغربية وغزة.

ومما جاء في الرسالة «إننا لا نزال نعاني 100 عام من الظلم والاضطهاد، اللذين لحقا بالشعب الفلسطيني انطلاقاً من إعلان بلفور غير المشروع.. الذي أعقبه الاحتلال «الإسرائيلي» للضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية وغزة، وتشتيت شعبنا، وتفتيت أرضنا، من خلال سياسات العزل والمصادرة، وبناء المستوطنات المقصورة على اليهود، وجدار الفصل العنصري».

وكان بلفور، وزيرُ الخارجية البريطاني عام 1917، قد كتب رسالة إلى اليهودي الثري في بريطانيا، اللورد روتشيلد، تتعهد الحكومة البريطانية بموجبها ببذل «أفضل المساعي» لتسهيل إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

كما كتب بلفور: «ولا نقترح حتى تحَمُّل عناء مشاورة سكان البلاد الحاليين، ومعرفة رغبتهم».

ويرقى ذلك إلى درجة خيانة حلفائنا العرب في الحرب العالمية الأولى. وقد اعترض كثيرون في البرلمان، ومن بينهم اللورد سيدنهام، الذي قال «إن ما فعلناه، من خلال تنازلات لا للشعب اليهودي، بل لفصيل متطرف صهيوني، هو خلق مشكلة عويصة في الشرق، ولا يستطيع أحد التكهن بالمدى الذي ستمتدّ إليه تلك المشكلة».

وكان بلفور قد اعتنق الصهيونية (كما فعل كثيرون آخرون، منهم رئيس الوزراء ديفيد لويد جورج)، وكان يشغل المنصب الملائم. وقد قُدّم الاقتراح إلى بريطانيا عام 1916.

.. واليوم، تحتل «إسرائيل» بصورة غير مشروعة الضفة الغربية والقدس الشرقية، بما في ذلك المدينة القديمة.. وتقبض على خناق غزة. ومنذ 70 عاماً، ما زال ملايين الفلسطينيين المحرومين وأسرهم، يكابدون المخاطر في مخيمات اللاجئين، أمّا أولئك الذين بقوا في وطنهم، مسيحيين ومسلمين، على حدٍّ سواء، فإنهم يعيشون حياة بائسة تحت نير احتلال عسكري وحشي.

ويشكل الوضع الآن بقعة شائنة على علم الأمم المتحدة، التي لا تملك المقومات اللازمة لاتخاذ إجراء. وينبغي أن تكون التداعيات المستمرة في جميع أنحاء الأرض المقدسة، موضع اهتمام جميع المسيحيين والمسلمين، ولا سيما رواد الكنيسة العاديين، مثل تيريزا ماي.

كاتب ومصور وخبير تسويق بريطاني.

موقع ديسنت فويس