انجرار العالم وراء معارضي أردوغان
بدأ حزب العدالة والتنمية، الذي يسيطر على تركيا، في عملية من شأنها توسيع صلاحيات الرئيس رجب طيب أردوغان والسماح بتمديد حكمه حتى العام 2029. وقد قدم الحزب أمس اقتراحا للبرلمان من اجل تغيير الدستور والغاء منصب رئيس الحكومة، ومنح الرئيس صلاحية تعيين الوزراء في النظام. وبعد المصادقة المتوقعة في البرلمان سيتم نقل التغييرات إلى الاستفتاء الشعبي ـ واذا وافق عليها المواطنون فستصبح سارية المفعول في 2019.
لقد أثبت الجمهور في تركيا في الانتخابات الاخيرة بأنه يميل للوقوف إلى جانب أردوغان ـ هذا رغم الانتقادات الكثيرة التي تم اسماعها ضده في المجتمع الدولي. وحسب رأي من يؤيدون النظام فإن الانتقادات صاخبة إلى درجة أنه لا يمكن سماع صوتها الحقيقي ـ هذا كان ايضا السبب لإقامة صحيفة «ديلي صباح». ومنذ إنشائها قبل عامين قيل إنها «بوق الحكومة» أو «منصة أردوغان». ولكن محرر الصحيفة، ساردار كرغوز، قال لصحيفة «هآرتس»: «لا أحد يفرض علي ما أفعل، وأنا استطيع قول ما أريد. يقولون إن تركيا هي دولة تتدهور نحو الديكتاتورية وتقوم بتقييد حرية التعبير، لكن ذلك غير صحيح. أنا أعمل في هذه الصحيفة واؤيد الحكومة الحالية لأنني اؤمن بذلك كشخص مستقل وحر بشكل كامل». وحسب اقوال كرغوز، فإن كثيرين من الجمهور في تركيا يعتقدون أن انتقاد الحكومة هو الذي يحدد نمط وسائل الإعلام الاجنبية، حتى لو كان ذلك مخالفا لما يريده الشارع في تركيا. «كان هناك صحافيون من وسائل الإعلام الاجنبية جاؤوا إلى هنا في السابق. وعندما رأيت ما قاموا بنشره لاحظت كيف أن أقوالي تم اقتباسها بشكل معين كي تناسب أجندة معينة وضد أردوغان».
«هناك جماعة تستمد منها وسائل الإعلام الاجنبية اغلبية اخبارها، وهي جماعة علمانية يسارية»، قال أنس بيركلي، مدير البحث في معهد ابحاث «ستاه» السياسي. «منذ بداية الثمانينيات نشأت نخبة محافظة أكثر. ورغم هذا التغيير، فإن نظرة وسائل الإعلام الاجنبية ما زالت ملك للنخبة القديمة. وهي تمثل مواقف هذه الجماعة»، أضاف. معهد ستاه يعتبر مؤيدا للحكومة، وهناك من يعتبره «بوق الحكومة».
هذه النخبة الجديدة تشمل آسلي، وهي من عائلة معروفة بتأييدها لحزب العدالة والتنمية وأردوغان. وقد اضطر عماتها للتنازل عن عدة فرص مثل مؤسسة التعليم العالي التي أرادوا التعلم فيها، على ضوء منع النساء من وضع غطاء الرأس في الاماكن العامة، حين تحولت تركيا إلى دولة علمانية في العام 1923. فقد اضطررن إلى الاختيار بين التعليم العالي والدين. وتحت حكم أردوغان تمكنت آسلي من الالتحاق بالمؤسسة للدراسة وهي تصل إلى الجامعة مع غطاء الرأس.
والدها ايضا الذي هو من أصل كردي، يؤيد أردوغان رغم معارضة الاكراد لنظامه. وهذا على خلفية التحسين الاقتصادي الذي يقف أردوغان من ورائه.
«يمكن القول إن 90 في المئة من الذين صوتوا لأردوغان قاموا بذلك لاسباب عملية»، قال بيركلي، «قبل البدء بسيرته السياسية كرئيس لبلدية اسطنبول، كان هناك انقطاع للمياه والكهرباء بشكل يومي، واكوام للقمامة شكلت مصدرا للانفجارات والحرائق.
ومنذ دخوله إلى السياسة نحن نشهد تطورا اقتصاديا لم نشهده من قبل». وحسب اقواله، من بين المصوتين لأردوغان هناك 10 في المئة فقط ممن يؤيدونه لاسباب ايديولوجية.
حسب استطلاعات معهد الابحاث التركي «متروبول» فإن نسبة تأييد أردوغان في 2012 كانت 71 في المئة. وفي انتخابات 2014 تراجعت نسبة التصويت لأردوغان إلى 52 في المئة. وبعد ذلك أظهرت الاستطلاعات أن أقل من 50 في المئة قاموا بتأييده. ومع ذلك، ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة في آب الماضي أظهرت استطلاعات مركز الابحاث أن تأييد أردوغان زاد ليصل إلى نسبة 67 في المئة.
«إن أردوغان هو الخيار الأفضل»، قال محمد، الطالب في اسطنبول، «ما هو البديل؟ هناك الحزب الكردي الذي هو حسب رأيي حزب إرهابي كردي. وليس هناك مرشحون معقولون للاحزاب القومية المتطرفة. وهناك احزاب تسجد لايديولوجيا أتاتورك التي لم تعد مناسبة في الوقت الحالي. وهذا الحزب هو حزب غير مستقر. ما بقي إذا هو حزب العدالة والتنمية الذي هو الخيار العملي الافضل. فأفكاره أكثر منطقية وحكمه مستقر ويمكن الاعتماد عليه».
سواء نبع ذلك من اعتبارات ايديولوجية أو عملية، فقد وصل عدد كبير لتأييد أردوغان بعد محاولة الانقلاب، والعدسات الاجنبية تابعت الجموع الغفيرة التي تظاهرت. والعيون الاجنبية قد تعتبر أن هذه عبادة مبالغ فيها للشخص، وهي تذكر بالانظمة الفاشية. «هؤلاء اشخاص يناضلون من اجل مستقبلهم»، قال بيركلي.
رد أردوغان على محاولة الانقلاب الذي أثار الانتقادات في العالم، غير مرفوض بالنسبة لكثيرين من مؤيديه. لقد اتهم أردوغان فتح الله غولن بمحاولة الانقلاب. وبدأ بحملة واسعة ضده وبحملة تطهير ضد «اليزمط»، وهو حزب تابع لغولن. ويعتبر اليزمط في اوساط الاجانب حركة إسلامية معتدلة، هكذا يتم وصفه باللغة الانجليزية. ولكن بالنسبة لكثيرين من الاتراك فإن عدم التدقيق في المميزات المختلف فيها لدى هذا الحزب، هو مثابة انقطاع عن الواقع.
يتم التعامل مع حزب غولن في تركيا على أنه جماعة دينية منغلقة هدفها التغلغل إلى أكبر عدد من المؤسسات للسيطرة على الحكم. وقد عززت اقتباسات من خطابات غولن هذا الموقف، اضافة إلى الافلام الوثائقية ومقالات في صحف مختلفة، الامر الذي أثر على الرأي العام في تركيا.
على مدى السنين كانت العلاقة بين الحزب والحكومة متقلبة، وتحركت بين مكانة غير قانونية وإدانة لغولن، وبين الغاء الادانة في ظل حكم أردوغان، وكانت هناك فترة أصبحت فيها العلاقة مع الحكومة جيدة وفيها تعاون. وكل ذلك تغير في العام 2013 عندما تم الكشف عن قضية الفساد التي شملت المقربين من أردوغان وهددت بتوريطه هو نفسه. أردوغان أعلن أن فضيحة الفساد هذه تمت فبركتها من قبل اشخاص يحسدونه على نجاحه. وقد قصد حركة غولن الذي خدم الكثير من أتباعه في الشرطة. وفي العام 2014 تم الاعلان عن حركة غولن في تركيا على أنها منظمة إرهابية تحاول اسقاط النظام.
في الوقت الذي فوجئت فيه وسائل الإعلام الاجنبية من عملية التطهير الشاملة في الاشهر الاخيرة، واعتبرت ذلك بداية توجه تركيا نحو الديكتاتورية، تنفسوا في تركيا الصعداء. وبالنسبة لكثير من الجمهور، بدأ أردوغان أخيرا في التخلص من السرطان، مثلما قال عن حركة الغولنيين وكما اعتبرها الكثيرين.
حتى الآن تم اعتقال أو طرد 100 ألف شخص من اماكن عملهم، منهم معلمون واكاديميون وقضاة وجنود ورجال شرطة وموظفون في القطاع العام. إن عملية التطهير تهدف، كما قال أردوغان، إلى التخلص من أتباع غولن.
«أنا لا أنفي امكانية وجود اخطاء، وتضرر اشخاص أبرياء»، قال كرغوز، «لكننا نعيش في دولة ديمقراطية. وديمقراطيتنا قوية. والبريء ستتم تبرئته في نهاية المطاف». «أنت تعتقدين أن هذه الاقالات تؤثر على الشخص العادي كما تؤثر على وسائل الإعلام الاجنبية؟ بالتأكيد لا. الشخص البسيط كان مسرورا لأننا نتخلص منهم»، أضاف.
«لقد ذهبت إلى أحد مقرات اليزمط»، قال محمد، «وغادرت المكان بسرعة لأن الاجواء هناك كانت غريبة. أنت تأتي من اجل الحصول على الخدمة، التي كانت جيدة ـ المساعدة في الدروس البيتية، المساعدة في التحضير للجامعة والنوم ايضا لمن يحتاج. ولكنك تشعر بأن الايديولوجيا توجد هناك بشكل معين، حتى لو وصلت من أجل التعلم».
هناك من قام بتخصيص جزء كبير من وقته وعلى مدى سنين من اجل الكشف عن الجوانب المظلمة لحركة غولن واثبات ذلك. ويمكن ايجاد ذلك في الفيلم القصير من الثمانينيات الذي طلب فيه غولن من أتباعه الوصول إلى الاماكن المفصلية من اجل السيطرة على الدولة في الوقت المناسب. وقد قال غولن عن هذا الفيلم وأفلام اخرى، إنه تم اخراج اقواله عن سياقها. حنفي أباجي، ضابط شرطة رئيسي سابق، نشر في العام 2010 كتابا يصف ليس فقط الطرق التي وصل من خلالها رجال غولن إلى قيادة الشرطة، بل كيف اختلقوا فضائح وزوروا شهادات لمن كان يقف في طريقهم من اجل التخلص منه. وايضا من خلال قضاة ومحامين تابعين لهم. وقد أصبح هذا الكتاب من الكتب الاكثر مبيعا. وبعد ذلك تم اتهام أباجي بالعلاقة مع منظمة إرهابية، الامر الذي نفاه. وحكم عليه 15 سنة سجن.
اضافة إلى ذلك، وسائل الإعلام المحلية قالت إن هناك الكثير من قادة الازوتاريين الذين يؤيدون غولن. ولكن إذا كانت نظرية المؤامرة الخاصة بحركة غولن صحيحة، فليس من الواضح إلى أي درجة تورط فيها المؤيدون العاديون. ومن بين اولئك الذين يعتبرون حركة غولن جماعة منغلقة تهدد بالسيطرة، هناك من يعتقدون أن أتباع حركة غولن هم اشخاص بسطاء مع نوايا حسنة، تم تضليلهم وانجروا بشكل أعمى لقائدهم. في هذه الحالة، هل من الصحيح التخلص من 100 ألف شخص، بناء على شهادات مثل: فتح حساب في البنك التابع لغولن؟ أو التعليم في المدرسة التابعة لغولن؟ وإلى أي درجة كانت قوائم التطهير صحيحة؟.
«منظمات حقوق الانسان ترغب في القول إن هذه التطهيرات أضرت بحقوق الانسان»، قال بيركلي، «لكن كانت هذه فرصة للآخرين لاستعادة حقوقهم. الغولنيين تسللوا إلى الجهاز بشكل قوي إلى درجة أضرت بمن هم ليسوا من حركة غولن. لقد كانوا يصلون إلى المؤسسات الرسمية ويحضرون اصدقاءهم. وهناك أماكن لا يمكنك البقاء فيها إذا لم تكن من أتباع غولن».
هآرتس 11/12/2016